مراكز إصغاء في تونس لدعم النساء المعنفات

مراكز إصغاء في تونس لدعم النساء المعنفات

28 ديسمبر 2019
من تظاهرات أخيرة مندّدة بالعنف ضدّ المرأة (ياسين القايدي/الأناضول)
+ الخط -

في تونس كما في مختلف بقاع العالم، تتعرّض نساء كثيرات إلى العنف. ولا يعني الأمر فقط ذلك العنف الذي يترك آثاره واضحة على جسد المرأة إنّما كذلك ما يترك ندوباً في الروح والنفس. من هنا، كانت مراكز إصغاء في أنحاء مختلفة من البلاد.

كثيرات هنّ التونسيات اللواتي يتعرّضنَ إلى عنف أسريّ، أمر تؤكده رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي. وتخبر "العربي الجديد" عن حالة أخيرة "اقتُلعت في خلالها أذنا امرأة تونسية من محافظة نابل شمال، شرقي تونس. فزوج المرأة راح يضربها على رأسها، ظنّاً منه أنّه لن يخلّف بذلك آثاراً ظاهرة للتعنيف، من كدمات وغيرها. لكنّ ضربه أتى مبرحاً لدرجة أنّه تسبّب في ضرر بليغ". تضيف الجربي أنّ "هذه المرأة ليست سوى واحدة من بين عشرات يقصدنَ يومياً مراكز الإصغاء التي خصّصها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية للنساء ضحايا العنف في البلاد".

وتعمل السلطات التونسية على دعم مراكز الإصغاء الخاصة بالنساء المعنّفات، سواء أكانت حكومية أو تابعة لمنظمات وجمعيات تهتمّ بشؤون المرأة، لا سيّما من تتعرّض إلى عنف ما. وثمّة ستّة مراكز تابعة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ، منها مركز الرعاية الاجتماعية "الأمان" في تونس العاصمة ومركز "تمكين" ومركز "هنّ" الذي فتح أبوابه أخيراً في معتمدية الرقاب بولاية سيدي بوزيد، في حين يعمل الاتحاد الوطني للمرأة على استحداث مراكز جديدة تابعة له في مختلف المحافظات التونسية. يُذكر أنّه انطلاقاً من أنّ العنف ضدّ المرأة أمر مُدان، فقد نظمت أكثر من 53 منظمة وجمعية وطنية ودولية عاملة في تونس حملة وطنية ومسيرات لمناهضة العنف المسلط على المرأة، في إطار حملة الأيام الستة عشر لمناهضة العنف ضد المرأة حول العالم (25 نوفمبر/ تشرين الثاني - 10 ديسمبر/ كانون الأول).

وتقول الجربي إنّ "الاتحاد حريص على إنشاء مراكز إصغاء في كلّ المحافظات التونسية، نظراً إلى دورها المهم في الإحاطة والتوجيه"، مضيفة أنّه "في تجربة أولى من نوعها، سوف نفتتح قريباً مركز إصغاء في إحدى الكليات الجامعية بمحافظة القيروان (شمال) لاستقبال الطالبات ضحايا العنف، علماً أنّنا نملك مركز إصغاء وإيواء لضحايا العنف في المحافظة نفسها ونستقبل حالات كثيرة. وقد أنشأنا كذلك، قبل شهرَين، مركز إصغاء في مقرّ الاتحاد الوطني للمكفوفين لفائدة المعنّفات من فاقدات البصر مع تقديم الإحاطة النفسية لهنّ"، مؤكدة أنّ "هذه المراكز بمعظمها تؤدّي دوراً مهماً في الاستماع إلى النساء المعنّفات". وتشير الجربي إلى "مشكلة تكمن في عدد مراكز الإيواء المحدود، بالإضافة إلى أنّها تتطلب متخصصين وفريق إداري للتكفل بإقامة المعنّفات، علماً أنّ كلفة ذلك باهظة. ونحن نملك مركزَين للإيواء، العمل فيهما هو بحسب الإمكانيات المادية وليس بحسب طاقة الاستيعاب، الأمر الذي يحول دون توفير المأوى لكثيرات".




وتتابع الجربي أنّ "ثمّة 40 في المائة من النساء اللواتي يتعرّضنَ إلى شكل من أشكال العنف في تونس، وهي نسبة مرتفعة في ظل التشريعات الكثيرة، لا سيّما القوانين التي وضعت منذ عام 1956 والقانون الأساسي رقم 58 لسنة 2017 لحماية النساء من العنف". وتشدّد أنّه "في ظل الأشكال المتعددة للعنف ضدّ المرأة والإفلات من العقاب، لا بدّ من تحرّك جماعي لتغيير العقليات ووضع حدّ لذلك، وثمّة دور أساسي للجمعيات والمنظمات. كذلك لا بدّ من تحرك الأحزاب السياسية، إذ إنّه لا يمكن أن تبقى حقوق المرأة والقوانين ذات الصلة مجرّد شعارات".

من جهتها، تقول رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس لـ"العربي الجديد" إنّ "مرافقة النساء المعنّفات ضرورية، وأوّل مركز إصغاء في تونس أنشأته جمعية النساء الديمقراطيات في عام 1993، وقد استقبل حتى عام 2015 نحو ثلاثة آلاف ضحية معنّفة. كذلك أنشأنا أربعة مراكز للإصغاء، منها ثلاثة بعد الثورة في محافظات سوسة (وسط شرق) والقيروان (شمال) وصفاقس (جنوب)". تضيف فراوس أنّ "حالات كثيرة تصلنا إلى المركز، بعضها محوَّل من قبل وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ أو وزارة الداخلية، في وقت لا بدّ على الدولة من أن تهتم بالضحايا لأنّ الجمعيات غير قادرة وحدها على تحمّل الأعباء"، مشدّدة على أنّ "النساء المعنّفات يكنّ في أوضاع هشّة، وأولى خطوات مواجهة العنف هي من خلال إبعادهنّ عن العنف والاستماع إليهنّ ومشاركتهنّ آلامهنّ وتلبية احتياجاتهنّ".

وتبيّن فراوس أنّ "امرأة واحدة من بين اثنتَين تقريباً تُعنّف في تونس، وأبرز مطلب للمعنّفة التي تقصد مركز إصغاء هو الاستماع اليها ومشاركتها مأساتها في حين يطلب عدد منهنّ إحاطة نفسية أو دعماً قانونياً أو سياسياً لأنّ ثمّة قضايا تستوجب تحريك الرأي العام"، لافتة في هذا الإطار إلى "قصّة الشابة مريم التي تعرّضت إلى الاغتصاب من قبل أعوان أمن في عام 2012. بالتالي، كان لا بدّ من تحريك الرأي العام في هذه القضية لأنّه لا يمكن تحميل الضحية المسؤولية. كذلك، أمام حجم الضغوط، كان لا بدّ من مرافقتها الدائمة نظراً إلى خصوصية القضية". وتلفت فراوس إلى أنّ الجمعية وثّقت مختلف أشكال العنف، من اعتداء جسدي واحتجاز واغتصاب للنساء، "وقد لاحظنا أخيراً أنّ العنف تجاه النساء صار أكثر حدّة". وتؤكد أنّه "على الرغم من صدور القانون رقم 58 لسنة 2017 للقضاء على العنف ضدّ المرأة، إلا أنّه لم يُطبّق بعد، نظراً إلى عدم تخصيص الاعتمادات اللازمة لمساندة الضحايا"، شارحة أنّه "لا بدّ من وضع ميزانية خاصة بتطبيق القوانين".



في السياق، ترى عضو الرابطة التونسية لحقوق الإنسان حليمة الجويني أنّ "النساء المعنّفات صرنَ يعينَ حقوقهنّ أكثر ولم يعدنَ يصمتنَ على العنف، فكثيرات هنّ اللواتي يقصدنَ مراكز الإصغاء ويتحدثنَ عن العنف الذي يتعرّضنَ إليه ويسألنَ عن القوانين". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "مراكز الإصغاء متوفّرة لكنّ مراكز الإيواء قليلة في الوقت الذي يجب أن تخصّص كلّ بلدية مركزاً أو اثنَين لذلك، لأنّ الصعوبة الأولى التي تعترض المرأة المعنّفة هو المكان الذي يتعيّن عليها أن تقصده، بالتالي فإنّ مثل هذه الفضاءات هي مهمّة وضرورية"، مشدّدة من جهة أخرى على "ضرورة تعزيز الوقاية والتوعية حول خطورة الأمر".

دلالات

المساهمون