مصر ترد على "هيومن رايتس ووتش".. حجج تتهاوى تباعاً

مصر ترد على "هيومن رايتس ووتش".. حجج تتهاوى تباعاً

09 سبتمبر 2017
(في القاهرة، تصوير: حسن محمد/ فرانس برس)
+ الخط -

أصدرت منظمة "هيومن راتيس ووتش"، المعنية بحقوق الإنسان، قبل أيام عدة، تقريرًا مطولًا تحت عنوان "هنا تُفعل أشياء لا تُصدّق.. التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي"، رصدت فيه الانتهاكات التي يتعرّض لها المعتقلون السياسيون في مصر، اعتمادًا على شهادات 19 محتجزًا سابقًا وعائلة معتقل آخر تعرّضوا للتعذيب بين عامي 2014 و2016.

تناول التقرير أيضًا، تقنيات التعذيب التي يستخدمها ضباط وأفراد الشرطة والأمن الوطني، والتي تتنوّع بين الضرب والصعق بالكهرباء في أماكن حساسة واقتلاع الأظافر والتعليق كالذبيحة والاغتصاب. وتحدث التقرير كذلك عن تواطؤ أعضاء النيابة العامة مع ضباط وعناصر الشرطة في ما يخص قضايا التعذيب، وعدم اتخاذ أي إجراء للتحقيق في ادعاءات المعتقلين بالتعرّض للتعذيب.

لم يأت التقرير بجديد لأغلب متابعي الشأن العام في مصر، خاصّة المعنيين منهم بملف حقوق الإنسان، فهو يؤكّد ما ردّدته عشرات المنظمات الحقوقية المحليّة خلال السنوات الأربع الماضية، ورغم هذا، حظي التقرير باهتمام كبير نظرًا للثِقل الدولي التي تتمتّع به المؤسّسة التي أصدرته، وهو ما دعا النظام المصري الحاكم للتعاطي معه على مستويات عدّة.


الخارجية تنفي والجرائد تهاجم
وصلت الضجّة التي أحدثها التقرير إلى مسامع وزارة الخارجية المصرية، فاضطرت إلى التعليق عليه، وجاء التعليق كما هو متوقع؛ النفي القاطع لكل ما ورد في التقرير، والتأكيد على أن حقوق الإنسان في مصر مصونة، واتهام "هيومن رايتس ووتش" بترويج الإشاعات، والإثارة، والاستناد إلى شهادات غير موثقة، وخدمة أجندات الجهات والدول التي تموّلها.

وقالت "الخارجية" أيضًا، إن تشبيه أوضاع حقوق الإنسان في مصر بفترة ما قبل ثورة يناير، أمرٌ لا يتعارض فقط مع أية قراءة منصفة للأوضاع في مصر، وإنما يعكس نية مبيتة للتحريض على العنف وتأجيج المشاعر.

تلت تعليق "الخارجية" على التقرير حملة ممنهجة من الصحف المصرية التابعة للنظام، للتشهير بالمنظمة والعاملين بها، واتهامها بتلقي تمويل من جماعة "الإخوان المسلمين" ومن عدد من الدول بينها تركيا و"إسرائيل".

وخرجت العديد من الشخصيات والهيئات الموالية للنظام لتردّد السردية نفسها، فعلى سبيل المثال، قال رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العميد علاء عابد إن "جماعة الإخوان تدفع 18 مليون دولار سنويًا لـ هيومن رايتس واتش، لزعزعة مؤسّسات الوطن، والرجوع للحكم مجددًا"، مشيرًا إلى أن المنظمة الحقوقية أنشأها "ملياردير يهودي صهيوني، منذ 30 عامًا".

وغردت عضوة البرلمان مارغريت عازر، على الموجة نفسها، فقالت في بيان لها: "إن هذه المنظمة مشبوهة وتروّج الأكاذيب وتقاريرها مغلوطة بمعلومات غير موثقة وغير دقيقة، ودائمًا ما تسيء لحقوق الإنسان في مصر وتحرّض ضدّها وتسعى لتشويه سمعتها في المجتمع الدولي"، مشيرة إلى "أن هذه المنظمة جزء من منظومة السياسات المعادية للدولة المصرية وتنحاز لمصالح الجماعات الإرهابية ومن يموّلها".

ووصل الأمر بالهيئة الوطنية للصحافة إلى الدعوة لاجتماع عاجل من أجل "إعداد ملفات قانونية للمطالبة بمحاكمة هذه المنظمة أمام المحاكم الدولية المختصة، وكشف مخططاتها التآمرية التي تستهدف تعكير الأمن والاستقرار في الدول المستهدفة من دون أدلة أو أسانيد، وتعتمد على أقوال مرسلة تستقيها من عناصر الجماعات الإرهابية أنفسهم".


تفنيد الرواية الرسمية
كما هو واضح من رد وزارة الخارجية المصرية على تقرير "هيومن راتيس وواتش"، والحملة التي شنّتها صحف وشخصيات ومؤسسات محسوبة على النظام، فهناك اتجاه عام رسمي وشبه رسمي، لتكذيب المنظمة وتقاريرها واتهامها بأنها مسيسة، وتخدم الجهات التي تموّلها وعلى رأسهم جماعة الإخوان وتركيا و"إسرائيل". فهل تصمد هذه الاتهامات أمام محاولة تفنيد جادة؟.

تنفي التقارير التي نشرتها "هيومن رايتس ووتش"، خلال عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، تهمة التبعية للإخوان، فالمنظمة سبق أن اتهمت مرسي، في تقريرها السنوي لعام 2012، بانتهاك حريّة التعبير عبر إغلاق محطة تلفزيونية ومصادرة طبعات من جرائد وملاحقة 9 صحافيين قضائيًا، وانتقدت كذلك أداء الشرطة والجيش، تحت حكم الإخوان، واتهمتهما باستخدام التعذيب لإرهاب المقبوض عليهم في القضايا الجنائية وبعض القضايا السياسية.

وفي تقريرها السنوي عن عام 2013، قالت "هيومن رايتس ووتش" إن "حكومة الرئيس مرسي، والتي هيمن عليها الإخوان المسلمون، أظهرت استخفافًا بحقوق الإنسان، مع تزايد عدد الملاحقات القضائية للصحافيين، وانتهاكات الشرطة، وأعمال العنف الطائفي"، وأن "الشرطة في عهد مرسي، وتحديدًا في يناير/ كانون الثاني، قتلت في بورسعيد 46 شخصًا على مدار ثلاثة أيام بعد أن قتل مسلحون رجلي شرطة أثناء مظاهرة أمام أحد السجون".

كذلك سبق أن انتقدت "هيومن رايتس ووتش" دولة تركيا، واتهمتها بـ"السعي لإسكات الإعلام المستقل لمنع أي تدقيق أو انتقاد لحملة التطهير الواسعة النطاق التي تنفذها السلطات التركية ضد معارضيها"، وأكّدت في تقرير لها مطلع العام الجاري أن هناك تدهوراً مقلقاً لحقوق الإنسان في تركيا، فهل من المعقول أن تنتقد منظمة دولة تتلقى تمويل منها؟.

ووجهت "هيومن راتيس ووتش"، في تقريرها السنوي الأخير، اتهامات لإسرائيل باستخدام القوة المميتة ضدّ الفلسطينيين، وممارسة الإعدام خارج نطاق القضاء في بعض الحالات، وانتقدت كذلك حصار قوّات الاحتلال لقطاع غزة وقالت إن عواقبه وخيمة على السكان المدنيين. فكيف تنتقد منظمة دولة تموّلها بهذا الشكل؟

أما عن ادعاء "الخارجية" وأبواق النظام أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر في أفضل أحوالها وأنه لا يوجد تعذيب في السجون وأماكن الاحتجاز، وأن "هيومن رايتس ووتش" منظمة متحيزة، فماذا سيقول هؤلاء أمام انتقادات منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة لتدهور حقوق الإنسان في مصر؟ هل يتآمر الكوكب كله على مصر؟.

قالت "العفو الدولية"، في تقريرها السنوي "مصر 2016 / 2017"، إن "قطاع الأمن الوطني مسؤول عن تعريض مئات المعتقلين للاختفاء القسري، كذلك تعرّض معتقلون للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على أيدي ضباط من قطاع الأمن الوطني وغيره من أجهزة الأمن. واستخدمت قوّات الأمن القوة المفرطة المميتة خلال العمليات الشرطية العادية، وفي حوادث يُحتمل أن تكون بمثابة عمليات إعدام خارج نطاق القضاء".

وأعربت منظمة الأمم المتحدة كذلك، عن قلقها بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين، في مايو/ أيار الماضي، إن "الإجراءات الأمنية العنيفة في مصر تغذّي التطرّف، الذي تسعى الدولة لمحاربته. وإن حالة الطوارئ والاعتقالات بأعداد كبيرة والتقارير عن عمليات تعذيب واستمرار الاعتقالات العشوائية، كلها عوامل نعتقد أنها تسهل التطرف في السجون".

ولعلّ أبرز دليل على وصول انتهاكات حقوق الإنسان في مصر إلى حد غير مسبوق، هو قيام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يوصف بأنه صديق حميم لـ عبد الفتاح السيسي، في أغسطس/ آب الماضي، بوقف معونة لمصر مقدارها 95.7 مليون دولار أميركي، بالإضافة إلى تأجيل صرف 195 مليون دولار إضافية بسبب "فشل مصر في إحداث تقدم تجاه احترام حقوق الإنسان والأعراف الديمقراطية". بل ووافقت لجنة بالكونغرس الأميركي على خفض جديد للمعونة العسكرية والاقتصادية قدره 337 مليون دولار، بسبب ما وصفته بـ"السياسات القمعية للحكومة المصرية وعدم احترام حقوق الإنسان".

المساهمون