مخيم الركبان مجهول المصير

مخيم الركبان مجهول المصير

13 سبتمبر 2017
الحياة القاسية تلاحقهم (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -
استقبل مخيم الركبان للنازحين السوريين، الواقع على الحدود السورية - الأردنية، منذ بداية شهر سبتمبر/أيلول الجاري، نحو 5 آلاف نازح جديد، وهو ما فاقم الأوضاع الإنسانية فيه

يعاني مخيم الركبان، الواقع في المنطقة الحدودية بين سورية والأردن، أساساً من شح في متطلبات الحياة الأساسية كموارد الطاقة والمياه والمأوى. هذا الوضع يتدهور أكثر مع استقباله المزيد من النازحين، إذ بلغ عددهم، في سبتمبر/أيلول الجاري وحده، نحو 5 آلاف نازح.

جاء هؤلاء من مخيم الحدلات، المقام عشوائياً قبل ثلاث سنوات، من خلال تجمعات النازحين الذين كانوا ينوون عبور الحدود إلى الأراضي الأردنية، ويُعرف أيضاً بمخيم الرويشد، لوقوعه شمال منطقة الرويشد، شرق محافظة السويداء. فمع بداية الشهر الجاري واقتراب المعارك بين فصائل معارضة وقوات النظام من المخيم، بدأت حركة نزوح منه إلى مخيم الركبان الذي يبعد عنه نحو 80 كيلومتراً، انتهت بعمليات إخلاء كاملة، برعاية الفصائل المسيطرة على المنطقة.

يقول جمعة إبراهيم (36 عاماً)، وهو نازح من مخيم الحدلات إلى الركبان: "ليس هناك ما يؤسف عليه في ذلك المخيم. بعدما خسرنا بيتنا وحارتنا في تدمر، لم يعد هناك ما يستدعي الأسف عليه. آخر الشهر الماضي سقطت قذيفة بالقرب من المخيم، وسمعنا إشاعات أنّ الطرفين يسعيان إلى إخراجنا من المخيم، وهو ما حدث. لم يكن لدينا خيار إلاّ مخيم الركبان، فمعظم الناس لديهم معارف هنا، ومعظمنا لا يمكنه الدخول إلى مناطق النظام، فكثيرة هي العائلات التي منها مقاتلون معارضون، وقد يعتقل أيّ واحد من هؤلاء وإن لم يحمل السلاح يوماً. كنا خائفين من قصف المخيم في أيّ لحظة ولم تكن هناك سيارات لتنقلنا. وصلت شاحنات وسيارات من الركبان، فاستأجرنا إحداها بسعر كبير جداً، وتشاركنا السيارة مع 6 عائلات أخرى حتى وصلنا".

يضيف: "لم نفاجأ كثيراً بالوضع هنا، فلم يكن مخيمنا أفضل حالاً، لكن لم نجد مكاناً نبيت فيه بسهولة، فمساحة معظم الخيام هنا متران في ثلاثة أمتار، ولا تتسع لأكثر من خمسة أشخاص. بعد وصولنا بساعات هبّت عاصفة رملية قوية، وصار الناس يبحثون عن أي مأوى ممكن. حاول النازحون أخذ بضع خيام تستعمل كمدرسة للمخيم واختلفوا مع القائمين عليها، وأنشأ البعض خياماً للرجال وأخرى للنساء لاستيعاب أكبر قدر ممكن، ريثما يتدبر الناس أمرهم".

يسكن في مخيم الركبان اليوم نحو 50 ألف نازح سوري، ويعد واحداً من أكبر مخيمات الداخل السوري، حيث إنه يمتد على طول 7 كيلومترات من المنطقة المحرمة المنزوعة السلاح بين البلدين، كما أنّه واحد من أسوأ مخيمات الداخل من ناحية الظروف المعيشية. تنبع معظم المشاكل التي يعانيها المخيم من كونه يقع في بيئة صحراوية قاسية لم تكن مأهولة سابقاً، وليس فيها أي نوع من الخدمات، وكذلك من صعوبة وصول الإمدادات إليه، سواء من الجانب الأردني أو من الداخل السوري.

تكثر المشاكل الصحية في هذا المخيم، خصوصاً بين الأطفال وكبار السن، وتتعلق خصوصاً بانعدام الرعاية الصحية وانتشار المياه الملوثة والحشرات والعقارب، بالإضافة إلى العواقب الصحية للعواصف الرملية والبرد الشديد في فصل الشتاء، بالإضافة إلى الفروقات الحرارية الكبيرة بين النهار والليل.

يصف شكري الشهاب، وهو ممرض يعيش في المخيم، أنّ الركبان "ليس أكثر من أرض غير مؤهلة للحياة البشرية، وينتشر فيها فقر وجوع ومرض وموت". تقتصر الخدمات الطبية داخل المخيم على مركز أنشأه الشهاب مع زوجته وهي قابلة قانونية ضمن الإمكانيات المتوفرة، وهو عبارة عن عدة غرف طينية، لا تحتوي حتى على أسرّة، مع العلم أن لا أطباء في المخيم. يقول شكري: "تعمل في المركز معنا أربع فتيات متدربات في التمريض من أهل المخيم، ويراجعنا شهرياً نحو2500 سيدة و800 طفل و500 رجل. ونجري ما معدله 120 حالة ولادة شهرياً".

بسبب افتقارهم للكوادر الطبية والمعدات، يواجه المشرفون على المركز الكثير من المصاعب في علاج المرضى: "مرّ على مركزنا كثير من الحالات الخطرة، أهمها الولادات القيصرية. وفي إحدى المرات، شهد المركز ولادة 25 امرأة خلال يومين فقط. وتكثر حالات الإجهاض في المخيم، وقد وصلت إلى 700 حالة حتى الآن. الحالات الحرجة نحولها إلى الأردن، وقد جرى إدخال 400 حالة ولادة قيصرية إلى الأردن من خلال مركزنا. ما زلنا نعاني من عدم وجود غرفة عمليات للحالات القيصرية والعمليات الجراحية ومن عدم توفر حاضنة للأطفال الخدج، وقد توفي بسبب ذلك أطفال كثر، بالإضافة إلى عدم وجود تحاليل مخبرية وتصوير أشعة، كما لدينا نقص في الأدوية التخصصية".

توفير المياه الصالحة للشرب مشكلة أساسية هناك وتمتد منذ إنشاء المخيم، ويعتبر خط المياه الواصل من الأراضي الأردنية المصدر الوحيد لها، لكن لا تُضخ المياه فيه بكميات كافية لجميع سكان المخيم، كما يشهد انقطاعات كثيرة قد تمتد أياماً طويلة، وهو ما يجبر السكان على اللجوء إلى مصادر مياه غير مأمونة لتدبر احتياجاتهم من مياه الشرب والتنظيف. أخطر المصادر هي مياه الخبرات، أي المياه المتجمعة من مياه الأمطار في منطقة الحماد والمليئة بالملوثات العضوية التي تتسبب بالأمراض لمعظم سكان المخيم، خصوصاً الأطفال.

يقول عبد الحليم (40 عاماً): "حين يقطعون المياه عنا يذبحنا العطش. الشمس حارقة في الظهيرة والهواء مغبرّ طوال الوقت. لا أحد يقدر على شراء المياه إذ يبيعون الغالون الواحد بـ1500 ليرة، ولا يكفي لأكثر من يوم واحد، لولا الـ10 آلاف ليرة التي تصلني من أحد أقاربي في الخارج لمتنا من الجوع. وإذا كنت سأدفعها للماء لن نأكل شيئاً، فالمساعدات لا تكاد تصل، لذلك نضطر أحياناً إلى تعبئة مياه الخبرات".

تضاربت الأنباء مؤخراً حول نية الحكومة الأردنية إغلاق المخيم بالتفاهم مع المجتمع الدولي، فقد رجح عاملون في المجال الإغاثي ذلك التوجه، فيما نفت الحكومة الأردنية من خلال إحدى صحفها الرسمية مسؤوليتها عن قرار الإخلاء، قائلة إنّ "قرار إقامة مخيم الركبان لم يكن أردنياً، وبالتالي فإنّ قرار إزالته ليس أردنياً". وبين هذا وذاك، لا يعرف النازحون في هذا المخيم المصير الذي ينتظرهم في الفترة المقبلة.

المساهمون