مذكرات جون بولتون: فتح صندوق الأسرار يفضح ترامب

مذكرات جون بولتون: فتح صندوق الأسرار يفضح ترامب

19 يونيو 2020
بولتون ثالث مستشار للأمن القومي أقاله ترامب (ألكس وونغ/Getty)
+ الخط -

كثيرة هي التناقضات التي يطرحها كتاب مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، جون بولتون، بعنوان "من قاعة الحدث: مذكرات من البيت الأبيض"، والمتوقع صدوره في الأسواق بداية الأسبوع المقبل. هذا الكتاب، الذي حصلت كبريات الصحف الأميركية على نسخها منه، مسرّبة تفاصيله، وقالت دار النشر الموكلة إصداره إنها باعت بالفعل نسخاً منه، يحمل تفاصيل مثيرة ومحرجة للرئيس، وصفها الإعلام بـ"القنابل المدوية"، وهي تعيد في جزء كبير منها حقائق باتت شبه محسومة، حول إدارة ترامب للملفات الخارجية للولايات المتحدة. ويضع الكتاب صاحبه أيضاً في خانة الاتهام، بعدما رفض الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس بداية العام الحالي في قضية "فضيحة أوكرانيا" التي قادها الديمقراطيون لعزل الرئيس. وليس معروفاً ما إذا كانت النتائج المتوخاة من الكتاب، بالنسبة لبولتون الذي أقاله ترامب في سبتمبر/أيلول 2019، قد جاءت متأخرة، تماماً كمحاولة وزارة العدل مقاضاته، ومنع صدور الكتاب. وعلى الرغم من أن البيت الأبيض، الذي وصف قنابل كتاب بولتون، وعلى رأسها الدبلوماسية الترامبية مع الصين، المنافس الأول للولايات المتحدة، بالكاذبة، قد أكد المؤكد بأن ما سُرّب يعد في خانة المعلومات السرية التي تضر بالأمن القومي، فإن مدى تأثيرها على الناخب الأميركي الوفي لترامب الذي يواجه حملة إعادة ترشيح رئاسية صعبة، ليس أكيداً، وكذلك مدى لعبها دوراً في الضغط على المنظومة الجمهورية التي تتحضر رسمياً لترشيح ترامب لولاية ثانية.

تصفية الحساب، بين ترامب والمستشار الذي طرد العام الماضي، والتي يترجمها الكتاب الذي أصبح مدرجاً على لائحة "أمازون" للأكثر مبيعاً، قد لا يتخطى مردودها لبولتون سوى الكسب المادي، بنظر الديمقراطيين، الذين يصعب عليهم وصف هذا الدبلوماسي المنتمي إلى خانة المحافظين الجدد، بالوطني، فيما يرى مراقبون أن الصراعات داخل أجنحة البيت الأبيض، والتي أجهزت على بولتون، من عناوينها أيضاً نزعة الأخير للحرب كوسيلة تخدم الغاية، وهو ما قاومه الرئيس، ومن الممكن أن يظلّ يخدمه. لكن أهمية الإصدار، تبقى في ما يراكمه من متاعب للرئيس. كما يسلط الضوء على تداعيات قيادة ترامبية، تتسم بالزئبقية والتهور وقلة المعرفة، لأميركا العظمى، التي يتنبأ الخصوم الخارجيون بـ"أفولها". هؤلاء الخصوم، منهم من يفضح الكتاب محاولة ترامب للتقرب منهم، ومحاباتهم، خدمة لأغراضه الشخصية، لتكون خلاصته أن ترامب لم يحمل شعار "أميركا أولاً"، بل "انتخابات 2020 الرئاسية أولاً".

ويستعد الدبلوماسي الأميركي السابق في الأمم المتحدة، ومستشار ترامب السابق للأمن القومي جون بولتون، بالتعاون مع دار "سايمن وشوستر"، لطرح كتابه الفضائحي حول سياسة ترامب في الأسواق في 23 يونيو/حزيران الحالي. ويسعى البيت الأبيض إلى منع صدور الكتاب، واستنفرت وزارة العدل في خطة طوارئ أخيرة لهذا الهدف عبر دعوى قضائية، واتهام بولتون بنشر معلومات حساسة، فيما أطل ترامب عبر "تويتر" وقناة "فوكس نيوز" وفي تصريح لـ"وول ستريت جورنال"، لوصف بولتون بـ"الكاذب" و"المغفل"، مؤكداً أن "الجميع في البيت الأبيض كانوا يكرهونه". وقال محامي بولتون، تشارلز كوبر، إن أهدافاً سياسية تقف وراء سعي البيت الأبيض لعرقلة صدور الكتاب، وهو سعي "يأتي متأخراً بـ"المعنى العملي". ويرد بولتون في كتابه على مناوشات طويلة مع البيت الأبيض حول صدور الكتاب، بتأكيده أن معلوماته "لا تضر بالأمن القومي، بل تخدمه". ونشرت شبكة "إيه بي سي" مقتطفات من مقابلة معه ستعرض نهاية الأسبوع الحالي، يؤكد فيها أن ترامب غير مؤهل لأن يكون رئيساً.
ويقارن بولتون، في المقابلة، بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يصفه بـ"الذكي"، والذي أمضى حياته "لفهم موقع روسيا الاستراتيجي في العالم"، معتبراً أن الأخير يظن أنه يستطيع اللعب بترامب "مثل آلة الكمنجة"، وأنه لا يواجه رئيساً (أميركياً) جدياً، ما اعتبره موقفاً "صعباً على أميركا أن توضع فيه". ويرى بولتون في كتابه أن ترامب "متقلب، أحمق، ويتصرف بطريقة غير منطقية بشكل غريب". وكتب "لا نستطيع تركه لدقيقة، فهو يرى دائماً المؤامرات تحاك حوله، وهو غير مطلع بشكل مذهل، ولا يستطيع التفرقة بين مصالحه الشخصية ومصالح الولايات المتحدة". وتطرق بولتون في المقابلة خصوصاً لهوس الرئيس بأخذ صورة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، من دون "إدراكه لضرر ذلك على الموقع التفاوضي لواشنطن". 

وقد تكون "قنبلة الصين"، وكذلك هفوات للرئيس، تنم عن جهله لحقائق أو معلومات عامة، من أبرز ما يتضمنه الكتاب. ويركز بولتون على الدبلوماسية الأميركية مع الصين خلال عهد ترامب، وذلك فيما يرتفع التوتر أخيراً بين البلدين، على خلفية فيروس كورونا، وفيما يحاول الرئيس الأميركي عنونة حملته لولاية ثانية في إطار الملفات الخارجية، بـ"مواجهة الصين". وكان الرئيس أقر بالفعل العام الماضي، في معرض رده على فضيحة أوكرانيا، التي تتهمه بالضغط على كييف من بوابة المساعدات العسكرية، لكي تفتح تحقيقاً في ملفات فساد تتعلق بعائلة منافسه الديمقراطي جو بايدن، بأنه طلب من الصين أيضاً التحقيق حول بايدن. لكن الأخطر وفق الكتاب، أن ترامب طلب من نظيره الصيني شي جين بينغ، مساعدته للفوز في انتخابات العام الحالي، وأنه تغاضى عن مسائل أساسية ترتبط بحقوق الإنسان، للتقرب من شي. وكتب بولتون أنه "عندما أطلع شي ترامب العام الماضي على بناء الصين لمراكز احتجاز لأقلية الإيغور المسلمة، رأى الرئيس أنه الأمر الجيد الذي يجب فعله". وقال إنه "في لقاء آخر في قمة مجموعة الـ20 في أوساكا، حولّ ترامب الحديث بشكل مفاجئ إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث شدد على أهمية المزارعين الأميركيين، وضرورة زيادة الصين لشرائها المنتجات منهم، كعامل مهم للانتخابات". ويقول الكتاب "عاد الحديث للاتفاق التجاري (بين البلدين)، حيث اقترح ترامب ألا يطالب بفرض ضرائب لتغطية ما تبقى من عجز التجارة الأميركية لصالح الصين، بل استعاد دعوته لشي لشراء المنتجات الأميركية الزراعية بقدر المستطاع". ونقل بولتون عن ترامب تأكيده أنه لا يريد التدخل في أحداث هونغ كونغ (التظاهرات المؤيدة للديمقراطية)، قائلاً إن "لدينا أيضاً (في الولايات المتحدة) مشكلات تتعلق بحقوق الإنسان".

ويعتبر بولتون من أشد الصقور في ما يرتبط بالمسألتين الإيرانية والكورية الشمالية، وأحد أبرز المتحمسين للجوء للخيار العسكري. وقال في كتابه إن ترامب أراد اللقاء مع الزعيم الكوري كيم جونغ أون بأي شكل، على الرغم من نصيحة مستشاريه له بعدم فعل ذلك. وكتب أن "كيم تمكن من وضع ترامب في شباكه" خلال قمة سنغافورة، وعندما أخبر الرئيس الزعيم الكوري أنه سيسعى للحصول على موافقة مجلس الشيوخ لأي صفقة نووية، مرّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو رسالة لبولتون، خلال اللقاء، كتب فيها كلاماً مسيئاً، يرى بولتون في كتابه أن بومبيو يقصد بها ترامب نفسه.

وتعد محاولة بولتون إقحام بومبيو في الكتاب، وهو ما لم ترد الخارجية الأميركية عليه حتى الآن، بعدما وضع طرد بولتون من منصبه العام الماضي (ثالث مستشار للأمن القومي يطرده ترامب)، في إطار الخلاف أيضاً بينه وبين رأس الدبلوماسية الأميركية. وبينما كان ترامب يعقد قمته الثالثة مع كيم على الحدود بين الكوريتين، برز وجود بولتون في كمبوديا، كأحد أوجه التململ لدى ترامب من نزعات مستشاره، والذي كان أحد مهندسي غزو أميركا للعراق، المائلة للصدام العسكري. لكن الملف الكوري الشمالي، لم يكن القطرة التي أفاضت الكأس بين الرجلين، بل اقتراب الرئيس حينها من توقيع اتفاق سلام مع حركة "طالبان" الأفغانية. ويتهم بولتون بأنه وراء تسريب معلومات مضرة بالرئيس للصحافة الأميركية، تتعلق بكل ما يرى أنها تعارض نزعته للصدام، وأجندته الخارجية المتشددة. وفي الواقع لم يتفق الرجلان كثيراً، منذ أن أعجب ترامب بمداخلات بولتون على "فوكس نيوز"، سوى على تمزيق الاتفاق النووي الموقع مع إيران، والانسحاب من اتفاق الأسلحة المتوسطة المدى مع روسيا.

وسعى مستشار ترامب السابق للإضاءة في كتابه على علاقة الرئيس بزعماء دول تشوب علاقة من التوتر بينها وبين بلاده، كمثل عرض الرئيس على نظيره التركي رجب طيب أردوغان عام 2018، التدخل في فتح وزارة العدل تحقيقاً حول مصرف تركي يخضع للتحقيق في انتهاكه العقوبات على إيران. وكتب بولتون أن ترامب أبلغ أردوغان أن المدعين العامين في القضية في نيويورك "هم من جماعة (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما"، وأنه "سيعمل على طردهم".

وقال بولتون إن الرئيس طلب مراراً التدخل العسكري في فنزويلا، وهو طلب صدم العديدين داخل إدارته وفي القيادة العسكرية. وروى كيف تلقى إشارة متهكمة حول ذلك من رئيس هيئة الأركان المشتركة، جوزيف دانفورد.

كذلك روى بولتون كيف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبدى عدم فهمه للسبب الذي يقف وراء قيادة صهر الرئيس جاريد كوشنر، لخطة سلام مع الفلسطينيين. وكتب أنه قبل عمله في البيت الأبيض، كانت له محادثة مع نتنياهو، الذي أبدى تردداً من تلزيم كوشنر بالمهمة، لكنه كان سياسياً قديراً لعدم معارضته ذلك في العلن، لكنه مثل كل العالم تساءل لماذا يعتقد كوشنر أنه سينجح في مهمة لم يتمكن أمثال هنري كيسنجر من حلّها".

ووصف بولتون اللقاءات في المكتب البيضاوي في عهد ترامب بـ"المعارك على وجبة طعام خلال أيام الدراسة". وكتب أنه "بعد كل لقاء، لكنت ذهبت إلى جلسة يوغا، لو كنت مؤمناً بهذه الممارسة". ووصف الرئيس بالرجل الزئبقي، الذي لا يبدي الكثير من الاهتمام لتعلم كيفية العمل داخل الحكومة الفيدرالية، بل يركز فقط على وقع قراراته من ناحية إعلامية.

وحول العلاقة مع روسيا، قال مستشار الأمن القومي السابق إن ترامب اشتكى مراراً حول العقوبات المفروضة على موسكو، على الرغم من أنه كان يشيد بها في العلن. وبعد فرض الدفعة الأولى من العقوبات على روسيا على خلفية تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال في بريطانيا، طلب ترامب من بومببو الاتصال بنظيره الروسي سيرغي لافروف لإبلاغه أن "بعض البيروقراطيين" في الكونغرس هم وراء تلك العقوبات.

أما في ما يتعلق بهفوات ترامب، فمنها أن الرئيس سأل مستشاريه مرة ما إذا كانت فنلندا جزءاً من روسيا، كما سأل رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي ما إذا كانت بلادها فعلاً قوة نووية، بالإضافة إلى تسمية الرئيس الأفغاني أشرف غني، بحامد كرزاي، وهو الرئيس الأفغاني السابق، لدى الحديث عنه. إلى ذلك، أراد ترامب من وزير العدل ويليام بار سجن صحافيي شبكة "سي أن أن". وقال خلال اجتماع عقد في نيوجيرسي صيف العام 2019، بحسب رواية بولتون، إن "الصحافيين يجب إيداعهم السجون، حتى يكشفوا عن مصادرهم: هؤلاء يجب إعدامهم. إنهم حثالة". ووضع بولتون حماية الرئيس الأميركي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في قضية جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، في إطار محاولة ترامب التعمية عن أخبار تمّ تداولها حول استخدام ابنته إيفانكا لبريد إلكتروني خاص، من أجل إتمام أمور إدارية.