مداخل لفهم "تمايز" الربيع التونسي

مداخل لفهم "تمايز" الربيع التونسي

13 يناير 2015
الديمقراطية الوليدة (GETTY)
+ الخط -

كثيرون كتبوا محاولين فهم سبب "التمايز" التونسي، وعدم تحوّل الربيع العربيّ الأوّل، مع شرارة إحراق البوعزيزي نفسه، إلى خريف عسكريّ كما في ليبيا، أو إلى حرب أهلية كما في سورية، أو إلى انقلاب كما في مصر، أو حرب مذهبية كما في العراق قبل الربيع بعقد تقريباً.

كثيرون حاولوا شرح أنّ تونس تحمل ميراثاً ديمقراطياً، وأنّ الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة بعد الثورة، وخرجوا منها بالانتخابات، هم أكثر ديمقراطية من نظرائهم المصريين مثلا، الذين حاولوا "أخونة" الدولة.

لكنّ أصدقاء تونسيين يعتبرون أنّ تونس "مختلفة" منذ آلاف السنين، وليس منذ سنوات، أو منذ عقود حتّى. من العلاقة بالدولة، وصولا إلى العلاقة بالمرأة. وهي العلاقة الأكثر إشكالية لدى الإسلاميين، وحتى لدى الليبراليين.

ففي حين لا تزال المرأة في بلد مثل لبنان خارج الحراك السياسي، وتقتصر مشاركتها السياسية على الشكليات، أو على وراثة الرجل، كما هو حال صولانج (بشير) الجميّل أو بهية (رفيق) الحريري أو نايلة (رينيه) معوّض أو نايلة (جبران) تويني وغيرهنّ... فإنّ تونس هو أوّل بلد في العالم أسّسته امرأة، هي إليسّا، ملكة قرطاج، في عام 814 قبل الميلاد. والعلاقة بالدولة في تونس عميقة منذ قرطاج التي كان لها حدود محدّدة ودستور.

أيضاً فإنّ تونس هي التي قدّمت إلى العرب والعالم مؤسّس علم الاجتماع ابن خلدون، الذي عاش بين عامي 1332 و 1406 ميلادي. وهي أوّل بلد عربي أو مسلم ألغى العبودية في عام 1846، قبل دول غربية عديدة.

وفي عام 1857، أصدرت تونس العهد التأسيسي الذي يجبر الجميع على احترام المساواة بين جميع الأديان والطوائف كمواطنين. في حين كانت دول عديدة تغرق في بدايات حروب طائفية، منها لبنان.

وفي 1861 كانت تونس أوّل بلد عربي له دستور في التاريخ الحديث. وشهدت في 1907 تأسيس أوّل حركة إصلاحية في العالم العربي، بعنوان "حركة شباب التونسيين". كما أنّها كانت من أوائل البلاد التي شهدت تأسيس حركة نقابية في 1924، بالعالم العربي والإسلامي.
وفي 1956 أصدرت تونس قانون المساواة بين الرجل والمرأة الذي منع تعدّد الزوجات.

والمرأة التونسية كانت أوّل عربية تصير طبيبة في 1936، وتقود قطارا في 1958، وتقود طائرة في 1962، وتصير وزيرة في 1983 وبات يحقّ لها التصويت في الانتخابات عام 1959 قبل البرتغال وسويسرا وموناكو. ويحقّ لها الإجهاض منذ عام 1973.

والمرأة التونسية عملت قبل نساء أوروبيات كثيرات. ففي حين كانت جدّاتنا يخبزن في الضيع والقرى، فإنّ جدّات جدّات التونسيين والتونسيات كنّ يعملن مثل الرجال. وهذا ليس تفصيلا في تشكيل الوعي التونسي، وفي تشكيل العلاقات الاجتماعية بين التونسيين.

كلّ هذه حقائق أساسية ومداخل لقراءة المشهد التونسي الحالي، قبل السياسة، وقبل الاجتماع، وقبل التاريخ الحديث حتّى... وبالطبع قبل محمد البوعزيزي.

المساهمون