مسلسلات رمضان.... رعاية من وزارة الداخلية المصرية

مسلسلات رمضان.... رعاية من وزارة الداخلية المصرية

11 يونيو 2018
أمير كرارة في "كلبش 2" (فيسبوك)
+ الخط -
إذا كان هناك صفة واحدة جامعة يمكن بها وصف أغلب مسلسلات الموسم التلفزيوني في رمضان 2018 فهي "الاحتفاء بالشرطة والداخلية"، ومن الملفت قطعاً أنه في الوقت الذي وصلت فيه الحريات وحقوق الإنسان في مصر إلى أدنى مستوياتها منذ زمن طويل، فإن المسلسلات تعكس عالماً آخر يكون فيه "الشرطي" هو الرجل الخارق الذي يحاول تحقيق الأمان ويتعرض لضغط وظلم! 

"كلبش 2"
أول وأهم الأعمال التي صدَّرت تلك الصورة الدعائية للشرطة مسلسل "كلبش 2"، الذي يعاود فيه أمير كرارة لعب دور "سليم الأنصاري" الذي نجح جداً في العام الماضي، حيث ضابط الشرطة القوي الذي يحارب المعتدين: وفي تلك المرة يتنقل في الحلقات بين جهات عدة؛ يقف أمام الإرهاب وداعش، وأمام رجال الأعمال الفاسدين داخل السجن، وأمام جاسوس إسرائيلي، وكذلك يكون خصمه الرئيسي هو رجل عصابات يسهّل دخول السلاح والإرهابيين إلى مصر: وأمام ذلك يفقد عائلته وتصاب أمه بالشلل ويتم الهجوم عليه واحتمالية قتله عدة مرات. ولأن "سليم الأنصاري" هو البطل النصير الذي ينحاز له المشاهد يتم تمرير الكثير من مشاهد العنف أو الاعتداء على مواطنين باعتبارها وسيلة لغاية أسمى.

"نسر الصعيد"
ثاني الأعمال التي يلعب البطل الرئيسي فيها دور ضابط شرطة هو "نسر الصعيد"، لمحمد رمضان، الذي قرر بعد مسلسله "الأسطورة" (عام 2016) والذي حقق نجاحاً استثنائياً لم يشهده أي مسلسل في السنوات الأخيرة، أن يقدم نفس "التيمات" المتعلقة بالانتقام والعنف والرجل خارق القوى في المجتمع. ولكن عبر شخصية ضابط وليس مجرما كمسلسله السابق، وخلاف "توصيف" و"مهنة" البطل فهو يحتفظ بكل تفاصيله الأخرى؛ حيث المواقف العشوائية التي يتدخل فيها بعنف ليضرب عشرات الأشخاص دفعة واحدة، وتصدير شخصية "ابن البلد" الذي يحترم العجائز ويدافع عن النساء بكل تفاصيلها، وبالطبع الجمل ذات السجع التي يكررها في كل أعماله وشخصياته، ليقول في تلك المرة "اللي يهين ظابط شرطة يبقى حط نفسه في ورطة" كاختصار لكل شيء يحمله العمل. وإذا كان هذان المسلسلان هما المثال الأبرز، نظراً أيضاً لكونهما الأكثر شعبية ونجاحاً مع الجمهور، فإن المسلسلات الأخرى أيضاً ممتلئة بضباط شرطة مثاليين، يتحدثون بحوارٍ يبدو أنه صادر مباشرةً من وزارة الداخلية، مثل مسلسل "مليكة" الذي يجسد فيه الممثل هادي الجيار شخصية مسؤول أمني، وفي إحدى الحلقات يقول لمساعده إن السفارة الكندية تسأل عن أحد رعاياها، ويجب أن نرد بشكل سريع لأن "مش عايزنهم يلبسونا قضية تانية زي قضية ريجيني"، في إشارة لقضية مقتل الباحث الإيطالي الذي قتل في مصر عام 2016، وعثرت على جثته في منطقة نائية، وعليها آثار تعذيب، مما جعل الأجهزة الأمنيَّة المصرية تقع تحت طائلة الاتهام، ثم الإدانة لاحقاً عن طريق البرلمان الأوروبي وجهات التحقيق الإيطالية. وبالعودة للمسلسل فإن الجملة تحاول جعل الأمر كله أشبه بتوريط من الجهات الأجنبية، وليس، في أقل الأحوال، غموضاً وتقصيراً أمنياً في التعامل مع القضية.



"عوالم خفية"
نفس الأمر يتكرر بصورة شبيهه في مسلسل "عوالم خفية"، حيث يقوم الممثل فتحي عبد الوهاب بدور ضابط أمن دولة، وفي إحدى الحلقات نراه وهو يشاهد فيلم "الكرنك"، وبعض مشاهد التعذيب فيه، ويضحك بشدة قبل أن يسأل اثنين يقوم بالتحقيق معهما عما إذا كان أحداً قد مسهما بسوء؟ فينفيان ذلك، فيقول هو إنه يضحك من الصورة المغلوطة التي تقدمها الأفلام والمسلسلات عن ضباط أمن الدولة! ليبدو الأمر كله، وفي تلك المسلسلات وغيرها، كأنه قرار منظم بالتشويش على حقيقة قضايا التعذيب والاختفاء القسري التي تمتلئ بها المحاكم المصرية اتجاه مسجونين سياسيين أو في قضايا حريات. ولكن الأمر الأكثر إثارة للانتباه، هو أن تلك المسلسلات، ورغم احتفائها بالمنظومة الأمنية في مصر، إلا أنها لم تستطع في النهاية الفكاك من فكرة "الحل الفردي"، وتحويل الأمور إلى صراعٍ شخصي بين بطل المسلسل وغريمه، سواء "سليم الأنصاري" و"عاكف الجبلاوي" في "كلبش 2"، أو "زين القناوي" و"هتلر" في "نسر الصعيد"، كأن المنظومة الأمنية تلك هي مجرد "شكل" خارجي، وحتى في أشد المسلسلات دعائية لم يُستطع تحقيق "العدالة" من خلالها.



أبو عمر المصري وأيوب وطايع
هذا عوضاً عن مسلسلات أخرى يبدو "الانتقام الفردي" فيها هو المسار الذي سيتخذه البطل بعد أن فشلت كل مساعيه لتحقيق العدل من خلال المنظومة، سواء في مسلسل "أبو عمر المصري" الذي يعبث فيه الخصم سمير العبد بحياة البطل "فخر الدين" كأنهما في غابة دون قانون (كما يقول في أحد المشاهد)، مما يدفع البطل للجوء إلى تنظيم إسلامي مسلح والعودة لتحقيق انتقامه. أو مسلسل "أيوب" الذي بطله يدخل السجن ظلماً قبل أن يخرج، وهو عاقد العزم على الانتقام ممن ظلموه. وصولاً إلى مسلسل "طايع" الذي يرفض البطل الصعيدي في بدايته أخذ الثأر، قبل أن تؤدي الضغوطات والقتل الذي يتعرض له أخوه وزوجته إلى لجوئه للعنف، وسط حضور لضابط الداخلية العاجز عن فعل أي شيء. لتكون الصورة النهاية لمسلسلات رمضان كاريكاتيرية وكاشفة للغاية: محاولة الاحتفاء الشكلي بالمنظومة الأمنية وبالداخلية، في مقابل أن الحل النهائي دائماً فردي ودون تدخل من تلك المنظومة!

المساهمون