Skip to main content
مصر: حكومة الانقلاب تستجدي السائحين وتوقع انكماش لأربع سنوات
تراجع حاد في أعداد الوافدين والإيرادات السياحية (getty)

"لقد اشتقنا لك" ..هذا هو عنوان الحملة الإعلانية الجديدة لوزارة السياحة المصرية، في محاولة لاستجداء السياح العرب الذين يأتون من بلدان الخليج الغنية خلال الصيف، بعد أنّ باءت محاولاتها لجذب الأوربيين بالفشل في ظل الاضطرابات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد.

عنوان الحملة يعكس وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حقيقة الوضع المؤلم والمتردي، فمنذ ثلاث سنوات حتى الآن أدت الاضطرابات السياسية إلى عزوف الكثير من السائحيين عن زيارة مصر مخلفة ملايين المصريين الذين يعتمد دخلهم على وجود السائحين دون أي دخل، بينما لا تبدو في الأفق أي بوادر لحل هذه الأزمة، التي لم يشهد مثلها القطاع الحيوي من قبل.

ففي شركة كوزموس السياحية، والتي تعمل في هذا المجال منذ 37 عاماً ومقرها القاهرة، والتي اعتادت تقديم خدماتها لما يقرب من 30 ألف سائح سنوياً، قال خالد محمد إسماعيل مدير التشغيل بالشركة، إنّه لم يقم بعمل أي حجوزات سياحية ولو حتى لزائر واحد منذ مايو/ أيار 2013.

وأضاف إسماعيل" نحن لا نتوقع أي رواج سياحي قبل حلول عام 2015"، مشيرا إلى أنّ مقر الشركة الذي كان يعج بالحركة قديماً مهجوراً والموظفين يأتون مرّة واحدة في الأسبوع.

خسائر قطاع السياحة أدت لنتيجة اقتصادية كارثية، ليس فقط لفقدان خزينة الدولة لمثل هذا المورد المهم للدخل وازدياد الحاجة إلى العملة الأجنبية لتغطية الواردات، وإنما لخسارة القطاع مهارات قطعت سنوات من التدريب والخبرة، اضطروا إلى البحث عن وظائف جديدة خارج هذه الصناعة، وكذلك الطلاب عليهم البحث عن مسار وظيفي آخر لأنّ السياحة التي كانت تعد المسار الوظيفي الواعد في مصر أصبحت في وضع متردي.

وقال رأفت فيرجاني خطاب، الذي يعمل مرشداً سياحياً في القاهرة، ويعمل بالسياحة كل عائلته، إن من يستمر في المجال يراقب مدخراته وهي تتبخر، بينما يتضاءل الأمل في أن تتحسن الأمور.

وأضاف خطاب، الذي رافق جده ملك السويد خلال زيارته لمصر في القرن العشرين أنّ "ما تم ادخاره في سنوات الرواج تم إنفاقه والسياحة هي مصدر الدخل الرئيسي للطبقة المتوسطة".

وقال إنّ "الأزمة لم تقتصر على المرشدين السياحيين وإنما طالت المزارعين، الذين يزودون الفنادق بالفواكه العضوية والصيادلة في المنتجعات السياحية.. لقد عاد الجميع مرة أخرى إلى المربع رقم واحد".

ولا يبدو أن هناك أي بارقة أمل في الأفق لقطاع السياحة المصرى، فالصراعات السياسية في مصر ازدادت عنفاً على نحو متزايد بعد إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسى في الثالث من يوليو/تموز الماضي، فتم قتل المئات من المحتجين.

كما تضرر أصحاب شركات السياحة بشكل مباشر، عندما فجر مسلحون حافلة مليئة بالسائحين في سيناء شمال شرق مصر في فبراير/شباط الماضي للمرة الأولى منذ نحو ثلاثة أعوام.

مسؤولو السياحة، الذين حاولوا العام الماضي إقناع العالم بأنّ المخاوف حول مصر تم تضخيمها، باءت محاولاتهم لجذب السياح من الولايات المتحدة أو العديد من البلدان الأوروبية بالفشل.

ولجأ المسؤولون المصريون إلى التركيز بدلاً من ذلك على السياح العرب، على أمل أن النوايا الإقليمية الحسنة والحنين لمصر سوف تتغلب على مخاوف السياح العرب على سلامتهم الشخصية.

وقالت المتحدثة باسم وزارة السياحة رشا العزايزي، إنّ" السياح العرب يشعرون بالراحة هنا".

ويشكل السياح العرب تقريباً خمس عدد السياح القادمين إلى مصر، كما استهدفت الحكومة أيضاً أسواقاً غير معروفة مثل لاتفيا أملا في أن يكون هناك سياح مغامرين.

ففي عام 2010 وقبل اندلاع الثورة في يناير/كانون الثاني 2011، كان يرتاد مصر ما يقرب من 15 مليون سائح أجنبي، أما في العام الماضي فانخفض الرقم ليصل إلى 9.5 مليون سائح،

حيث أن معظم السياح هذه الأيام يقتصرون على المناطق الشاطئية بالبحر الأحمر شرق مصر، ويتجنبون القاهرة وغيرها من الوجهات الثقافية، مما يقلل من حجم انفاقهم.

ولكن المناطق الشاطئية تعاني من التهديد أيضا، خاصة بعد الهجوم الذي وقع على الحافلة في سيناء، والذي أعقبه صدور عدد من تحذيرات السفر إلى مصر من العديد من البلدان الأوروبية لمواطنيها، مما أدي إلى إحجام السائحين للقدوم إلى مصر، عدا عدد ضئيل من السياح، الذين تجاهلوا التحذيرات وحصلوا على تخفيضات هائلة، ليتم تسكينهم في فنادق الخمس نجوم الفاخرة بالقرب من من الشواطئ الرئيسة والمواقع التاريخية لقاء مبالغ زهيدة للغاية.

وفي الوقت نفسه كان على العاملين في مناطق الجذب الأكثر شهرة في مصر، أن يعتادوا الركود فيبدو الباعة المتجولين المنتشرين حول أهرامات الجيزة وقد فاق عددهم السياح في معظم الفترات الصباحية بنسب خيالية.

أما في المتحف المصري بالقاهرة، فقد استلقي الموظفون في غفوة قصيرة، بينما هناك حفنة من السياح يلتفون حول القناع الجنائزي اللامع للملك توت عنخ آمون، وخارج المبنى وقف العشرات من جنود الحراسة وضباط الشرطة بجوار العربات المدرعة والشاحنات في دليل واضح على عدم الاستقرار الذي تعاني منه مصر والعزلة التي فرضها الانقلاب عليها.

بعض هذه القوات قد تكون هناك لحماية الكنوز والسياح ولكن الكثير من الجنود كانوا يحملون بنادق إطلاق الغاز المسيل للدموع والتي تستخدم لتفريق الحشود، في حال إذا ما تجرأ المحتجون على اقتحام ميدان التحرير القريب.

مصر ستشهد إجراء انتخابات رئاسية نهاية مايو/أيار الجاري، والمتوقع أن يفوز فيها عبد الفتاح السيسي الذي قاد انقلاب الجيش للاستيلاء على السلطة من الحكومة المنتخبة في يوليو/تموز الماضي، والذي كان يشغل منصب وزير الدفاع والحاكم الفعلي للبلاد منذ ذلك الحين.

ويعقد مؤيدي السيسي أملاً كبيراً عليه، في أنه سيحل الأزمات المتصاعدة في مصر، بما في ذلك الركود السياحي.

السيسي أشار إلى نشأته في أحد الأحياء التاريخية في القاهرة، كدليل على أنه يتفهم مشاكل هذه الصناعة.

لكن بعض أصحاب الشركات السياحية يتشككون في جدوى انتخابه، ففي الماضي كانت السياحة تنتعش بسرعة، بعد كل كارثة، بما في ذلك الهجمات المسلحة القاتلة على السياح، لكن هذه المرّة مصر خسرت ثقة العالم فيهاـ وهي مشكلة لا تستطيع الشعارات الذكية إصلاحها بسهولة.

ويري الكثيرون من العاملين في السياحة أنّ الانكماش في السياحة "سوف يستمر لثلاث أو أربع سنوات مقبلة وأن حالة البلد تزداد سوءاً".