مصر: تقاسم اختيار نواب البرلمان بين المخابرات والأمن الوطني

مصر: تقاسم اختيار نواب البرلمان بين المخابرات والأمن الوطني

07 سبتمبر 2020
فشل الأمن الوطني في الحشد لانتخابات الشيوخ (إسلام صفوت/Getty)
+ الخط -

في خط متوازٍ مع استعدادات جهاز الأمن الوطني لوضع تشكيلة المرشحين الأساسيين للنظام الفردي وأعضاء القوائم الأربع، المدعومة من النظام المصري، في انتخابات مجلس النواب المقبل، والتي ستتشكل من أعضاء الأحزاب الموالية، وعلى رأسها "مستقبل وطن"، كما حدث في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة، يتولى جهاز المخابرات العامة مهمة اختيار الشخصيات التي ستمثل النواة الأساسية للبرلمان. وسيعتمد الجهاز على هذه الشخصيات في تحريك القضايا المختلفة، وقيادة الأغلبية التي سينتمي معظم أعضائها، بطبيعة الحال، للأقاليم والمناطق الريفية، فضلاً عن أداء تلك الشخصيات دوراً أساسياً في تمثيل البرلمان أمام الرأي العام وفي وسائل الإعلام، وفي تسويق وتمرير مشاريع القوانين والمواقف الرسمية للنظام داخل البرلمان المصري.
وقالت مصادر سياسية في حزب "مستقبل وطن" إن المخابرات والأمن الوطني يقسمان أعضاء مجلس النواب المستهدفين إلى ثلاث فئات، أكبرها عدداً، بنسبة تصل إلى 60 في المائة، من الفردي والقوائم، شاملة حصة المرأة، سيتم اختيارهم بمعايير القبلية والعلاقات الإقليمية بالمناطق الريفية. وأسندت هذه المهمة إلى الأمن الوطني، حيث بدأت منذ أسابيع الاتصالات والاجتماعات التنسيقية مع العائلات والقبائل ولجان الأحزاب الموالية للنظام بالمحافظات، بحضور مديري الأمن والعمد ومشايخ القرى. وسيتم تحديد المرشحين المختارين بناء على عدة عوامل، من بينها القدرة على الإنفاق على الدعاية لصالح القوائم أو الحزب، ودفع مبالغ مالية للنظام وأجهزته والمحافظات تحت مسمى "تبرعات"، إلى جانب مدى تعاون المرشحين أمنياً وقوة اتصالاتهم بالأجهزة المختلفة، لا سيما أن هيئة الرقابة الإدارية ستلعب دوراً أساسياً أيضاً في التصديق على الاختيارات الأمنية.

قسم المخابرات والأمن الوطني أعضاء مجلس النواب المستهدفين إلى ثلاث فئات

أما الفئة الثانية، فتصل نسبتها من إجمالي الأعضاء إلى 30 في المائة، وهي تضم نواب الفردي والقوائم بالقاهرة الكبرى والإسكندرية والمناطق الحضرية على مستوى الجمهورية. وأسندت مهمة اختيارهم إلى لجان مشكلة من ممثلي الأمن الوطني، والمخابرات العامة، والرقابة الإدارية، حيث يلعب الجهازان الأخيران دوراً أكبر في الاختيار بناء على معايير، من بينها -وليس على رأسها- القدرة المالية للمرشحين، فالأهم للنظام بالنسبة لهذه الفئة هو قوة التعاون مع الأجهزة وكيفية التعامل مع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وهناك توجه لاختيار نسبة كبيرة من هذه الفئة من بين الشخصيات الحزبية الحاصلة على دورات تأهيلية من الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة لدائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأكاديمية ناصر العسكرية. كما تميل المخابرات لاختيار معظمهم دون 45 سنة، مع اختيار عدد منهم لمناصب قيادية بلجان البرلمان المختلفة.
أما الفئة الثالثة، التي تبلغ نسبتها عشرة في المائة، فسيستأثر باختيارها جهاز المخابرات العامة، وتحديداً مكتب مديره عباس كامل بقيادة الضابط النافذ أحمد شعبان، مضافاً إليها نسبة الخمسة في المائة التي سيعينها السيسي بالمجلس، حيث سيتم اختيار رئيس البرلمان القادم ووكيليه ورؤساء اللجان والمكاتب المختلفة من هذه الفئة. علماً بأن شعبان يقود حالياً أيضاً عملية اختيار الأعضاء المائة الذين سيعينهم السيسي في مجلس الشيوخ، مشكلين ثلث مقاعده.

وبحسب المصادر السياسية فإن شعبان سيدير عملية الاختيار، كما حدث في الشيوخ، على مراحل تدريجية، تنتهي بجلسات يعقدها ضباط بالمخابرات العامة مع المرشحين، تكون أشبه بالمقابلة الشخصية بعد استيفاء التحريات الأمنية والرقابية اللازمة، ومن خلال هذه المقابلة يتحدد مصير المرشحين. وبحسب المصادر فإن التقسيم بهذه النسب بين المخابرات والأمن الوطني يثير بعض الحساسيات في الجهاز الأخير، خصوصاً بعد اتهامه من قبل دائرة السيسي بالتقصير والفشل في حشد الناخبين بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ، التي سجلت أدنى مستويات المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية بالعقد الأخير، بنسبة 14 في المائة بعد استنفاد وسائل الحشد غير المشروعة. كما أن الأمن الوطني يشكك دائماً في كفاءة اختيارات دائرة السيسي وعباس كامل على صعيد الممارسة السياسية، الأمر الذي سيصطدم بواقع جديد هو رغبة المخابرات في تصعيد أكبر عدد ممكن من الجيل الجديد الذي تم إعداده في البرنامج الرئاسي لإعداد القادة الجدد وأكاديمية التدريب وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين ومنتديات الشباب، وغيرها من الجهات التابعة لمكتب مدير المخابرات مباشرة، ويسيطر عليها شعبان، ما سيغير سمات البرلمان القادم بصورة كبيرة، شكلياً، عن الماضي، دون تغير توجهاته بالطبع.

هيئة الرقابة الإدارية ستلعب دوراً أساسياً في التصديق على الاختيارات الأمنية

وقبل ثلاثة أيام طفت على السطح أزمة ظاهرة السيطرة المطلقة لشعبان وأذرعه على اختيارات الفئة الأكثر أهمية من مرشحي النواب والشيوخ، عندما اتهمته عضوة حركة "تمرد" السابقة دعاء خليفة بتعمد الإساءة لها، ومنعها من الانضمام لتنسيقية الشباب التي أنشأها حتى لا تتمكن من العودة للعمل السياسي. ونشرت خليفة عدة منشورات ومقاطع فيديو، على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، اتهمته فيها بالتسلط وحجب الحقائق عن السيسي والسعي لتعيين المقربين منه بمجلس النواب دون اعتبارات للكفاءة، ضاربة عدة أمثلة لذلك، قبل أن تعود وتحذف جميع ما نشرته حتى مقاطع الفيديو، وتنشر مقطعاً آخر صباح أمس السبت تزعم فيه أن "الصفحة كانت مخترقة"، في تعبير واضح عن حجم الضغوط التي مورست عليها، بما في ذلك إصدار بيان رسمي من "تنسيقية الشباب" وإذاعته في وسائل الإعلام الرسمية يتهمها بالافتقاد لحسن السمعة وارتكاب مخالفات مالية وأخلاقية.
وابتعد العقيد أحمد شعبان عن التحكم المباشر في وسائل الإعلام، وأشيعت أنباء عن إبعاده عن السلطة نهاية العام الماضي، لكن الحقيقة، التي سبق وأكدتها "العربي الجديد" نقلاً عن مصادر مختلفة، في ديسمبر/كانون الأول ويوليو/تموز الماضيين، هي أنه ما زال المتحكم الأول في إدارة الملف السياسي، برفقة نجل السيسي ضابط المخابرات محمود، والمسؤول عن مجموعة من الأنشطة الرئيسية للنظام، ومنها "تنسيقية الشباب" التي لا يتجاوز عمرها العامين، وبات لها ممثلون في جميع التشكيلات الحكومية رفيعة المستوى، دون ظهور أي عمل أو نشاط لها على الأرض.
ويتعارض هيكل "التنسيقية" وفكرة إنشائها مع ممارسة السياسة بمعناها الحقيقي والتواصل مع الجماهير. فهي مؤسسة ككيان مركزي تابع لمكتب مدير المخابرات، بعدما كانت في البداية تابعة لرئاسة الجمهورية، قبل انتقال ملفات كامل وشعبان مع انتقالهما للجهاز، بدون هيكل إداري أو تنفيذي واضح. ومن خلال التواصل المباشر المستمر مع أكثر من 25 حزباً، لا تمتلك القواعد الشعبية الكافية، تتمكن "التنسيقية" من ضم أعداد محدودة من الشباب أعضاء تلك الأحزاب، بعد اختيارهم بعناية، واجتيازهم الفحص الأمني والاستخباراتي ونجاحهم في الدورات اللازمة في الأكاديمية الوطنية للشباب، ليصبحوا من أعضائها. وبعد حصولها على خمسة مقاعد في الشيوخ، بدأت "التنسيقية" استعداداتها لانتخابات مجلس النواب المقبلة، بضم عدد من الشخصيات العامة المعروفة نسبياً ومتكررة الظهور في وسائل الإعلام، فتم ضم النائب الحالي محمود بدر، العضو المؤسس السابق لحركة "تمرد"، الذي يقترب من أن يكون أول ممثل لـ"التنسيقية" في مجلس النواب.

الضابط أحمد شعبان يقود عملية اختيار الأعضاء المائة الذين سيعينهم السيسي في مجلس الشيوخ
 

ونظراً لعدم وجود أنشطة حقيقية لـ"تنسيقية الشباب"، فلا تبرز كثيراً أخبار تسلل أعضائها -بإرادة استخباراتية- للمشاركة في السيطرة على عدد من مفاصل الدولة. فقبل أيام أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارات التشكيل الكامل للجانه المختلفة، وضم التشكيل اختيار أربعة من أعضاء "التنسيقية" غير المعروفين في الوسط الإعلامي، وهم المتحدثة باسمها شيماء عبد الإله عضوة بلجنة تراخيص المواقع الإلكترونية، وأحمد عبد الصمد عضواً في لجنة بحوث الرأي والمشاهدة، وأحمد مقلد عضواً بلجنة المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية، ونشوى الديب عضوة في لجنة تراخيص الوسائل الإعلامية. ويعتبر هذا امتداداً لاختيار ستة من أعضاء "التنسيقية" أيضاً كنواب للمحافظين في الحركة الأخيرة.
وكان مجلس النواب قد وافق في جلسته العامة، في 18 أغسطس/آب الماضي، على مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية للبرلمان، المقدّم من ائتلاف "دعم مصر". وينص القانون على أن يكون عدد أعضاء مجلس النواب 568 بواقع 284 للفردي و284 للقوائم. وتم تقسيم الجمهورية إلى 143 دائرة انتخابية للنظام الفردي، وأربع دوائر انتخابية تخصص للانتخاب بنظام القوائم. وخصص للقاهرة بموجب مشروع القانون أعلى عدد مقاعد، وهو 31، بينما حصلت الإسكندرية على 16 وبورسعيد على مقعدين. ووفقاً للقانون، يتم تمثيل محافظة الإسماعيلية بـ5 مقاعد، والسويس بمقعدين، والقليوبية بـ16 مقعداً. كما يتم تمثيل الشرقية بـ21 مقعداً، والدقهلية بعدد المقاعد نفسه، بينما تحصل دمياط على 4 مقاعد وكفر الشيخ على 10 مقاعد، ويتم تمثيل محافظة الغربية بـ14 مقعداً، والمنوفية بـ11 والبحيرة بـ18، فيما تحصل الجيزة على 25 مقعداً، والفيوم على 10، في حين يتم تمثيل بني سويف بـ8 مقاعد، والمنيا بـ16 مقعداً، وأسيوط بـ12 مقعداً. ووفقاً للقانون أيضاً، يتم تمثيل سوهاج بـ14 مقعداً، وقنا بـ9، والأقصر بـ3 مقاعد، وأسوان بـ5، ومطروح بمقعدين، والأمر نفسه بالنسبة لمحافظة الوادي الجديد (مقعدين)، والبحر الأحمر بـ3 مقاعد. أما شمال سيناء، فيتم تمثيلها بمقعدين وجنوب سيناء بمقعدين كذلك.