مسيرات العودة أم كسر الحصار

مسيرات العودة أم كسر الحصار

23 مارس 2019
المسيرات لا تزال مستمرة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
في يوم الجمعة الأخير من هذا الشهر، والذي يليه في اليوم التالي إحياء ذكرى يوم الأرض، تكون مسيرات العودة قد أتمت عامها الأول، الذي شهد العديد من التغيرات والتكتيكات، التي مكنتها من الاستمرار بزخم جماهيري كبير على الرغم من طول فترة الفعالية، ومن وحشية وإجرامية الاحتلال، وهو ما يحسب لقادة الحراك الشعبي ومنظميه، دون أن نغفل مجموعة من السلبيات التي تحتاج إلى معالجة وتطوير كي يتمكن الحراك من تحقيق أهدافه الوطنية في المستقبل المنظور. كما لابد من الاشارة إلى دلالات الحراك العظيمة وخصوصاً تلك التي تعكس تمسك الفلسطينيين بحقوقهم، واستعدادهم المتواصل للمضي في نضال طويل المدى من أجل نيلها، وعزيمتهم الجبارة على تجاوز المحن والصعاب حتى في أحلك الظروف الوطنية والإقليمية والدولية، مؤكدين مجدداً أن لا حل ممكناً اليوم وغداً إن لم يتضمن استعادتنا لجميع حقوقنا المستلبة، مهما كانت ظروفنا المعيشية والسياسية والاقتصادية سيئة.

لذا وفي ضوء الإصرار الفلسطيني على مواصلة درب النضال الشاق والطويل، وعلى وقع نجاح الغزيين في استمرار هذه المسيرات الأسبوعية على مدار عام كامل، لابد لنا من تسليط الضوء على أفق ودلالات الحراك قريبة وبعيدة المدى، ومنها التدقيق في اسم الحراك أي "مسيرات العودة وكسر الحصار"، لأنها تسمية إشكالية تعكس خللاً تنظيمياً قد يودي بالفاعلية إلى نهايات لا نتمناها، إذ لا تعبر التسمية عن حقيقة الواقع السياسي، كما لا تتحلى بواقعية وشفافية نضالية، مع مجمل الحشود المنخرطة بالفاعلية وحملات الدعم الإعلامية والنضالية المساندة لها. فوفق الضخ الإعلامي المرافق للفاعليات تم حشد الجموع في ذكرى يوم الأرض من العام الفائت، تعبيراً عن تمسك الفلسطينيين بعودتهم إلى قراهم ومدنهم وبلداتهم التي هجروا منها منذ النكبة، في حين غاب أو غُيب الشطر الآخر للعنوان على الرغم من أهميته وضرورته أي "كسر الحصار"، وكأن العودة هي الهدف المركزي والآني للحراك، وكسر الحصار بمثابة هدف ثانوي أو تلقائي لتحقيق العودة. وهو ما يسبب حالة من الإرباك في الوسط الفلسطيني، لأن إنهاء هذه التظاهرة دون تحقيق هدفها الأول أو مقاربته بالحد الأدنى يعني فشلها سياسياً، وتراجعاً كبيراً في ثقة الشارع بالقيادة السياسية المتولية شؤون الحراك، كما سوف يصعد من مشاعر الإحباط واليأس الشعبية التي قد تؤثر على شكل النضال المدني الفلسطيني مستقبلاً.

فمن بديهيات النشاط السياسي والمدني تحديد أهداف أو هدف آني مستعجل قابل للتحقيق في الأفق المنظور ويلامس معاناة وهموم الشعب اليومية، وأهداف أخرى أكثر تعقيداً وشمولية، والتي يتطلب الظفر بها نضالاً أطول وأكثر تنظيماً وعدداً، فالأول يعطي تحقيقه الحافز والثقة لمجمل الفئات الشعبية فيحرضها على توحيد صفوفها وتنظيمها في الساحات النضالية القادمة، كي تزداد عدداً وقوة وعزيمة على انتزاع حقوقها المستلبة، في حين يمنح الثاني بعداً مستقبلياً للنضال وإمكانيات رفع سقف المطالب والأهداف وفقاً للظروف الذاتية والموضوعية في حينه، ويفتح باباً نحو استمرار النضال بذات الشكل أو بأشكال جديدة من أجل تحقيق الهدف الذي كان بمثابة حلم في البداية. أي أن الأهداف بعيدة المدى تعزز مفهوم النضال التراكمي والمستمر طويل المدى، في حين يلامس الهدف الملح هموم المواطن اليومية ويبني عليه من أجل تطوير النضال لاحقاً. وهو ما يبدو أن سلطة غزة وربما منظمي وقادة مسيرات العودة قد تناسوه، فمن الواضح أن الحصار الجائر المفروض على الفلسطينيين عموماً والغزيين خصوصاً يخنقهم ويقوض إمكانيات الحياة لديهم، لأن الاحتلال وداعميه يسعون من تشديد الحصار على الفلسطينيين إلى تكبيل إمكانيات النضال الشعبي، والحؤول دون سعي الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المستلبة، وعلى رأسها حق العودة، لذلك فمن الواضح أن الحصار يهدف إلى إلغاء الحقوق الفلسطينية ومنها حق العودة، وبالتالي فإنه أحد أهم أشكال الصدام المباشر مع الاحتلال اليوم، وعليه فإن كسر الحصار ضرورة وطنية من أجل تمكين الفلسطينيين من أسباب الحياة وإمكانيات النضال الدائم والمستمر حتى استعادة جميع الحقوق.

إذا يمثل الحصار الصدام الأول مع الاحتلال، في حين يعبر حق العودة عن أفق النضال المستقبلي، وهو ما أهملته وخلطته قيادة الحراك والسلطة السياسية المسيطرة على غزة، جاعلين من الهدف الاستراتيجي بعيد المدى واجهة الحدث الأبرز والمحفز الرئيسي لهذه الفاعليات وهو حق العودة، بينما تم تهميش الهدف الآني والملح أي كسر الحصار، وكأنه منسي أو أن تحقيقه مجرد تحصيل حاصل ليس إلا. في حين تثبت جميع حيثيات التفاوض السياسية والحوارات الدولية مع حركة حماس صعوبة – استحالة- تحقيق حق العودة قريباً، وأن سقف مسيرات العودة الممكن سياسياً يتجسد في كسر حصار قطاع غزة جزئياً أو كلياً بأحسن الأحوال، الأمر الذي قد ينعكس سلبياً على الجموع البشرية المشاركة في هذه الفاعلية، كما قد يهز ثقة مجمل الفلسطينيين بهذا الشكل من النضال وبالقيادة السياسية المشرفة عليه أو المتحكمة والمسيطرة على مكانه، كما يساهم التركيز على تبعات الحصار الغزي بمعزل عن حصار الفلسطينيين عموماً داخل وخارج فلسطين في تجسيد التبعثر الفلسطيني، بدلاً من جعل "مسيرات العودة" فاعلية تطور وتكامل العمل الوطني داخل وخارج فلسطين.

طبعاً لم يفت الأوان من أجل تدارك هذه الخطأ أو الإرباك الحاصل بالحد الأدنى، إذ تعتبر سنوية مسيرات العودة الأولى مناسبة ملائمة من أجل إصلاح خطابها ومسارها النضالي والإعلامي والسياسي، عبر التأكيد على أن العودة كانت وستبقى الهدف الأول لجميع الفاعليات النضالية، ومن دونها لن نستعيد أياً من حقوقنا، ولكن من أجل عودتنا إلى قرانا وبلداتنا ومدننا المحتلة لابد من كسر جميع أشكال الحصار المفروضة على الفلسطينيين أينما كانوا، على اعتبارها خطوة ملحة في استراتيجية النضال من أجل تحقيق عودة جميع الفلسطينيين، وتحرير الأراضي المحتلة، سواء كان الحصار سياسياً؛ اجتماعياً؛ ثقافياً؛ أم اقتصادياً، في غزة والقدس والضفة، وفي سائر الدول العربية والعالمية التي تكبل نضال الفلسطينيين وتحتجزه، وتحاول أن تفرض علينا الخضوع إلى إرادة ومشيئة القوى الدولية وعلى رأسها الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية.

المساهمون