مساواة الصهيونية بالعنصرية

17 ديسمبر 2014
+ الخط -

لعبت الولايات المتحدة الأميركية دور"الدولة الأم" لإسرائيل التي أسّست مشروعها الصهيوني على حساب المشروع الوطني الفلسطيني، وما تزال تجري فيها عمليات الاستيطان والاستيعاب، وهذا يعني أنّ "وجود إسرائيل القوية" مصلحة أميركية، تتلاءم مع استمرار المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وبقائها، ويساهم، بشكل محوري، في صياغة المعادلات السياسية في المنطقة، لصالح واشنطن، ذلك أنّ القوّة العسكرية الإسرائيلية مكوّن أساسي من مكوّنات ميزان القوى الغربي على النطاق العالمي. لذا، يقول الكاتب الإسرائيلي، شمشون إيرلخ: "الواقع أننا أشبه من الناحية العملية بالشرطي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يتمثّل دورنا في العمل عنصراً رادعاً نشيطاً ضد من يعرّض حقول النفط للخطر". وهكذا تبلورت العلاقة بين أميركا وإسرائيل، وغدت استراتيجية، خصوصاً إثر توقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين في الثمانينات، حيث لم يعد، نزلاء البيت الأبيض في حاجة لإخفاء نوعية علاقاتهم مع إسرائيل، مثلما كان الحال قبل حرب 67.

ومن هنا، نستشف طبيعة العلاقة البنيوية الاستراتيجية ذات النمط الخاص بين واشنطن وتل أبيب، بما يعزّز القول إنّ إسرائيل مختلفة في تركيبتها السياسية، الإجتماعية والتاريخية عن باقي نظم المنطقة، باعتبارها بنية كولونيالية استيطانية، قامت غصباً عن إرادة شعوب المنطقة، ومصالحها، نتيجة حتمية لتخطيط القوى الاستعمارية العالمية. ولذا، لم تتورّع الأمم المتحدة في أواخر عام 91 عن إلغاء قرار مثير للجدل، يضع الصهيونية في موقع العنصرية، وقد جرى الإلغاء، بغياب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة وقت التصويت، وبحضور مساعد وزير الخارجية الأميركي، لورنس ايغلبرغر. وهذا الطابع الدراماتيكي الذي اكتساه، الإلغاء، يعكس، بوضوح، متانة التحالف الأميركي الإسرائيلي، ويبرهن على الانحياز الأميركي الأعمى لإسرائيل، بما يلغي مصداقية الولايات المتحدة تجاه العرب. ولذا، لا عجب أن يرحّب البيت الأبيض بإلغاء القرار بإصداره بياناً مذكّراً فيه بأن أميركا كانت قد رفضت القرار رقم 3379، منذ اعتماده، لأنه يعتبر التطلعات القومية للشعب اليهودي ووجود إسرائيل القومي غير مشروعة". هذه الدراماتيكية المؤلمة التي شهدها إلغاء القرار قوبلت بالابتهاج الأميركي من ناحية وبالذهول العربي، من ناحية أخرى. ذلك أنّ العرب كانوا، وقتئذ، يرفعون شكاواهم للأمم المتحدة حول السلوك الإجرامي والعنصرية العمياء لإسرائيل بحق العرب وقصفها العشوائي الجنوب اللبناني، الذي كان على أشده في أثناء التصويت. هذا في وقت رحّب فيه الجانب الأميركي، وعلى لسان مساعد وزير خارجيته، لورنس ايغلبرغر الذي تراءى له إلغاء القرار"شكلاً إنسانياً راقياً ونفياً لإحدى آخر بقايا الحرب الباردة"!.

إذن، هل يكون الأمر مفاجئاً إذا قلنا إنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة بين أعضاء الأمم المتحدة التي ليست دولة لمواطنيها، بل لليهود حيثما وجدوا، وأنّ الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يتعرضون، يومياً، للتمييز العنصري من القانون الإسرائيلي، بما يعني أنّ إسرائيل أقامت في الأراضي العربية التي تحتلها منذ عام 67 نظاماً عسكرياً يعتبر أسوأ من نظام الفصل العنصري الذي عرفته جنوب إفريقيا في السابق؟
لا، ليس الأمر مفاجئاً. ولذا، سأضيف: مع تفجر الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وما تخللها من دماء فلسطينية، أريقت ومازالت تراق، بآلة الموت والاقتلاع، و"حيث لا تكافؤ بين الدبابة الإسرائيلية والحجر الفلسطيني، وبين الصمت العربي والصوت الفلسطيني المتصاعد في أفق المأساة، وما يكتنف هذا وذاك من صراع بين الحق ونقيضه، وبين العدل وما يلغيه، فإننا  استيقظنا جميعاً من غفوتنا المريحة، لندرك، من جديد، أنّ اسرائيل، في جوهرها، دولة محتلة لها ممارسة المستعمر، وترفض، بعناد شديد، الاعتراف بحرية من سلبت أرضهم ووجودهم، ولقد تعرّى القمع الصهيوني الهستيري الذي كشف الدّم الفلسطيني المراق بغزارة عن "وهم ديمقراطيته المتحضرة"، وأسقط، تبعاً لذلك، كل الأقنعة، فتوارت خلف تخوم الدّم، رموز الديمقراطية والاشتراكية والعلمانية التي تدثّر بها مؤسسو الصهيونية والمصفقون لها في الغرب، وتعرّت، بالتالي، إسرائيل، باعتبارها آخر المستوطنات البيضاء، في بداية القرن الواحد والعشرين التي تسعى إلى حماية نقائها عن طريق نظام الأبارتهايد.

لذا، ألا يمكن القول، والحال هذا، إنّ السياسة الإسرائيلية العنصرية بحق الفلسطينيين نابعة من روح النزعة العنصرية للصهيونية، وتشكّل مخالفة كلية لنصوص القانون الدولي الذي تمّ وضعه والاتفاق عليه عالمياً، في إطار هيئة الأمم المتحدة، والذي من أهم هياكله، ما يلي:

-ميثاق الأمم المتحدة، وبالخصوص الفقرة الثالثة من المادة الأولى منه التي تجعل من بين مقاصد الأمم المتحدة تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية، ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، والتشجيع على ذلك إطلاقاً، بلا تمييز، بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء.
-اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12/08/1949 المتعلقة بحماية المدنيين، وقد انضمت إسرائيل إلى هذه الاتفاقية بتاريخ: 06/07/1951، وأقرّت الأمم المتحدة تطبيق الاتفاقية على الأراضي المحتلة.
-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بتاريخ:10/12/1948.
-ملحق اتفاقية لاهاي الرابعة المؤرخة في 18/10/1907 المتعلقة بالقوانين والأعراف وقت الحرب.

وعلى الرغم من هذه الهياكل التي ذكرناها، وعلى الرغم من كل الشواهد الثابتة على عنصرية الصهيونية، فلقد ألغي القرار3379 وتمّت تبرئة الصهيونية من العنصرية، وبأغلبية دولية مذهلة، مثلما أسلفت، في أواخر عام 1991.

فماذا يعني هذا؟

ألا يعني أنّ هناك شروخاً في الصرح العربي، أثرت سلباً، علينا جميعاً أمام العالم! وأنّ الذين جعلوا من أميركا وسادة ريش، يهرولون إليها، كلّما داهمهم السقوط، ما فتئت تجيئهم الخيبة من جديد!؟ ألم نكتشف بعد قوّة العلاقة بين أميركا وإسرائيل، بما يعني إبقاء الموقف مسانداً ومدعّماً الموقف الإسرائيلي! ألم ندرك، أوّلاً وأخيراً، أنّ الانحياز الأميركي السافر حيال تل أبيب يهدف، في جوهره، إلى إزالة كل ما من شأنه أن يضع (شرعية!) إسرائيل موضع شك ونقض، بعد أن تكاملت ملامح عنصريتها الكامنة فيها أصلاً! أليس بإمكاننا الآن، وهنا، أن نلج ذواتنا في إطار مراجعة شاملة لواقعنا الأليم، لعلّنا نرمّم ثغراتنا السافرة، ذلك أنّ التجارب أثبتت بأنّ كل انتصار تحقّقه إسرائيل هو مقدمة دراماتيكية لخسائر عربية متلاحقة، في ظل معركة لاح طولها واستمرارها، وتعرّى طرفاها المضادان للعرب: الصهيونية والولايات المتحدة الأميركية. ما دام ذلك كذلك، فإنّ سلام "الشجعان"، أو نظيره المبرم في كواليس أنابوليس، لن يتم عملياً إلا وفقاً لما ترومه إسرائيل، ويرضي نزواتها العدوانية، وطالما أنّ الذين يصنعون القرار في تل أبيب هم، في جوهرهم، نظائر لأولئك الذين يصوغونه في أروقة البيت الأبيض، فإنّ اللوبي الصهيوني سيظل مسموع الكلمة، وقادراً، بدهاء منقطع النظير، على التحكّم في إجراءات وطريقة التفاوض بين العرب وإسرائيل، وسيتمكّن، بالتالي، من إلغاء أي قرار من شأنه المس بمصالح الدولة اليهودية.

avata
avata
محمد المحسن (تونس)
محمد المحسن (تونس)