مدن العراق المحررة من داعش... كانتونات صغيرة وعزل مناطقي

مدن العراق المحررة من داعش... كانتونات صغيرة وعزل مناطقي

13 اغسطس 2016
القوات العراقية تعمل على عزل المناطق (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تحوّلت المدن العراقية، التي نجحت القوات الشرعية ومليشيات "الحشد الشعبي" من استعادة السيطرة عليها، إلى كانتونات صغيرة معزولة بعضها عن البعض، بعد إنشاء أسوار خرسانية وتشكيل سواتر ترابية تفصل المناطق، التي تسميها السلطات العراقية "المدن المحررة"، عن بقية محافظات ومدن وبلدات العراق، فيما يُحذّر زعماء قبليون من تحول بعض هذه المناطق إلى معتقلات كبيرة للمدنيين.

في هذا السياق، يؤكد رئيس بلدية مدينة الرطبة (غرب الأنبار)، عماد الدليمي، أن "عزل المدينة عن محيطها أمر ضروري لتحصينها من هجمات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الإدارة المحلية في الرطبة نسّقت مع القوات العراقية لحفر خندق بطول 15 كيلومتراً حول المدينة".

ويضيف بأنه "بدأنا حفر الخندق بإمكانات ذاتية، ووضعنا كل ثقلنا لإكماله، لأننا لا نملك أي خيار آخر"، مبيّناً أن "الخندق بعمق مترين، وعرض ثلاثة أمتار"، لافتاً إلى أنه "سيُقام ساتر ترابي بارتفاع مترين إلى جانب الخندق". مع العلم أن القوات العراقية أفادت في شهر مايو/ أيار الماضي، بأنها "استعادت السيطرة على مدينة الرطبة، بعد انسحاب عناصر داعش منها". كما أنه لم تقتصر مسألة عزل المناطق على مدينة الرطبة، بعد أن باشرت السلطات الأمنية والمحلية بإنشاء ساتر ترابي حول مدينة حديثة المجاورة.

في هذا الصدد، يشير آمر فوج الشهيد جلال بالحشد العشائري المكلف بحماية مدينة حديثة، عاشور المحلاوي، إلى أن "الأجهزة الأمنية نسقت مع الإدارة المحلية، لفرض طوق أمني كامل حول المدينة". ويتابع "تمثل الطوق بساتر ترابي يعزل حديثة عن محيطها"، مؤكداً أن "هذا الطوق فرض لمنع أية هجمات مباغتة قد يشنّها داعش".



في هذا الإطار، يكشف عضو مجلس شيوخ الفلوجة، خلف الجميلي، أن "المدينة تشهد أكبر عملية عزل في تاريخها"، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "القوات العراقية عزلت أحياء الفلوجة بعضها عن البعض، بالحواجز الخرسانية، ووضعت نقطة تفتيش عند مدخل كل حي".

ويردف بأن "الفلوجة ستتحول، بعد عودة سكانها، إلى معتقل كبير للمدنيين، الذين لا يُسمح لهم بالعودة إلى مدينتهم إلا بعد تقديم استمارة معلومات، وصدور شهادة أمنية ببراءتهم من الانتماء للتنظيمات المسلحة". ويكشف عن "نية القوات العراقية المباشرة في إنشاء ساتر كبير يعزل الفلوجة عن محافظة بغداد شرقاً، وعن بقية مدن الأنبار، شمالاً وغرباً وجنوباً". يُذكر أن رئيس الوزراء حيدر العبادي، سبق أن أعلن في يونيو/ حزيران الماضي، استعادة السيطرة على الفلوجة، بعد معارك عنيفة مع "داعش".

إلى ذلك، أفاد مجلس محافظة الأنبار، عن عزمه إنشاء سور أمني يحيط بمدينة الرمادي. ويقول في هذا المجال، رئيس اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة، أحمد حميد شرقي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "السلطات الأمنية بمحافظة الأنبار، ستبدأ ببناء سور من الكتل الإسمنتية حول الرمادي"، مشدّداً على أن "السور سيفصل الرمادي عن الصحراء المحيطة بها".

ويوضح شرقي أن "سبب إنشاء هذا السور، هو قلة عدد أفراد الشرطة في الرمادي، وأن مجلس المحافظة طلب في وقت سابق من الحكومة العراقية زيادة عدد قوات الشرطة المحلّية، من أجل التمكن من بسط سيطرتهم على كامل المدينة وضواحيها، من دون جدوى". من جهته، يذكر رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح الكرحوت، في بيان، أنّ "مجلس المحافظة لديه خطّة أمنية لإنشاء سور من الكتل الإسمنتية، ستحيط بمدينة الرمادي من أجل فصلها عن المناطق المحيطة بها".

وسبق أن فرضت القوات العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي"، في وقت سابق، اجراءات عزل على بلدات جرف الصخر، في محافظة بابل (100 كيلومتر جنوب بغداد)، والضلوعية ويثرب، في محافظة صلاح الدين (شمالاً)، فضلاً عن تنفيذها لتغييرات ديموغرافية، بحسب مسؤولين عراقيين.

من جهتها، تشير مصادر قبلية محلية في محافظة صلاح الدين، إلى قيام مليشيات "الحشد الشعبي" بحملة تهجير جديدة، طاولت عشرات الأسر، جنوب المحافظة. أما عضو مجلس أعيان بلدة الضلوعية، جنوب صلاح الدين، محمد خلف الجبوري، فيشير في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مليشيات بدر، وعصائب أهل الحق، وسرايا السلام، العاملة ضمن قوات الحشد الشعبي، أبلغت نحو 90 أسرة في البلدة بضرورة مغادرة منازلها خلال 72 ساعة"، مضيفاً أن "عناصر المليشيات هددوا باعتقال المخالفين، بتهم الإرهاب".

في السياق ذاته، يكشف عضو المجلس المحلي في الضلوعية، علي فارس حمد، لـ"العربي الجديد"، أن "مليشيات الحشد الشعبي صادرت مساحات واسعة من أراضي البلدة، ووزعتها على ذوي قتلاها الذين قضوا خلال معارك مع تنظيم داعش في صلاح الدين".

كما ينتقد المحلل السياسي حسان العيداني، سياسات عزل المدن والمناطق التي تنتهجها السلطات العراقية في المدن التي تتم استعادة السيطرة عليها من "داعش"، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هذه السياسات ستحوّل المدن العراقية إلى كانتونات صغيرة، تسيطر عليها المليشيات والعشائر". ويُحذّر من "تفاقم عمليات الانتقام والتغيير الديموغرافي التي تشهدها هذه المناطق، في ظل الصمت الحكومي عما يجري في مناطق مختلفة من البلاد".