مشاريع الشباب: أفكارٌ محدودة وأيادٍ ممدودة

مشاريع الشباب: أفكارٌ محدودة وأيادٍ ممدودة

02 يونيو 2016
(تصوير: أنتوني أسيل)
+ الخط -

لم يكن حرق "العلم الإسرائيلي" العام الماضي، في شوارع مدينة غيليزان غربي الجزائر، بسبب قضيّة سياسية، ولا كان خروج عشرات المواطنين إلى الشارع بسبب القصف الإسرائيلي على غزّة، ولكن لأن نادي "روتاري" العالمي والذي يملك فرعاً له في الجزائر، أبدى رغبته في تمويل فريقهم النّاشط في بطولة المحترف الأوّل لكرة القدم، واشترط فقط أن يضع شعاره على أقمصة اللاعبين، وأشيع وقتها أن النادي هو امتداد للحركة الماسونية والتيّار الصّهيوني.

قبل سنوات، ظهر نادي "روتاري" في الجزائر بتحرّكاته الخيرية والتطوّعية، التي انطلقت بتشييد مركز للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وانتسب إليه مسؤولون ورجال أعمال وحتى وزراء ورؤساء حكومة سابقون، ولقي النادي تسهيلات كبيرة ودعماً مالياً من طرف السّلطات الجزائرية. ورغم أن "روتاري" نفى في أكثر من مناسبة أنه لا يحمل أيّة أفكار سياسية، ولا يملك أيّة أجندات سرّية، غير أن انتقاله من تزويد الجمعيّات بالمعدّات الطبيّة وسيّارات الإسعاف، ومساعدة الطلّاب على الدّراسة في الخارج، إلى تدعيم الفرق الكرويّة التي تحظى بشعبيّة لدى الجمهور، فتح أمامه عدّة جبهات صراع مع الأحزاب السياسية والجمعيات.

كثيراً ما تنتهي المشاريع الثقافية والتّجارية والرّياضية إلى طريق مسدود، بسبب غياب التواصل بين المموّل وصاحب المشروع، أو بسبب عدم اقتناع كثير من المموّلين بأفكار هؤلاء الشباب رغم التحفيزات والتسهيلات؛ فالقانون الجزائري يُعفي الشّركات والمؤسسات التي تقوم برعاية مشاريع الشباب من الضّرائب، وهو الإجراء الذي يُمكِّن أصحاب المشاريع من الحصول على التّمويل، مقابل استفادة المؤسّسات المموّلة من الإشهار الذي يقدّمه المستفيدون، في شكل نشر شعارات الرّعاية على اليافطات واللافتات وفي مضامين البيانات الموجّهة لوسائل الإعلام.


وسيلة احتيال
هذه القوانين التي سنّتها الحكومة لتشجيع دعم مشاريع الشّباب، استغلّتها المؤسّسات الاقتصادية للتهرّب الضريبي، والتّحايل على الرّقابة، فهذه المؤسسات تُعِدُّ تقارير "مغشوشة"، تُصّرح فيها بتوجيه ميزانيات ضخمة للجمعيات والرّعايات الطبّية، لتستفيد من الإعفاء الضريبي، وفي أحسن الحالات تقوم بتمويل المشاريع الصغيرة، بمساعدات بسيطة جداً لا تعكس الميزانيّات التي تُصّرح بها، هذا ما يؤكّده الشاب نزار، صاحب شركة إنتاج "أولبا برود"، في حديثه مع "جيل العربي الجديد"، مضيفاً أن كبريات الشركات الموجودة في المدن الدّاخلية للبلاد، ترفض تمويل المشاريع في منطقتها، وتتّجه إلى تمويل مشاريع وجمعيات في عاصمة البلاد، وذلك لتمركز وسائل الإعلام في العاصمة الجزائرية، واعتقاد المموّلين أنّ الإعلام هو الطّريق الأقصر للتقرّب من "رجال السّلطة" ومسؤولين نافذين  في الدولة لتوسيع علاقاتهم ونفوذهم على حدّ قوله.


نظرية المؤامرة
يروي نزار تفاصيل العراقيل التي جعلته ينتظر لأربع سنوات، متنقّلاً بين المؤسسة التي تكفّلت بالقرض وبين البنك، موضحاً أنه لعب دور الوسيط في كثير من الأحيان بين المؤسستين لتسريع عملية الاستفادة من القرض، وتحقيق حلمه في إنجاز مشروع في مجال الإنتاج السمعي البصري.

ربما هي أسباب لا تجعل صاحب "أولبا برود" يبدي أيّ اعتراض على التّمويل الأجنبي، يقول دفاعاً عن قناعاته: "أنا مع التمويل الأجنبي في مجال اختصاصي، وهو صناعة الأفلام الوثائقية والسينمائية، إذا كان صاحب المشروع يؤمن بتوجّهاته الفنّية، فلن تستطيع الجهة المموّلة التأثير عليه بسهولة، نحن نعلّق فشلنا دائماً على شمّاعة وجود لوبيات ومؤامرات تتربّص بنا، وفي حقيقة الأمر لا توجد دولة ولا تاريخ ولا حضارة بدون مؤامرات، فلماذا نمثل دور الضحية دائماً؟ ولا نحاول الخطو إلى الأمام لاكتشاف ذلك".


لقمة عيش
صناعة المشاريع تتطلّب حُلماً تسعى إليه، وإرادة تُبقي جذوته متوقّدة، وموهبة تُحدّد مسارات ومجالات إبداعاته، هذه هي الشروط التي يضعها نزار قبل الانطلاق في تجسيد أيّ مشروع كان، يوضّح المتحدث؛ أن الفرق بين شبابنا وشباب الدوّل المتقدّمة، هو أنهم يحققّون مشاريع يحلمون بها، وتتناسب مع ميولاتهم وقدراتهم، مستطرداً "أما عندنا فهم يستنسخون مشروعك، ويحاولون منافستك في المكان الذي تنشط فيه إذا نجحت. ليست لدى شبابنا قدرة على الابتكار والتجديد، هم فقط يبحثون عن لقمة العيش، ينطلقون في مشاريع لا يؤمنون بها، ويصطدمون في النّهاية بحقيقة نقص المؤهّلات وعدم الرّغبة في المواصلة".


بين التمويل والإفلاس
تمويل المشاريع الاقتصادية وحتّى الاجتماعية، يبقى في أغلب الأحيان بعيداً عن دائرة الجدل، الذي يصنعه تمويل المشاريع الثقافية، وربما هذا ما دفع وزير الثقافة الجزائري، عز الدين ميهوبي، إلى عقد ندوات وطنية دعا فيها المستثمرين ورجال الأعمال إلى المساهمة في الإنتاج الثقافي، والرّهان على الحركة الثقافية والسّينمائية لتنويع مداخيل الاقتصاد الوطني، وقد تكون أسباب هذا التوجّه، هو غلق باب التمويلات الأجنبية في مجال السينما، وتفادي ما حدث مع فيلم "الأمير عبد القادر الجزائري"، بسبب تدخّل المنتج الفرنسي في كتابة السيناريو.

هذا الطرح يذهب إليه المخرج، غوثي بن ددوش، الذي حذّر في حديث مع "جيل العربي الجديد"، من الوقوع في "فخّ" التمويل الأجنبي للأفلام السينمائية، وتأثير الجهة المموّلة على الرؤية الإخراجية للأعمال، مضيفاً أنه ينتمي إلى جيل تحدّى واقعه في فترة السبعينيات من القرن الماضي، على الرّغم من عدم ثقة المموّلين في قدراته في بادئ الأمر، وعلّق صاحب فيلم "حسن النيّة" أنه واجه أزمة ماليّة كغيره من السينمائيين في ذلك الوقت و"لكنني فرضت نفسي".


استقلالية
تمويل المشاريع الثقافية للشباب يختلف عن غيره من المشاريع الأخرى، وابتعاد المشاريع الثقافية عن مساعدات الدّولة، في مجال السينما والمسرح والموسيقى والإصدارات، يُبقيها بعيدة عن التّبعية والسّيطرة والتأثير، وإلاّ تحوّلت مشاريعنا الثقافية إلى مؤسّسات تُعبّر عن برامج الحكومات المتعاقبة، فحصّة الأسد من ميزانية الإنتاج السينمائي توجّه إلى الأفلام التي تحكي عن ثورة التّحرير الوطني، في حين تُمنع الأفلام التي تتعارض مع سياسة الدولة، مثلما حدث مع فيلم "سنوات الإشهار" للفنان عثمان عريوات، الذي رفض إعمال "مقصّ الرّقابة" في عدد من مشاهد العمل، قيل إنها تسيء إلى المؤسّسة العسكرية، لأن الفنان عريوات المعروف بأدواره الكوميدية، جسّد دور "الجنرال".

يؤكّد المخرج، يحيى مزاحم، ضرورة تحرير الإنتاج السنيمائي من دعم وزارة الثقافة، معتبراً أن الجمهور هو من يحكم على نجاح أو فشل الأعمال السينمائية، عن طريق إقباله على شبابيك التذاكر، إضافة إلى الميزانية التي تحقّقها إيرادات هذه الأعمال. وفي سياق آخر، لا يعترض مزاحم، في حديث مع "جيل العربي الجديد"، على فكرة الإنتاج المشترك مع دولة أجنبية، بشرط ألاّ يخدم الفيلم توجّهات الجهة المموّلة، على حدّ قوله.

من المفارقات التي تجعل المشاريع لا تخرج من أدراج أصحابها، بحث المؤسّسات المموّلة عن جمعيات وفرق رياضية وموسيقية ناجحة للاستفادة من الإعلانات، في مقابل ذلك يقضي صاحب المشروع سنوات طويلة بحثاً عن النجاح في جيب رجال الأعمال. فإن كان الأول بحاجة إلى المغامرة والرّهان على الطّاقات الجديدة، فإن على الثاني تحمّل مسؤولية خياراته في الحياة، والتّضحية من أجل تحقيق الهدف.


(الجزائر)

دلالات

المساهمون