مستشفى لا تحمل اسمها

مستشفى لا تحمل اسمها

06 ابريل 2015
المشهد كان لا يزال على حاله (Getty)
+ الخط -
شاءَ القدر في يوم المرأة العالمي، أن تتعرّض أمّي لوعكة صحية في ليلة عاصفة من شهر مارس/آذار. يومها، كان الصقيع لا يحتمل. في الثانية فجراً، نقلت أمي إلى أقرب مستشفى وقد صودف أنها تحمل اسماً دينياً. كل زاوية من زواياها تذكر الله. السكون الذي طغى على المكان جعلني أشعر بالضيق. بعد خمس عشرة دقيقة، جاء الطبيب المناوب، وفحص والدتي في غرفة جدرانها متسخة، مما جعلني أرتاب في كل ما كان يقدّم إليها من ماء وأشياء أخرى. ما هي إلا لحظات حتى أطلّت مسؤولة المحاسبة، حاملةً بيدها الفاتورة. نظرتْ اليّ بعينيها الغائرتين نظرةً باردة، وقالت لي بنبرة حادة كمن يصرّ على عقابي: "يجب تسديد فاتورة المستشفى قبل متابعة الإسعافات، أو سيتوقف الطبيب عن علاجها".

لحسن حظّي يومها أنني لم أنس حافظة نقودي. سدّدتُ المبلغ وجلستُ أنتظر انتهاء نتائج التحاليل بقلق. كانت الساعة قد قاربت الثالثة فجراً. صمتُ المكان خرَقه فجأة صراخُ امرأة تبكي وتولول. وقفتُ أرقب المشهد بقلق. امرأة بوجه شاحب تلفّ رضيعاً بمعطفها. لا بد من أنها أمه. كانت تستنجد بالممرّضات كي يستعجلن بنداء الطّبيب لإسعاف الطفل المصاب بـ "الرّيقان"، على حد قولها. بدا وجهه بلون الدم. لعلّ حرارته مرتفعة. على الطبيب أن يسرع. لكنه لم يأتِ بعد. الوقت يمر. هل سيموت الطفل بين يدي أمّه؟ لازمتني تلك الأفكار السوداء وظللت أرقب المشهد بخوف. كان واضحاً أن المرأة لم تكن تحمل ما يكفي من النقود كي تتحمل عناء تكاليف. لا بد من أن حالة طفلها قد أربكتها ولم تفكّر بذلك أو لعلّها محتاجة ولا تملك ثمن تكاليف الاستشفاء. في الحالتين، هي عاجزة وضعيفة.

مرّت الدقائق. المشهد كان لا يزال على حاله. قلت في نفسي: "هل يمكن أن يكون الله قد تخلّى عن هذا المكان؟". الطفل الرضيع ما زال يبكي ويتألّم. شعرتُ حينها أنني لن أنسى وجه والدته حين أخبرتها مسؤولة المحاسبة نفسها: "لا نستطيع أن نفعل له شيئاً يا حاجة. يجب عليك تأمين النقود". لن أنسى وجه هذه الأم حين نصحها أحد الموجودين بالتوجّه بابنها فوراً إلى مستشفى آخر.

إنها الساعة الخامسة فجراً. علا صوت الأذان. ارتحت. سلّمتني الممرّضة تحاليل أمّي. حملتُها بينما كنتُ أنظر لإطار يتضمن ذكر الله على أحد الجدران. لحسن حظي يومها أنني لم أنس حافظة نقودي، وإلا لكنّا طردنا أنا وهذه المرأة المسكينة، وابنها المريض من المستشفى التي تعلّق في كل زاوية من زواياها ما يرمز إلى الله والسماء.
حملتُ التحاليل. وقبل أن أغادر، اقتربتُ من مسؤولة المحاسبة ذات النظرة الباردة، وقلتُ لها إن "هذه المستشفى لا تحمل اسمها".

المساهمون