مصر: صفقات أسلحة من إيطاليا لإخماد قضية ريجيني

مصر: صفقات أسلحة من إيطاليا لإخماد قضية ريجيني

24 يوليو 2019
نمت مبيعات الأسلحة الإيطالية بقوة لمصر(أنطونيو مازييلو/Getty)
+ الخط -


أظهرت وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الإيطالية، أن مصر حققت رقماً قياسياً على مستوى مشتريات الأسلحة والذخائر والنظم المعلوماتية الأمنية الإيطالية في العام الماضي، فتخطى الـ69 مليون يورو، وهو أكثر من ضعف أكبر مبلغ دفعته مصر نظير الأسلحة الإيطالية في عام واحد على الإطلاق. وكشفت الوثيقة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، أن "مصر دفعت لإيطاليا 69.1 مليون يورو العام الماضي، وهو رقم يفوق بكثير سعر مشترياتها من الأسلحة والذخيرة في جميع الأعوام من 2013 إلى 2017". ففي عام 2013 استوردت مصر أسلحة من إيطاليا بمبلغ 17.2 مليون يورو، وفي عام 2014 استوردت بمبلغ 31.8 مليون يورو، وفي عام 2015 بلغ ثمن الواردات 37.6 مليون يورو، ثم انخفضت الواردات بشكل ملحوظ عام 2016 ليبلغ سعرها 7.1 مليون يورو، وفي 2017 ازدادت بصورة طفيفة إلى 7.4 ملايين يورو، قبل أن تصل لمستوى قياسي في عام 2018 بمبلغ 69.1 مليون يورو.

وأوضحت الوثيقة أنه "عام 2018 احتلت مصر المركز العاشر في قائمة الدول المستوردة للسلاح الإيطالي بصفة عامة، والأولى في قارّة أفريقيا، وسبقتها قطر وباكستان وتركيا والإمارات وألمانيا وأميركا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا". أما أبرز البضائع العسكرية المستوردة فهي المسدسات والبنادق الصغيرة لتسليح الجيش، والقنابل، وقطع غيار بعض الأسلحة الأميركية الصنع المنتجة حصراً في إيطاليا، وأنظمة التوجيه والقيادة والسيطرة الميدانية. وهي قابلة للاستخدام العسكري والشرطة وأجهزة إلكترونية ورادارية مختلفة للاستخدام العسكري. وأخيراً، وهو المجال الأحدث في تجارة الأسلحة بين البلدين، الأنظمة المعلوماتية الذكية التي تم توريدها إلى هيئات مختلفة بالجيش وكذلك للشرطة.

وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الرقم يزيد بكثير أيضاً عن أكبر صفقات شراء السلاح التي وقعتها مصر مع إيطاليا في سنوات ما قبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، والتي امتازت بتعميق التعاون بين البلدين في هذا المجال، تحديداً في ما يتعلق بشراء معدات التسليح الخفيفة للشرطة وقوات مكافحة الشغب والأمن المركزي".

وربط المصدر بين "هذه الزيادة الهائلة في استيراد الأسلحة من إيطاليا وبين رغبة النظام في إرضاء روما وتقليص احتمالات الصدام معها، على خلفية استمرار الجمود في ما يتعلق بالتعاون المشترك في تحقيقات قضية مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة مطلع عام 2016، وكذلك الخلافات السياسية بين البلدين حول ليبيا ومستقبل حكومة الوفاق الوطني وقائد مليشيا شرق ليبيا خليفة حفتر الموالي لمصر".

وذكر المصدر أن "هذه الصفقات ما زالت تمنع بلا شك تدهور العلاقات بين الجانبين على الرغم من كل الضغوط التي تبذلها دوائر يسارية ويمينية بالبرلمان الإيطالي، وعلى الرغم من تجدد المطالبات منذ إبريل/ نيسان الماضي لسحب السفير الإيطالي من القاهرة. وتبنّي البرلمان قراراً بتشكيل لجنة تقصّي حقائق خاصة من بين النواب في حادث مقتل ريجيني، وفحص كيفية ووتيرة تعاون مصر مع المدعي العام الإيطالي، الذي كان قد أبلغ السلطات السياسية والتنفيذية سلفاً باستنفاده كل الطرق القانونية الدولية لحمل مصر على تقديم الشخصيات المشتبه في ارتكابها تلك الجريمة للعدالة، سواء في مصر أو إيطاليا".



وأشارت المصادر إلى أنه "حتى نهاية 2017 كانت الحكومة الإيطالية تنظر إلى مصالح الشركات الإيطالية الكبرى العاملة في مصر، وعلى رأسها عملاق الطاقة (إيني) على أنها العائق الأساسي الذي يمنع تطوير قضية ريجيني على الصعيد السياسي بين البلدين، إلا أن لعب القاهرة على وتر صفقات التسليح بات هو العائق الأول، نظراً لسعي إيطاليا لتعويض تراجع مبيعاتها بشكل عام في السوق الأوروبية، بزيادة المبيع في الشرق الأوسط والخليج العربي وأفريقيا وهو ما يبدو ظرفاً مواتياً لحكومة السيسي، لعقد مزيد من الصفقات خلال العام الحالي والأعوام المقبلة".

وكانت مصادر مصرية قد كشفت في مايو/ أيار الماضي، أن "النيابة العامة في مصر طلبت من نظيرتها الإيطالية إفادة كاملة، بنصّ الشهادة التي أدلى بها الضابط الأفريقي الذي أرشد المدعي العام في روما عما وصفته بـ(اعتراف ضابط كبير مشتبه في ضلوعه في قتل ريجيني)، وذلك رداً على الطلب الذي أرسلته روما للقاهرة للتحقيق مع الضابط المصري. ومنذ ذلك الوقت أصاب الجمود التام الاتصالات بين الطرفين".

واعتبرت المصادر آنذاك الطلب المصري "من قبيل التسويف وإهدار الوقت"، مستبعدة أن "يتم السماح باستجواب أي ضابط مصري في روما إلا بقرار خاص من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي شخصياً". وأكدت المصادر نفسها أنه "لا اتفاق حتى الآن بين القاهرة وروما على تبادل المعلومات بشأن مستجدات هذه الواقعة تحديداً، لكن الادعاء الإيطالي وفقاً للقانون الدولي والاتفاقيات المشتركة، لا يملك حقّ توجيه اتهام من جانب واحد".

وكان الادعاء العام في روما قد حصل على "معلومات موثقة ومسجلة تؤكد تورط هذا الضابط في قتل ريجيني، أو على الأقل معرفته بجميع تفاصيل الحادث، تتمثل في حديث أدلى به الضابط لعدد من الضباط الأفارقة المشاركين معه في دورة تدريبية. وكان يعتقد على الأرجح أن الجلسة ودّية وليس بها ما يخشى الحديث عنه، وسمعه أحد الضباط الأفارقة، ثم تذكر الحديث بعدما قرأ اسمه بين الضباط الخمسة المشتبه فيهم بالقائمة التي أعلنتها روما نهاية العام الماضي".

وذكرت المصادر أن "الضابط الأجنبي الذي استمع لهذه الشهادة، اتصل بروما ونقل لها تلك المعلومات مدفوعاً بشعوره بالمسؤولية المهنية، ثم أدلى بالشهادة في تحقيقات مسجلة في مكتب المدعي العام بروما، الذي بات يملك الآن معلومات أكثر وضوحاً عن السبب المرجح لمتابعة ريجيني ورصده أمنياً ثم اعتقاله، مع التحفظ على حاجاته الشخصية قبل أن يلقى مصرعه ويتم التخلص منه بصورة وحشية بترك جثته العارية على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي".