بدأت جهات حكومية مصرية تتولّى إدارة ممتلكات تابعة للمتهمين بتمويل جماعة الإخوان المسلمين، التصرف في بعض تلك الممتلكات، وتحديداً المنقولات، تنفيذاً لقرار لجنة التحفظ على أموال الجماعات "الإرهابية" بمصادرة جميع الأموال والأملاك التابعة لهؤلاء المتهمين، وصدور قرار قاضي الأمور الوقتية في محكمة الأمور المستعجلة بتأييد هذه المصادرة في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقالت مصادر حكومية مطلعة إن وزارتي الصحة والتعليم أصدرتا تعليمات بالتصرف بالبيع في كمية كبيرة من المنقولات والأدوات والآلات والأجهزة الموجودة بمستشفيات ومدارس متحفظ عليها منذ عام 2013، وبعض الكيانات التي تم التحفظ عليها ضمن الموجة الأخيرة من التحفظات والمصادرة في الشهر الماضي. وأضافت المصادر أن التصرف في تلك المنقولات تم بالأمر المباشر، من دون اتباع المزايدات المطلوبة، وكذلك من دون انتظار ما ستؤول إليه تظلمات المتهمين بالتمويل من مصادرة أموالهم أمام محكمة الأمور المستعجلة. علماً بأنه لم يصدر حتى الآن أي أحكام نهائية بتأييد المصادرة، إذ حصل "العربي الجديد" على أوراق من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة تشير إلى أنها عقدت 4 جلسات خلال أكتوبر/ تشرين الأول الحالي للنظر في تظلمات الأشخاص المقررة مصادرة أموالهم، وتم تأجيلها جميعاً إلى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وذكرت المصادر أنه في حكم المؤكد صدور حكم خلال الشهر المقبل برفض التظلمات وتأييد المصادرة. وفي هذه الحالة فإن جميع تصرفات الجهات الحكومية، التي أدارت الممتلكات، بالتصرف في المنقولات ببيعها أو تأجيرها، أو حتى التصرف في الأراضي والعقارات، ستكون سليمة قانونياً، وفق القانون الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال العام الحالي، ليغير إجراءات التحفظ على الأموال والتقاضي بشأنها المنصوص عليها في قانون الكيانات الإرهابية المطبق منذ فبراير/ شباط 2015، والذي كان وسيلة مناسبة أعادت بها الحكومة صياغة جميع قرارات التحفظ على الأموال وإنشاء لجنة إدارية من وزارة العدل للسيطرة عليها وإدارتها، وذلك بعدما أصدرت محكمة القضاء الإداري أحكاماً قضائية عدة ببطلان تلك القرارات. وجاء قانون الكيانات الإرهابية ليوفر للحكومة سنداً تشريعياً لتصرفاتها المحكوم سابقاً ببطلانها، من خلال استصدار النيابة العامة قرارات بإدراج أسماء جميع المتحفظ على أموالهم على قائمة "الإرهابيين"، التي يترتب بمجرد الإدراج عليها تجميد أموال المتهم وإسناد إدارتها إلى لجنة مختصّة.
وأوضحت المصادر أن الشهر العقاري بمختلف المحافظات أنهى، خلال الأسبوع الماضي، حصراً بجميع الأملاك والعقارات، التي كانت مملوكة للمتهمين، وتم إرساله إلى مكتب وزير العدل، حسام عبد الرحيم، استعداداً لنقلها إلى ملكية الخزانة العامة للدولة رسمياً، بعد صدور حكم مستأنف الأمور المستعجلة بتأييد المصادرة والمنتظر صدوره قبل نهاية العام إذا أتيح للمتهمين الطعن في المواعيد المقررة. وحتى الآن يفضّل عدد كبير من المتهمين بتمويل جماعة الإخوان المسلمين المدرجين على قائمة الإرهاب، ومنهم لاعب كرة القدم السابق محمد أبو تريكة ورجل الأعمال صفوان ثابت، عدم التقدم بتظلمات في انتظار إخطارهم رسمياً بمصادرة أموالهم وفق نص القانون. وأكد عدد من محامي المتهمين، داخل السجون وخارجها وداخل مصر وخارجها، أن اللجنة لم تخطر أي متهم بهذا التصرف حتى الآن، رغم مرور أكثر من شهر على إعلان قرارها، ورغم أنها أعلنت إتمامها هذه الخطوة الإجرائية الجوهرية، وعندما توجه المحامون للاستفسار عن إمكانية تقديم التظلمات في محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، فوجئوا بأن الموظفين يطالبونهم بالتوجه إلى المحاكم الابتدائية التي يسكن كل متهم في دائرتها.
وكان المحامون قد فطنوا الشهر الماضي إلى أن اللجنة، التي تتحكم فيها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية (تضم ممثلين عن الاستخبارات العامة والأمن الوطني والأمن القومي)، لم تخطر المتهمين فعلياً بالقرار، وتحاول توجيه المحامين إلى المحاكم الابتدائية ليتسلموا بأنفسهم هذا الإخطار، بدلاً من اتباع الإجراءات المقررة في قانون المرافعات والمتمثلة في وصول الإخطار على يد محضر إلى مكان سكن أو عمل المتهم. وأدت هذه العقبة المصطنعة إلى تعقيد الإجراءات بصورة أكبر، وإهدار المدة المقررة قانوناً لإخطار المتهمين. كذلك تهدف اللجنة لإهدار مدة التظلم أيضاً، مع ترجيح المحامين أن تقدم اللجنة إلى محكمة الأمور المستعجلة (المعروفة بتحكم الدولة فيها وإصدارها الأحكام لصالح النظام) مستندات تفيد بإعلامها المتهمين بالقرار على غير الحقيقة. ويتعارض القانون الجديد، الذي يتيح المصادرة، صراحة مع المادة 40 من الدستور التي تنص على أن "المصادرة العامة للأموال محظورة. ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي". فالمقصود بالمصادرة الخاصة أن تحدد المحكمة الجنائية حصرياً الأدوات أو الأموال التي استخدمها الجاني في عمله الإجرامي، ومن ثم تحكم بمصادرتها بعد ثبوت استخدامها في مخالفة القانون، كمصادرة السيارات والأسلحة والمخدرات في قضايا التهريب والقتل والإرهاب، الأمر الذي يختلف تماماً عن حالة الأموال المتحفظ عليها جميعاً من أشخاص يشتبه في تمويلهم لجماعة الإخوان المسلمين.