ويسعى السيسي للفوز بولاية رئاسية ثانية بأغلبية ساحقة، إيذاناً بتعديل الدستور وتمديد فترة رئاسته، كونه لا يواجه سوى رئيس حزب "الغد"، موسى مصطفى موسى، الذي أعلن تأييده للسيسي قبل دفعه للترشح، لإكمال الشكل الديمقراطي الشكلي، بعدما اعتقل النظام أبرز المنافسين المحتملين، وهو رئيس أركان الجيش الأسبق، الفريق سامي عنان، علاوة على وضع رئيس الوزراء الأسبق، أحمد شفيق، قيد الإقامة الجبرية في منزله. وشهدت العملية الانتخابية العديد من الخروقات الدعائية مع فتح باب التصويت، أمس، إذ جابت سيارات أنصار السيسي الشوارع والميادين الرئيسية في المحافظات، لحثّ المواطنين على النزول من مساكنهم والتوجّه إلى لجان الانتخاب، من خلال مكبّرات الصوت، فيما أحاطت لافتات ضخمة بكافة اللجان، من دون تدخّل من القضاة المسؤولين عنها، في مخالفة صريحة لقانون الانتخابات.
وفي محاولة للضغط على موظفي الدولة وحشدهم في لجان الانتخابات، أفادت مصادر متطابقة في جهات حكومية لـ"العربي الجديد"، بأن تعليمات صدرت من الإدارات التابعين لها بربط توقيع الحضور بالذهاب عبر حافلات إلى اللجان، ثم العودة للتوقيع في الجهات التي يعملون بها، شرط إظهارهم الحبر الفوسفوري على أصابعهم أمام رؤسائهم المباشرين.
ويتوعد النظام قرابة خمسة ملايين ناخب من الموظفين في الجهاز الإداري للدولة، بحسب المصادر، التي أكدت أن العاملين تلقوا تهديدات تبدأ بالحسم من الراتب، وتصل إلى حد إبلاغ الجهات الأمنية عنهم، بزعم أنهم من المنتمين لجماعة "الإخوان المسلمين"، في حال امتناعهم عن الذهاب للانتخاب، في انتهاك صارخ لحقوقهم التي كفلها الدستور. وكشفت المصادر عن تلقي نحو 45 ألف جمعية، هي مجموع الجمعيات الخيرية في مصر، "تهديدات بالتضييق على عملها والتلويح بإغلاقها، من قبل مسؤولي وزارة التضامن وأجهزة الشرطة محل اختصاصها"، في حالة عدم التزام كل جمعية بتوفير حافلتين اثنتين لنقل 100 ناخب على الأقل من الفقراء المسجلين في دفاترها، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية.
وأجبرت السلطات المصرية المواطنين على الذهاب إلى أعمالهم في اليوم الأول للتصويت بواسطة سيارات الأجرة، بعدما امتنعت أغلب باصات النقل العام عن السير في مساراتها المعتادة، وأصدرت إدارة المرور في وزارة الداخلية تعليمات إلى مواقف "الميكروباص" بعدم "تحميل" الركاب، واقتصار تحركاتها على نقل الناخبين إلى مقار الاقتراع، ما تسبّب في معاناة المواطنين على مدار اليوم.
تباين التصويت
وواكبت الانتخابات المصرية إجراءات أمنية مشددة تحت حراسة قوات الجيش والشرطة، شملت وضع "دشم رملية" أمام أبواب المدارس التي تضم لجاناً انتخابية، بينما وقف رجال الأمن أمام اللجان بدعوى استقبال المواطنين، ومساعدة كبار السن منهم في الوصول إلى أماكن اللجان، لتوثيق هذه اللقطات من قبل وسائل الإعلام الموالية للنظام.
وتباينت حالة الإقبال ما بين ضعيفة ومتوسطة في أغلب اللجان على مستوى المحافظات، غير أن بعضها شهد إقبالاً كثيفاً من جراء الحشد، خصوصاً في محافظات الجيزة والمنوفية والدقهلية، في حين لجأت الأذرع الإعلامية إلى التركيز على مشاهد مشاركة بعض المشاهير في التصويت، ونشر صور أعضاء البرلمان أثناء الاقتراع، والتي تظهر بوضوح مدى إقبال الناخبين.
إلى ذلك، صرح رئيس غرفة عمليات مجلس الوزراء المصري، علي هريدي، بأن العمل منتظم في اللجان الانتخابية، والغرفة تعمل على تذليل أي عقبات تواجه الناخبين، مشيراً إلى ورود العديد من الشكاوى بشأن تأخر فتح اللجان عن موعدها المحدد.
مساومات فجة
ووصلت المساومة على المشاركة في رئاسيات مصر، إلى حد إطلاق مسؤولين تصريحات بتقديم تبرعات وإنهاء مشاريع خدمات ومرافق عامة للقرى صاحبة أعلى نسب تصويت. إذ قالت محافظة البحيرة، نادية عبده، إن المحافظة ستكافئ القرى والمراكز التي ستشهد إقبالاً كبيراً على اللجان بحل مشاكلها المتعلقة بشبكات المياه أو الصرف الصحي. كما أعلن رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، محمد فريد خميس، عن تبرعه بمبلغ مليون جنيه، مناصفة بين القريتين الأكثر حضوراً وتصويتاً في مدينة بلبيس في محافظة الشرقية، على شكل مشاريع خدمية تقام على أراضي القريتين. بدوره، وعد البرلماني عن محافظة المنيا، سمير رشاد، أعلى 4 قرى بالمحافظة في نسبة التصويت بـ"الأولوية لمتابعة وحلّ أزماتها".
كذلك، أعلن محافظ أسوان، اللواء مجدي حجازي، عن جائزة مالية للوحدات المحلية التي ستحقق أعلى نسبة تصويت، وذلك على مستوى المراكز الإدارية والمدن والقرى "كمكافأة للوحدة المحلية التي سيبذل العاملين فيها أقصى جهد ممكن لإخراج العملية الانتخابية في أبهى صورة ممكنة"، حسب تعبيره.
تطمينات السلطة
وفي تعقيبه على نسبة الإقبال، قال رئيس مجلس النواب، علي عبد العال: "نحن في اليوم الأول للانتخاب، والأمر مبشر في البداية للمشاركة. لست مع توقيع عقوبات على من لم يدل بصوته من المواطنين"، مطالباً المصريين بالمشاركة الفعالة في الانتخابات الرئاسية، حتى يكون واضحاً للخارج أن الشعب المصري موحد، ويؤدي واجبه في ساعات الشدة. وأضاف عبد العال، أثناء الإدلاء بصوته في إحدى لجان منطقة شرق القاهرة، أن العملية الانتخابية مؤمنة بشكل كامل بواسطة قوات الجيش والشرطة، ما يستدعي نزول جميع أبناء الشعب لممارسة حقهم الدستوري، والتأكيد للعالم أن بلادهم آمنة ومستقرة، مستطرداً "أعضاء البرلمان بذلوا جهداً كبيراً في دوائرهم خلال الأسابيع الماضية لإقناع المواطنين بالمشاركة في هذه الانتخابات".
من جهته، قال رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، إن الفترة الصعبة على المصريين قد مرت، والمستقبل سيكون مشرقاً، بدعوى أن الاقتصاد المصري بدأ في التحسن، داعياً جميع المصريين لممارسة حقهم الدستوري، والمشاركة بقوة في هذه الانتخابات للرد على دعوات المقاطعة والتشكيك في العملية الانتخابية و"مزايدات الخارج".
يُذكر أن الانتخابات الرئاسية تخضع لإشراف 18 ألفاً و678 قاضياً، بمعاونة 103 آلاف موظف، موزعين على لجان اقتراع تبلغ 13 ألفاً و687 لجنة في 27 محافظة، بحسب الهيئة الوطنية للانتخابات، التي اتخذت قراراً غير مسبوق بتاريخ الانتخابات المصرية بالسماح للناخبين الحائزين على بطاقة "رقم قومي" منتهية (غير سارية) بالتصويت بدعوى "التيسير عليهم". ويطمح النظام إلى دفع أكثر من 25 مليون مصري للإدلاء بأصواتهم خلال أيام التصويت، من أصل 59 مليوناً و78 ألفاً و138 ناخباً مسجلين في قاعدة البيانات، لكسر حاجز المشاركة في انتخابات العام 2014، رداً على ما يُثار في الداخل والخارج بشأن التراجع الكبير لشعبية السيسي في الشارع المصري، بسبب الوضع الاقتصادي المتأزم، والانتهاكات الأمنية بحق المواطنين.