دعا مركز أبحاث إسرائيلي إلى "اتباع الدبلوماسية الصامتة" في محاولة حلّ الخلاف مع الأردن بشأن مصير تأجير منطقتي الباقورة والغمر.
وعزا "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي قرار ملك الأردن عبد الله الثاني إلغاء تأجير المنطقتين إلى "تحسّب نظام الحكم في عمان لتداعيات التحولات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية في المملكة، إلى جانب الحساسية الكبيرة التي يبديها للمظاهرات الجماهيرية التي تنظم ضد مظاهر سلوك الحكومة والنظام".
وفي دراسة نشرها اليوم الأحد على موقعه، اعتبر المركز أن نظام الحكم الملكي "يواجه مظاهر احتجاج كبيرة لرفض قطاعات واسعة من الجمهور الأردني لاتفاقية "وادي عربة"، واحتجاجها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة"، مشيرا إلى أن المتظاهرين "باتوا أكثر جرأة في توجيه الانتقادات للعائلة المالكة، مما يعكس تراجع قوة الردع التي كانت تحتفظ بها الأجهزة الأمنية التي يعتمد عليها النظام".
وأشارت الدراسة، التي أعدها جلعاد شير، العقيد المتقاعد في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، والذي تولى دورا رئيسا في المفاوضات التي قادت لاتفاقي أوسلو مع منظمة التحرير، و"وادي عربة" مع الأردن، والباحث مار بن كليفا، إلى أن الملك عبد الله يلحظ رغبة الجمهور الأردني في إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل بشكل كامل، أو جزئي على الأقل.
وأشارت الدراسة إلى "تعاظم الرفض الجماهيري الأردني لسلوك إسرائيل تجاه الأردن والشعب الفلسطيني"، مبرزة أن الكشف عن الخطة التي أعدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتسوية الصراع "أججت الغضب الجماهيري على إسرائيل، في حين أن نظام الحكم الأردني يرى في الخطة تهديدا مباشرا لاستقراره".
وحسب الدراسة، فإن أوساطاً في الحكم ومؤسساته المختلفة باتت تتبنى مواقف نقدية أكثر تجاه إسرائيل وسياساتها؛ معتبرة أن "بروز صوت مروان المعشر، وزير الخارجية الأسبق وسفير الأردن الأسبق في تل أبيب، كأحد أكثر المنتقدين للسياسة الإسرائيلية تجاه الأردن والفلسطينيين، مؤشر على تآكل التأييد لاتفاق السلام مع تل أبيب".
وأوضحت الدراسة أن العائلة المالكة في الأردن انطلقت من افتراض مفاده أنه "في حال لم تتم تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص قضية القدس، فإن تواصل النزاع سيفضي إلى انفجار إقليمي يؤثر على مستقبل واستقرار نظام الحكم في عمان، وهو ما جعل النظام يحرص على لعب دور مهم في المفاوضات والاتصالات التي جرت بين إسرائيل ومنظمة التحرير بعد التوصل لاتفاقية أوسلو".
ويقول معدا الدراسة إن "نظام الحكم في عمان يخشى أن تقدم إسرائيل على طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، مما يمثل تهديدا لاستقرار النظام، وهذا ما يجعل عمان معنية بحل الصراع بأسرع وقت ممكن".
وحسب معدي الدراسة، فإن إسرائيل أسهمت في تدهور العلاقات الثنائية "من خلال تعمدها التملص من التزاماتها بالإسهام في مشاريع اقتصادية مشتركة، سيما مشروع "قناة البحرين"، التي يفترض أن تصل البحر الأحمر بالبحر الميت، على الرغم من أن هذا المشروع يمثل تجسيدا للسلام الإقليمي، وهو ما أجبر الأردن على التهديد بأن يأخذ على عاتقه القيام بهذا المشروع وحده".
وذكرت الدراسة أن العلاقات السرية توطدت بين نظام الحكم في الأردن وإسرائيل منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، حيث أشارت إلى أنه إلى جانب اتفاق "وادي عربة" وقع الأردن وإسرائيل عدة اتفاقات ثنائية في مجالات اقتصادية وبيئية وصحية، إلى جانب تعاظم التعاون الأمني والاستخباري.
وذكرت أن إسرائيل ماطلت في تدشين مشروع منطقة التجارة الحرة، الذي يفترض أن يخدم السلطة الفلسطينية والأردن وإسرائيل، والذي كان يفترض أن يتم البدء في تنفيذه عام 1998، مشيرة إلى أن أول مرحلة من المشروع بدأت خلال عام 2018.
وأكدت الدراسة أن "الأردن يقع حاليا تحت ثقل أزمة اقتصادية اجتماعية خانقة لاستيعابه أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ من العراق وسورية"، مشيرة إلى أن "هذه الأزمة تركت تأثيرات على واقع الاقتصاد والبنى التحتية في المملكة"، وأن ما فاقم الأمور "إقدام دول الخليج على تقليص الدعم الذي تقدمه للأردن".
ومن المؤشرات التي تدلل على تدهور الأوضاع الاقتصادية في الأردن، كما ترصدها الدراسة، ارتفاع مستوى البطالة إلى 18%، إلى جانب أن ربع خريجي الجامعات عاطلون عن العمل، فضلا عن الركود الاقتصادي، وتراجع معدلات النمو، وزيادة ضريبة الدخل والضرائب التي تفرض على الشركات.
وحسب الدراسة، فإنه حسب المعطيات التي نشرتها صحيفة "ذا إيكونميست" البريطانية، فإن عمان تعد المدينة الأغلى في العالم العربي، إلى جانب أنها تحتل المكانة 28 من بين المدن الأغلى في العالم.
وحث معدا الدراسة صناع القرار في تل أبيب على "محاولة حل الإشكالية مع الأردن من خلال اتصالات سرية وصامتة، وبعيدا عن أضواء الإعلام".
وحذر معدا الدراسة من تداعيات التهديدات التي وجهها وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو بمعاقبة الأردن في حال انسحب من الاتفاق الذي يسمح بتأجير أراضي الباقورة والغمر، حيث أشارا إلى أن "مثل هذا السلوك يمكن أن يدفع نظام الحكم في عمان لمزيد من التشدد".
ودعت الدراسة صناع القرار في إسرائيل إلى "إطالة أمد المفاوضات على إعادة الأراضي الأردنية، ومطالبة عمان بتقديم تعويضات للمزارعين الإسرائيليين، مع الحرص على أن تكون الاتصالات ذات طابع سري وبعيدة عن أضواء الإعلام".
وتمنت الدراسة أن تنجح المصالح المشتركة التي تراكمت بين الجانبين على مدى عشرات السنين في التغلب على الأزمة الحالية.