مسيحيو الشرق والتسلح وتحالف الطوائف بعيون نائبين لبنانيين

مسيحيو الشرق والتسلح وتحالف الطوائف بعيون نائبين لبنانيين

08 سبتمبر 2014
(تصوير حسين بيضون)
+ الخط -
1 ــ هل ترون أن هناك خطراً على الوجود المسيحي في الشرق؟

زهرا: في الواقع، الوجود المسيحي في الشرق ممتد منذ نشوء المسيحية، وتعرض للكثير من الموجات، البعض غيّر دينه من أجل البقاء في مكان تواجده، والبعض الآخر هاجر بشكل متعاقب لأماكن متعددة، غالبيتها كانت هجرات نهائية، فأصبحت أعدادهم أقل من باقي الطوائف في دولهم، إلا في لبنان. تميز الوجود المسيحي بالتمسك بالأرض بالرغم من النكسات التي تعرض لها في النصف الثاني من القرن العشرين. مسيحيو لبنان متمسكون بالأرض وهوية لبنان المتعددة. واضح أن المراعاة الدولية لهذه الهوية المتعددة تجلت من خلال إنشاء دولة لبنان الكبير وإعطاء المسيحيين دوراً سياسياً متميزاً عن باقي المكونات منذ العام 1920. وهذه المراعاة استمرت بشكل متوافق عليه حتى الحرب اللبنانية التي انتهت الى اتفاق الطائف وتعديل الدستور لإعادة توزيع السلطة والصلاحيات. الخطر موجود إذا كان المسيحي مستعداً للخوف والهجرة، اما إذا أعلن تشبثه بأرضه وهويته، فلا أحد لديه القدرة على التخويف وتغيير هوية الأرض.

نقولا: الخطر ليس على الوجود المسيحي، بل على كل الأشخاص الذين لا يؤمنون بالفكر الواحد، على كل الذين يؤمنون بالحوار وبقبول الآخر، وذلك من قبل أحاديي التفكير أو ذوي الفكر التكفيري، من يكفر من ليس معه، ومن لا يفكر كما هو يفكر. في حالتنا اليوم، هي تنظيمات. لكن هذه التنظيمات مدعومة من دول بالتأكيد، إذ لا يمكن للشجر أن يعيش بلا ماء، كذلك هذه التنظيمات هناك من يغذيها. السؤال هو عما إذا كانت تلك الدول التي كانت تغذي هذه المنظمات، بإمكانها أن تسيطر عليها أو استخدامها بالطريقة التي ناسبتها في وقت من الأوقات، وبعد ذلك تستخدمها بطريقة أخرى، وحدث أن تفلتت هذه التنظيمات من سيطرة هذه الدول، وهذا يؤكد المثل القائل: طابخ السمّ آكله. حالياً، جميع الدول خائفة، ولا يمكنني أن أسمي هذه الدول، لأنني لا أعرف من هي، لكن كل ما نعرفه هو أن هذه المنظمات لا يمكنها أن تعيش في حال غياب الأموال، ومن الممكن أن تكون دولاً غربية وليس دولاً عربية.

2 ــ هل مبدأ تحالف الأقليات يحمي المسيحيين؟

زهرا: جربنا تحالف الأقليات في لبنان، تحديداً في الحرب الأهلية التي اتخذت عدة أوجه وتقلبات وكانت بجوهرها تحالف أقليات. تحالف المسيحيون في مرحلة مع اسرائيل، والدروز في شكل غير معلن تعاونوا كذلك معها. وإسرائيل هي دولة أقليات متمكنة في الشرق الأوسط. لاحقاً، أتى النظام السوري كنظام أقلية متمكنة من العلويين ادعى حماية المسيحيين وتدخل في لبنان فارضاً احتلالاً ووصاية لفترة. بدأ من العام 1976، وتولى الوصاية المباشرة من 1990 إلى 2005. وتبين أن لبنان كوطن سيادي وكرامة وطنية وحقوق سياسية للطوائف وخاصة المسيحيين، لم يدفع أثماناً باهظة إلا على يد الأقليتين اليهودية والعلوية الحاكمتين في سورية وإسرائيل. التجربة فاشلة وتصنف الناس دينياً على أساس عنصري وتدعو إلى حروب دائمة.

نقولا: أنا لا أعتبر نفسي أقلية. كلمة أقلية تشمل أولئك الطارئين على مكان ما. أي الغريب الآتي إلى منطقة ما، يمكن أن يُعَد أقلية. وأنا لا أعتبر نفسي/أنفسنا أقلية، وذلك لأنني ابن هذه الأرض. والمسيحيون أولاد هذه الأرض منذ 2000 عاماً وأكثر، ونحن متواجدون على الأرض ونعيش مع جميع الناس من حولنا. بناءً عليه، فكلمة أقلية لا تنطبق علينا، وإن كنا جميعاً أقليات بالمعنى العددي، أما بالمعنى الحقيقي، فنحن لسنا أقلية، بل نحن أولاد هذه الأرض. والتحالُف مع من يقبل بالآخر هو ما يحمي الجميع.

3 ــ ما الذي يحمي المسيحيين اليوم؟ وأي نظام؟

زهرا: ما يحمينا هو التفاعل والانفتاح وقبول الآخر وتعزيز ثقافة قبول الآخر في المنطقة. ثقافة قبول الآخر والبناء على ما هو ايجابي ومشترك. نحن مشرقيون ونعرف تماماً أن الديانات السماوية تكمل بعضها بعضاً ولا تتناقض. في المسيحية الكثير من اليهودية وفي الاسلام الكثير من المسيحية واليهودية. الايمان بإله واحد، وإن كان لدى المسيحيين ثلاثة أقانيم ولدى المسلمين واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد، ولدى اليهود إله الحرب ونصرة الشعب المختار نتيجة ثقافة المرحلة التلمودية التوراتية.

نقولا: ما يحمي المسيحيين هو ألا يشعروا بأنهم أهل ذمة، أو أصبحوا مهمشين، أو أن يقبلوا بالتهميش الممارس ضدهم، وبرأيي أنه لا يوجد شيء يحمي المسيحيين أو غير المسيحيين سوى العلمنة. العلمنة هي الضمانة الوحيدة للجميع، سواء المتدين أو من لا يؤمن بالدين. العلمنة هي التي تؤمن الضمانة والحماية لكل الناس. وعلى عكس ما يظن البعض، بأن العلمنة تعني الإلحاد، في حين أنها لا تعني ذلك، بل هي التي تحمي الفكر (أي آمن كما تريد، وفكّر كما تريد، والعلمنة من شأنها حمايتك). بينما الإلحاد أو الدولة الملحدة والدولة التكفيرية هي نفس الشيء.

4 ــ هل تؤيدون الدعوات إلى تسليح المسيحيين في الشرق؟

زهرا: أرفض ذلك بشكلٍ مطلق! الدعوة الى التسلح دعوة إلى الحرب، فوجود السلاح يقود لاستخدامه. انا المحارب حيث لم يظهر اي ممن يدعو الى التسلح وقت حاربنا! اسوأ محاولة لتأمين المصالح هو السلاح، حتى للدفاع عن النفس، وهو امر مشروع مئة بالمئة. نعتبر أنفسنا في القوات اللبنانية نحمل تراثاً تاريخياً متعدد الأوجه في المقاومة، وأسوأ مظاهره العمل المسلح. نحن ضد التسلح وننبه المستسلمين لفكرة تحالف الأقليات، إلى أن هذا مشروع حرب أهلية دائمة وفرز مذهبي دائم وهو يخدم الديكتاتوريات ولا يخدم التوجه نحو الديموقراطية. إذا تسلحت فلا مجال إلا لخوض حرب بشكل أو بآخر.

نقولا: على الإطلاق. نحن لسنا مع التسلح الميليشوي. نحن مع الدفاع عن النفس، وكل الأديان السماوية تقبل بذلك، وحتى الدستور يكفل حق الدفاع عن النفس. ما أقصده هو وسائل الدفاع عن النفس، وقد يكون ذلك بالكلمة أو بالمدفع. حماية النفس تتطلب إيمان الشخص بقدرته على حماية نفسه، فلا يمكننا أن نطلب من الناس التسلح أو حمل السلاح لحماية النفس، بل يجب ان يكون المهدَّد مؤمناً بقوته.

5 ــ هل يختلف الخطر الذي يطاول المسيحيين اليوم، عن الخطر الذي يطاول المنطقة كلها وباقي الطوائف؟

زهرا: التكفيري يحاسب المرتد من بيئته قبل ان يحاسب اهل الكتاب والكفار بحسب تعابيره. أصحاب الفكر المتشدد يتوجهون لأقسى الايمان بإقامة الحدود، وهو خطر على الاسلام اولاً، ثم التنوع ثم الطوائف الاخرى. مقاومة الخطر واجب الجميع. والتصدي للعنف يكون باستخدام القوة الشرعية التي تجهضه ولا تشجعه بعنف مضاد. الدولة ومؤسساتها قادرة على مواجهة العنف من دون تحويله الى لعبة تبادل للكرة، عبر ضبط الجميع وباحتضان من الجميع.

نقولا: خطر خروج المسيحيين من الشرق هو بداية لتهويد المنطقة. أعني بذلك أنه بالنظر إلى الفترة التي شهدت هجرة المسيحيين، نجد أنه أشد الفتح الإسلامي وغيره، لم يهاجر المسيحيون من المنطقة، حتى بعد الفتح الإسلامي وفي كل القرون التي مضت، وفلسطين نموذجاً، كان المسيحيون يشكلون عدداً كبيراً في المنطقة، لدرجة انه قبل وجود إسرائيل، كانوا يمثلون 37 في المئة من المجتمع الفلسطيني، واليوم مع الوجود اليهودي في إسرائيل باتوا يمثلون 1 أو 2 في المئة، والسبب هو تهويد فلسطين، أي إيجاد الدولة اليهودية أو فكر الدولة اليهودية، هو مبرر لإيجاد دول أخرى مذهبية وطائفية تتناحر في ما بينها، وهو أكبر خطر على المسيحيين. وجود المسيحيين ليس وجوداً تناحرياً بقدر ما هو وجود انفتاحي، ولبنان هو نموذج، حين أن المسيحي اللبناني بات يدفع ثمناً على المستوى السياسي والانتخابي، انتشاره في لبنان، فالمسيحي في عكار (شمال لبنان) انتخابياً ليس له قيمة، وكذلك المسيحي المتواجد في الأطراف، ومبرر وجود المسيحي هو الانتفاح. وفي حال تم إلغاء هذا الانفتاح لدى المسيحي، يبدأ الخطر الجدي على المسيحي وعلى المنطقة.

6 ــ طرح لقاء سيدة الجبل فكرة أن الإرهاب هو إرهاب أنظمة وإرهاب تنظيمات، ومن يتعرض لهذا الإرهاب هو المسلم قبل المسيحي. ما رأيكم بهذا التوصيف؟

زهرا: في قراءتنا ان حزب الله اخطأ بحق لبنان عندما تدخل في الحرب السورية، وأخطأ بحق نفسه. الشيخ صبحي الطفيلي (الأمين العام السابق لحزب الله) نبه من خطورة الفرز المذهبي بشكل متكرر منذ بدأت الأزمة السورية. مهما طال أمد بشار الأسد، ومهما دعمته إيران، لن يستمر في الحكم أكثر من صدام حسين. لا يمكن ان تتحكم الأقلية بالأكثرية الى ما شاء الله في ظل منحى طائفي. لا يمكن الوصول إلى استقرار دائم في أي مجتمع الا من خلال الديموقراطية، والبراهين ثابتة لا سيما في دول العالم الثالث. أنظمة دُعمت من أعتى القوى العظمى! كلنا يعرف انه قبل إسقاط البرجين في الولايات المتحدة (11 سبتمبر) كانت أميركا تعتمد الأنظمة التوتاليتارية وتدعمها على اساس انها انظمة مستقرة وصديقة. تبين لها ان دعم الديكتاتوريين أنتج عداوات شعبية لأميركا كدولة، لأنها تدعم من يصادر السلطة والاموال والحريات. لا يمكن لأي ديكتاتور وصاحب فكر ديكتاتوري، من قبضاي الزاروب وصولاً إلى هتلر، أن ينتجوا الا عوامل تحفيز للانتفاض. نتمنى ان يكون النموذج اللبناني المستقر مثالاً لإقامة دولاً متنوعة، للجميع أدوار فيها. نموذج حل سورية والعراق لبناني، على الرغم من الأزمات المتلاحقة. الخطر في الشرق الاوسط هو في الفرز القائم، ومجانين التطرف موجودون في كل الأزمات، ويجب التصدي لهم بشكل جدي وليس عبر اختراع حروب أهلية. في الأصل التخوين والتكفير يتشابهان.

نقولا: هذه مقاربة مسيحية لمصلحتهم. فجميعنا نعرف ان إرهاب الأنظمة هو طائفي، وإرهاب الأنظمة ليس موجهاً نحو طائفة بحد ذاتها، بل كان النظام الموجود يتعاطى مع الناس بطريقة معينة، وبعض الناس كانوا يعتبرونها إرهاباً، وهذا إرهاب فكري أكثر مما هو إرهاب ديني، والإرهاب الفكري يُمارَس على الجميع، وليس على طائفة بحد ذاتها. وعليه، فإن ما تكلموا عنه ليس هو ما نشهده حالياً، فاليوم ليس الإرهاب هو الإرهاب الفكري، وإنما الإرهاب الجسدي، وعدم قبول الآخر، ولا يترك مجالاً لك للرفض، وهذا ليس مسموحاً وثمن هو الذبح.

7 ــ ماذا تقول لمسيحيي الموصل؟

زهرا: أملي من مسيحيي العراق، مع عتبي على استسلامهم للخوف بسرعة، ألا يغادروا باتجاه الغرب، وأن يبقوا في كردستان لأنه مستحيل لـ"داعش" أن يستمر، فهو يحمل بذور فنائه في نشأته. مطلوب التعاون لمنع محو الذاكرة لشعوب المنطقة. الحضارة الانسانية بنسبة 85 في المئة منها، هي شواهد دينية، لأن الشعوب بذلت الكثير للحفاظ على معتقداتها، كقلعة بعلبك مثلاً. أعظم متحف في العالم هو الفاتيكان لأن لا أحد تمكن من اقامة شواهد كما الأديان.

نقولا: هم ضحية الأميركيين. أقول لمسيحيي العراق إنه ليس المسلم هو من هجّركم، بل الغربي والأميركي والإسرائيلي. فالصهيونية العالمية هي التي ساهمت بتهجيركم، والمتمثلة بالحكم في أميركا وفي دول الغرب. فالمسيحيون كانوا منذ سنين يعيشون مع الإسلام. وبالتالي، باتت حياتهم في خطر حين جاء الأميركيون إلى العراق. ولننظر بعدد المسيحيين قبل وبعد مجيء الأميركيين. هم يدفعون ثمن سياسة أميركية اتبعت في العراق. والمنطقة فيها الكثير من ضعاف العقول، الذين يظنون أن المسيحيين تابعون للفكر الأميركي.

8ــ هل ترى أن الأنظمة العربية تساعد على خلق بيئة مناسبة للعيش المشترك؟

زهرا: السياسات الرسمية لدول الشرق الاوسط متأخرة وقاصرة إلا أنه، مع الوقت، وخصوصاً منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بدأت تعي القيادات الرسمية أهمية تثقيف الناس لقبول الآخر كما هو، وليس كما يُرسم له أن يكون. اليوم، نرى أن "داعش" يحدّد مواصفات الشخص الذي يستحق العيش في مناطق نفوذها، ولا يقبل الناس على اختلافاتهم، ومن العار نسبهم لدين سماوي وليس الاسلام فقط. الحياة الإنسانية هي الأسمى، وهذا ما تُجمع عليه الأديان، ولذلك نجد أن بعض الدول العربية تعمل على اعتماد سياسات تؤدي إلى قبول مبدأ قبول الآخر، والبعض لا يزال متأخراً.

نقولا: لا يساعد أي نظام عربي على خلق أي نوع من البيئة التي تساعد على العيش المشترك، بل هي أنظمة تساهم في تفكيك المنطقة العربية. هذه الأنظمة بغالبيتها ذات طابع ديني، والأنظمة الدينية تحارب القومية والعروبة، وبالتالي تخلق هذه الانقسامات لتبرير رفضها للعروبة ومحاربتها. في فترة حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، لم نكن نرى هذه الانقسامات لأن الهوية القومية العربية كانت أقوى من الهويات الطائفية والمذهبية التي نراها اليوم منتشرة، وهذه الأفكار المتطرفة التي نراها اليوم نتاج لهذا الأمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من هو أنطوان زهرا:
نائب عن حزب القوات اللبنانية في دائرة البترون، شمال لبنان، وهو من مواليد عام 1956. استطاع التفوق على الوزير جبران باسيل، صهر رئيس "التيار الوطني الحر"، النائب ميشال عون، في جولتين انتخابيتين، عامي 2005 و2009. انضم منذ شبابه إلى حزب "الكتائب" حيث أصبح مسؤولاً عن الخلايا الطلابية، قبل أن ينضم إلى "القوات اللبنانية" ويشغل فيها عدة مناصب، كمسؤول عن منطقة البترون وشؤون الجاليات اللبنانية في أوروبا الغربية. وقد تولّى مهام عسكرية في القوات اللبنانية خلال الأهليّة، أبرزها الإشراف على حاجز البربارة، الذي كان ممراً إجبارياً بين بيروت وشمال لبنان.

من هو نبيل نقولا؟
نائب عن "التيار الوطني الحر" في دائرة المتن الشمالي، في دورتي 2005 و2009. ولد عام 1950 ويحمل الجنسية الفرنسية وقد درس طب الأسنان هناك. يُعد من المقربين من رئيس "التيار الوطني الحرّ"، إذ عاش معه في المنفى الفرنسي، منذ عام 1990، حتى عودته إلى بيروت عام 2005. يعتبر نقولا نفسه، جزءاً من التيار العلماني داخل التيّار، ويُعد من أقرب النواب العونيين إلى حزب الله، ويتماهى خطابه معه في عناوين كثيرة، أبرزها الموقف من الثورة السورية والمقاومة وتيار المستقبل. يقول خصومه إنه كان قوميا اجتماعياً خلال نشأته، فيما يؤكّد هو أنه كان قريباً من الرئيس بشير الجميّل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لقاء سيدة الجبل: لا للتمييز بين إرهاب وآخر

فرض تنظيم "الدولة الإسلامية" نفسه واقعاً على شعوب المنطقة، التي تملك في الأصل جدول أعمال مكتظ. في العراق وسورية معركة في وجه أنظمة ديكتاتورية، في مصر ثورة مسروقة، وفي فلسطين مقاومة محاصرة، وفي لبنان دولة لم تبنَ بعد. طوال سنوات الربيع العربي الأربع، لم يكن الانقسام المذهبي العنوان الأول. واجهت الشعوب، عبر أطر جديدة وغير منظمة، انقسامات كثيرة تعيشها دولها. انقسامات طبقية وعشائرية وطائفية وغيرها، لكنها استطاعت التعاطي معها بحدٍ أدنى مقبول. ثم خرج "داعش" ليقلب الطاولة على الجميع. صارت القضية حماية الأقليات، في الوقت الذي يقتل فيه التنظيم الجميع. صار الخلاص من "داعش" أولوية تتجاوز، بالنسبة إلى البعض، الحق في الحرية وبناء الدولة الوطنية العادلة. ارتبك المواطن العربي.
في عز هذا الارتباك، حدد لقاء سيدة الجبل، بما يُمثله من لقاء "تاريخي" لمسيحيي لبنان، عناوين مهمّة للخروج من هذا الارتباك، إذ وضع النائب السابق، سمير فرنجية، شرطاً أساسياً لبلورة منطق مدني مواجه لمنطق العنف السائد عندما قال: "يجب اعتماد موقف أخلاقي لا يقيم تمييزا بين إرهاب وآخر، فيدين كل أنواع الإرهاب، من إرهاب اسرائيل بحق المدنيين في غزة، الى إرهاب النظام السوري بحق شعبه، الى إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية بحق الأقليات الدينية والإثنية في العراق. وكذلك لا يقيم تمييزا بين حق وآخر، فيقر بحق الانسان في هذه المنطقة بالحماية، أكان ينتمي الى أقلية أو أكثرية".
شكّل لقاء سيدة الجبل خطوة فكرية أولى في المنطقة، وإن لم تنل التغطية التي تستحق، في وجه هذا التطرف والإلغاء والقتل.