مخاوف في الشارع من مخطط الفوضى

مخاوف في الشارع من مخطط الفوضى

26 يناير 2019
يدفع الغزيون ثمن الانقسام (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -
تصاعدت، في الآونة الأخيرة، نبرة الخلاف والشقاق بين حركتي فتح وحماس، حتى بدتا في أبعد نقطة عن بعضهما منذ وقوع الانقسام في منتصف 2007. ولم يكن الشارع الفلسطيني، والغزي على وجه الخصوص، يتوقع أن تصل الأمور بين الحركتين إلى هذا الوضع، بعد أن احتفل مبتهجًا بإعلانهما اتفاق المصالحة برعاية مصرية، في أكتوبر 2017، واستقبل بحفاوة كبرى وفد حكومة الوفاق ورئيس وزرائها رامي الحمد الله الذي زار قطاع غزة بُعيد توقيع الاتفاق، لكن وتحت مبررات معضلة تمكين الحكومة وتسليم القطاع "من الباب إلى المحراب، وفوق الأرض وتحت الأرض" لم يترجم الاتفاق عمليًا على أرض الواقع، ولم تر بنوده النور، وبقي الانقسام الفلسطيني هو الواقع الوحيد المفروض على الحالة الفلسطينية.
قرار الرئيس محمود عباس، نهاية ديسمبر الماضي، والقاضي بحل المجلس التشريعي ودعوته إلى إجراء انتخابات تشريعية في فلسطين خلال ستة أشهر، من دون مشاورة الأحزاب الفلسطينية أو التوافق على ذلك مع حركة حماس، زاد من وتيرة التصعيد بين الحركتين، ودفع حماس التي رفضت القرار إلى عقد جلسة برلمانية في المجلس التشريعي بغزة، نزعت فيها الأهلية السياسية عن الرئيس عباس.
التراشق الإعلامي وموجة التجاذب بين حركتي فتح وحماس أثارا مخاوف الشارع الفلسطيني، وأعادا إلى ذاكرته مشاهد الاقتتال الداخلي وخشيته من الانزلاق إلى ذات المربع بعد هذه السنوات من الانقسام، بدلًا من التئام شطري الوطن واستعادة الوحدة الوطنية، خصوصًا أن إجراءات السلطة العقابية على قطاع غزة هدفها الأساسي تقويض سلطة حماس وإنهاء سيطرتها على قطاع غزة، من خلال تحريض الغزيين عليها وتحريكهم للانفجار في وجهها.
عزام الأحمد، عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لفتح، صرح قائلًا: "إن حركة حماس تختطف غزة، ويجب اتخاذ المزيد من الخطوات العملية لتقويض سلطتها الانقسامية هناك، وإعادة غزة إلى حضن الوطن، مهما كلف الثمن"، وإلى أبعد من ذلك، ذهب محمود الهباش، مستشار عباس، بقوله في خطبة جمعة "إن إنهاء حكم كيان حماس فريضة شرعية وضرورة وطنية، أُصر على هذا وأقولها صباح مساء". وكشف الإعلامي المصري عمرو أديب "أن الرئيس عباس يتوعد قطاع غزة بفوضى عارمة يوم 7/1/2019"، مضيفا "أن السلطة أعدت خطة كاملة لإثارة الفوضى من خلال استغلال انطلاقة حركة فتح، ودعوة الجماهير الغزية إلى الخروج للشارع في هذا اليوم"، وقد رفضت الأجهزة الأمنية في غزة السماح لحركة فتح بإقامة مهرجان انطلاقتها، وذلك لعدم تقدم فتح بطلب إقامة المهرجان إلى وزارة الداخلية في غزة. وقال الناطق باسم حركة فتح في القطاع، عاطف أبو سيف، إن أجهزة حماس الأمنية اعتقلت أكثر من 500 من قادة فتح وأبنائها، لإصرارهم على إقامة مهرجان إحياء ذكرى تأسيس الحركة، مشيرًا إلى "أنهم تعرّضوا لمعاملة سيئة وتعذيب، كما صودرت المواد الإعلامية والدعائية الخاصة بالانطلاقة".
الرئيس عباس صعّد الموقف مؤخرًا بقطع جديد لرواتب عشرات من موظفي السلطة الوطنية وأسرى محررين في غزة، تبع ذلك قيام ملثمين بالاعتداء على مقر تلفزيون فلسطين في غزة وتحطيم وإتلاف معداته، لتعلن حركة فتح أنها قررت إغلاق كافة مكاتبها ومقار عملها في القطاع خشية الاعتداء عليها، وأعقبه سحب السلطة الفلسطينية موظفيها العاملين في معبر رفح بين قطاع غزة ومصر، وأرجعت السلطة ذلك لما قالت إنها "ممارسات حماس غير المقبولة وتدخّلها المستمر في عمل المعبر ومضايقاتها للعاملين فيه". فوزي برهوم، المتحدث باسم حركة حماس، علق على القرار بأنه "يأتي في سياق العقوبات التي يفرضها عباس على القطاع، واستكمالًا لخطواته المتدرجة لفصل غزة عن الوطن، تنفيذًا لبنود صفقة القرن، وتماشيًا مع المخططات الأميركية والإسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية".
السلطة الفلسطينية كانت قد لوّحت بإعلان قطاع غزة إقليمًا متمردًا، ما يخولها إغلاق المعابر والبنوك ووقف جوازات السفر ومنع التواصل مع العالم الخارجي، وبموجب القانون الدولي تصبح السلطة في حال تم الإعلان غير مسؤولة عن القطاع، ويعتبر خارج سيادتها ولن تمارس أي مهام فيه.
إجراءات السلطة الفلسطينية العقابية ضد قطاع غزة بدأت في مارس/آذار 2017 على إثر تشكيل حماس لجنة لإدارة شؤون القطاع بعد تخلّي حكومة الوفاق عن مهامها وواجباتها تجاهه، وشملت العديد من النواحي الهامة والتي تمس حياة المواطن الغزي بشكل مباشر وتتعلق بالاحتياجات الإنسانية والحياتية فيه، من ذلك رفض إمداده باحتياجه من الكهرباء ورفض مشاريع توليد الطاقة كانت قد تقدمت بها دولة قطر وجهات أخرى، والامتناع عن تزويد مستشفيات القطاع بما تحتاجه من أدوية ومعدات وتجهيزات طبية، ووقف صرف الموازنات التشغيلية للوزارات في غزة، وتقليص رواتب موظفي السلطة في القطاع لتنخفض نسبة الصرف إلى 50% في كثير من الحالات، وإحالة الكثير منهم إلى التقاعد الإجباري المبكر وقطع رواتب عدد آخر، مما حرم قطاع غزة من مورد مالي مهم وكبير أثر بشكل مباشر على خزينة حماس والتحصيل والجباية وأدخلها في أزمة مالية خانقة، وذلك على أمل من فتح زعزعة أركان الحكم الحمساوي، ودفع الناس إلى الثورة عليها، مع إطلاق وعود كثيرة بتحويل غزة إلى سنغافورة بعد أن تتخلص من حماس.
وجدت حماس في مسيرات العودة وكسر الحصار فرصة كبيرة لتفريغ سخط الشارع الغزي والتنفيس عما يجول في صدره نتيجة للحصار والعقوبات الفتحاوية في وجه الاحتلال الإسرائيلي، بدلًا من أن يشتد الأمر ويتطور فينفجر في وجهها، وقد أحسنت في استغلال ذلك وقادته لصالحها من الناحية آنفة الذكر، ومن ناحية الضغط على الاحتلال الإسرائيلي الذي وجد نفسه مضطرًا إلى السماح بتخفيف الحصار وإدخال أموال المنحة القطرية إلى قطاع غزة، وكانت فتح الخاسر الأكبر من اتفاق التهدئة بين غزة وإسرائيل وفشلت جهودها وتحريضها ضد حماس ولم تفلح في قلب الطاولة على رأسها كما كانت تتمنى.
تصاعد حدة الاحتقان بين حركتي حماس وفتح يفرض احتمالات خطيرة توقعها مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) هاني المصري "قد تصل إلى اشتباكات وقتلى وجرحى، ويمكن أن تتطور الأمور إلى نزاع مسلح وتفجيرات متبادلة في الضفة وغزة في المستقبل إذا ما استمرت حالة الاحتقان وتواصل التحريض المتبادل" على حد قوله. فيما حذّر عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، طلال أبو ظريفة، من انزلاق الأوضاع الداخلية نحو الانفجار، قائلًا: "هذه الحالة إذا ما تصاعدت ستشكل تهديدًا حقيقيًا للسلم الأهلي، وتلحق المزيد من الأذى بالمشروع الوطني الفلسطيني"، مشددًا على ضرورة تحقيق المصالحة الداخلية في أسرع وقت. وفي ذات السياق، حذّر عضو المكتب السياسي لحركة المجاهدين، مؤمن عزيز، من "افتعال أي من حالات الإرباك والفوضى في ساحة غزة بما يخدم مصالح الاحتلال"، وقد نوه القيادي في الجبهة الشعبية، كايد الغول، إلى أن "حالة الغليان الموجودة في الشارع الفلسطيني في هذه الأثناء غير مطمئنة، وإذا استمرت ربما يتدهور الوضع إلى مزيد من الانفلات"، وقد أدانت حركة الجهاد الإسلامي اجراءات السلطة الأخيرة، قائلة في بيان لها "إن السلطة تزج بحاجات أهلنا في قطاع غزة في خلافاتها من أجل فرض رؤيتها السياسية على الشعب الفلسطيني".
الفصائل الفلسطينية سارعت إلى محاولة سحب فتيل الفتنة وتواصلت مع الأطراف المعنية خشية أن يصل الأمر إلى ما لا يحمد عقباه، وخرجت الجبهتان الشعبية والديمقراطية وحركة الجهاد الإسلامي بمبادرة لاحتواء الأزمة بين حركتي فتح وحماس، بهدف الحفاظ على السلم الأهلي ومنع أي انزلاقات قد تفضي إلى نشوب صدام داخل الساحة الفلسطينية يؤدي إلى العودة إلى دوامات العنف مرة أخرى، وشملت المبادرة مقترحات وقف التراشق الإعلامي بين الطرفين، والإفراج عن جميع المعتقلين ووقف الاستدعاءات.
على ما يبدو أن هناك محاولات جادة تسعى عن إرادة وقصد إلى إعادة قطاع غزة إلى المربع الأول، وتحرّض على الاقتتال الداخلي بين أبنائه ومكوناته، والشارع الغزي ليس بعيدًا عن الاقتتال والمناوشة الدامية، وهو مهيأ لذلك، والفرصة فيه مواتية نتيجة لما يعانيه من ضغوطات وأزمات. ويتوجب على فصائل العمل الوطني والمؤسسات المدنية والوجهاء والأعيان أن يبذلوا كل جهد ممكن من أجل ترسيخ التوافق الاجتماعي والسلم المجتمعي في قطاع غزة، وترسيخ أواسط الإخوة والمحبة بين أهله، والعمل على تفويت أي فرصة للإيقاع بينهم في شباك الاقتتال الداخلي.