مسجد ترشيش: الطمس التجاري لتونس العتيقة

مسجد ترشيش: الطمس التجاري لتونس العتيقة

22 اغسطس 2020
من مدينة تونس العتيقة
+ الخط -

ضمن تقرير أسبوعي نشرته مؤخراً، أعلنت "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" في تونس أنّها أحالت على القضاء تحقيقاً في ملف يتعلّق بشبهة الاستيلاء والاعتداء على معلم ديني أثري (مسجد ترشيش) في الشارع الرئيسي من مدينة تونس العتيقة؛ نهج جامع الزيتونة، وطمس معالمه التاريخيّة من خلال تحويله إلى محل تجاري.

يشير تقرير الهيئة إلى أنها راسلت سابقاً كلّا من وزارة الشؤون الثقافية ووزارة الشؤون الدينية وولاية تونس، وأسفرت هذه المراسلات عن إجراء مصالح "المعهد الوطني للتراث" لبحث ميدانيّ حول الموضوع، وتبيّن أنّ العقار موضوع التبليغ يتكوّن حالياً من طابق أرضي مستغلّ كمحلّ تجاري وطابق علوي مستغلّ كمحلّ سكنى في حين لم تتبيّن مقوّمات المسجد في الوضعيّة الحالية للعقار، وهو ما يعني طمسه بشكل شبه كامل.

يذكر أنّ مسجد ترشيش مذكور في عدد من الوثائق التاريخية منها كتاب محمّد بن الخوجة المعنون بـ "تاريخ معالم التوحيد في القديم وفي الجديد"، وهي وثيقة كافية لإثبات طمس معلم تاريخي يؤكّده أرشيف "جمعيّة صيانة المدينة"، والذي يذكر أن "مسجد ترشيش" كان موجوداً في نفس إحداثيات العقار التجاري اليوم؛ حيث أن هذا الأرشيف يحتوي على التقسيم المعتمد سنة 1930 وعلى الأمثلة الهندسية الأوليّة للمسجد خلال سبعينات القرن الماضي.

تشير هذه المعطيات إلى أنّه قد تمّ طمس كلّ العناصر المعماريّة لهذا المعلم من قبل المعتدين وإدخال تغييرات جوهرية على بنائه والاستيلاء على ملك عمومي معتمد كمعلم ديني، وهو ما يعاقب عليه القانون التونسي، لكن هل يمكن أن نتصوّر أن هذا الاعتداء قد تم دون تواطئ من قبل مسؤولين في مواقع من بلدية تونس العاصمة أو في مواقع نافذة أخرى.

قد تبدو تحركات "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" في محلّها اليوم وهي تتتبّع المعتدين على "مسجد ترشيش"، لكن هل تفتح ملفات العديد من المعالم الأخرى، وهي ليست دينية بالضرورة، حيث أن معظم شوارع تونس العتيقة قد تحولت إلى محلات تجارية تبيع مقتنيات للسياح؟ أليست سياسات الدولة هي التي جعلت من مدينة تونس العتيقة فضاء تجارياً طمس كل طابعها المعماري؟

المساهمون