مخاوف أوروبية من تدخل روسي في بيلاروسيا لحماية لوكاشينكو

مخاوف أوروبية من تدخل روسي في بيلاروسيا لحماية لوكاشينكو

18 اغسطس 2020
استعراض القوة العسكرية في بيلاروسيا يقلق الغرب (تاس)
+ الخط -

تعقيدات كثيرة يواجهها الأوروبيون والروس في الحالة البيلاروسية، وخصوصاً مع إصرار الرئيس ألكسندر لوكاشينكو على الاحتفاظ بالسلطة ورفضه المطلق إعادة الانتخابات، فالاتحاد الأوروبي عازم، على ما يبدو، على فرض عقوبات على مينسك، وخصوصاً بسبب قمع المتظاهرين السلميين واتهامات المعارضة بـ"تزوير الانتخابات الرئاسية" التي أجريت الأحد قبل الماضي، حيث أُعلن عن فوز لوكاشينكو بـ80 بالمائة من الأصوات.

ويشهد الاتحاد الأوروبي اجتماع قمة عاجلا يوم غد الأربعاء، عبر الفيديو كونفرانس، على خلفية المشهد المعقد، وفقاً لرئيس الاتحاد، شارل ميشيل، الذي أكد الثلاثاء أن الاجتماع سينعقد على خلفية تصاعد الاحتجاجات الشعبية في بيلاروسيا ضد إعادة انتخاب ألكسندر لوكاشينكو.

وتحدث ميشيل عن تحركات الشارع البيلاروسي بطريقة أوروبية تختلف تماماً عن طريقة حديث الرئيس المتحدي لتحرك الشارع "فالشعب في بيلاروسيا (روسيا البيضاء) له الحق في تقرير مصيره بنفسه واختيار قادته بحرية، والعنف ضد المتظاهرين غير مقبول ولا يمكن السماح به".

 لغة رئيس الاتحاد، شارل ميشيل، الذي يرأس الاجتماع المقرر ظهر الغد جاءت قوية على خلفية موقف ألماني، ومواقف أوروبية، بتوسيع العقوبات على قادة مينسك، تحت ضغط التغطية الإعلامية الواسعة في غرب وشمال القارة.

وتتخوف برلين من تدخل روسي لحماية لوكاشينكو، كما فعلت سابقاً في أوكرانيا، وهو ما حذر منه نائب المستشارة، الاجتماعي الديمقراطي، أولاف شولتز، الذي وصف لوكاشينكو بـ"الدكتاتور الرهيب" على ما نقلت عنه "بيلد" الألمانية.

تتخوف برلين من تدخل روسي لحماية لوكاشينكو، كما فعلت سابقاً في أوكرانيا، وهو ما حذر منه نائب المستشارة، الاجتماعي الديمقراطي، أولاف شولتز، الذي وصف لوكاشينكو بـ"الدكتاتور الرهيب"

 

 الموقف البريطاني لم يكن بعيدا عن لغة موقف ألمانيا ودول الشمال الإسكندينافي في تحذير من "العنف ضد المحتجين"، وإبراز بعضها خوفا من سباق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للتدخل حماية لـ"لوكاشينكو ولإبقائه في السلطة". وكان الأخير هدد في خطاب له بأنه "لن تكون هناك انتخابات أخرى إلا إذا قتلتموني"، ما يعني تمسكه بنتائج الانتخابات وكرسي الحكم الذي يجلس عليه منذ 1994.

فاستعراض القوة العسكرية البيلاروسية أمر يقلق الغرب ودول الشمال، وقد دفع لوكاشينكو بتدريبات عند حدود ليتوانيا العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث فرت إليها زعيمة المعارضة المنافسة لـ ليكاشينكو، سفيتلانا تيخانوفسكايا، وأطلقت منها دعوات للإفراج عن المعتقلين السياسيين والمحتجين وإجراء انتخابات جديدة خلال شهر.

واختيار لوكاشينكو لمصنع صناعات عسكرية، خارج العاصمة مينسك، لإظهار تمسكه بالسلطة، لا يراه الخبير السياسي والاقتصادي البيلاروسي ياروسلاف رومانتيغو سوى "نهاية للرئيس لوكاشينكو"، وفقا لما نقلت عنه "بيرلنغكسا" الدنماركية اليوم الثلاثاء، فرغم اتساع المعارضة العمالية، ودخول بعضهم في إضرابات تتوسع في أنحاء البلد، يصر لوكاشينكو على أن عمال بلاده يدعمونه.

وفي عام 1994، كانت نظرة البيلاروسيين تختلف عن نظرتهم لرئيسهم اليوم، ففي ذلك الوقت نظروا إليه كأمل في نقل بلادهم من حقبة الشيوعية إلى دولة أوروبية متقدمة ديمقراطية، وبعد 26 سنة يخرج الشباب لمواجهة تسلطه وإصراره على التمسك بالسلطة، فيما تسود اتهامات العمالة للخارج في وسائل الإعلام المؤيدة للحكم في مواجهة التحرك الشعبي، فحتى في معمل الصناعات العسكرية MZKT بدأ العمال أثناء خطاب لوكاشينكو يهتفون "ارحل ارحل".

الخبير البيلاروسي، ياروسلاف رومانتيغو، يرى أنه "إما أن لوكاشينكو لم يفهم مدى انتشار المعارضة ضده،أو أنه حقا سيواصل التمسك بالقوة حتى الموت"، فتوسع المعارضة يراه خبراء أوروبيون مؤشراً على أن الوقت بدأ ينفد من لوكاشينكو، وأظهرت شاشة التلفاز الرسمي بلا مذيعين الواقع الذي وصل إليه الوضع المعارض بعد خطابه المستفز في المصنع العسكري.

هل يتدخل بوتين؟

وينظر بعض المراقبين والخبراء في الشأن البيلاروسي والأوروبي إلى الوضع باعتباره "يمر في أوقات حاسمة، قد تمتد لأسابيع قليلة"، وهو ما أكده أيضاً رومانتيغو، وهؤلاء الأوروبيون، بمن فيهم قادة وبرلمانيون، ينظرون بقلق إلى ما ستكون عليه ردود فعل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولم يأت من فراغ تسارع وتيرة الاجتماعات والمشاورات الأوروبية حول بيلاروسيا خلال الأيام الماضية، فعلاقة لوكاشينكو بالكرملين تُعتبر مهمة لروسيا، وخصوصاً وقوع روسيا البيضاء بين أربع من دول الناتو (حلف شمالي الأطلسي) وعلى حدود أوكرانيا.

وتشكل بيلاروسيا في الإستراتيجية الروسية في البلطيق وإسكندنافيا حجر زاوية مهما ومعبراً برياً وجوياً نحو الجيب الروسي، كالينينغراد. هذا إلى جانب الارتباط الثقافي والاقتصادي بين البلدين، حتى أنه جرت خلال سنوات حكم ألكسندر لوكاشينكو مفاوضات جدية مع بوتين لـ"اتحاد" بين الدولتين.

ونهاية الأسبوع الماضي، بعد أسبوع من الاحتجاجات كان بوتين يتحدث للمرة الثانية مع لوكاشينكو، وأُعلن في الكرملين عن استعداد روسيا لمساعدة بيلاروسيا "إذا اقتضت الضرورة ذلك".

وبالنظر إلى تاريخ التدخلات في زمن روسيا بوتين، من أوكرانيا  إلى سورية وليبيا، يأخذ الأوروبيون على محمل الجد التحركات العسكرية المرصودة على حدود البلطيق، ورغم أن الوضع يختلف عما كان عليه في 2014 في أوكرانيا، حيث كان سؤال العلاقة بالاتحاد الأوروبي هو الحاسم، فإن تحركات الشارع البيلاروسي تركز على الانتهاء من حكم الرجل، الذي حكم 26 سنة ويريد الاستمرار لفترات غير محددة، بعد تعديل دستوري مرره بنفسه في برلمان البلد.

 وكان الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية البيلاروسي، فاديم موجيكو، صرح لـ"ذا غارديان" البريطانية بأن "روسيا ليست معنية بالاحتجاجات"، بيد أن ذهاب لوكاشينكو إلى ادعاءات غير موثقة، وفقاً لموقع "دويتشه فيليه"، عن أن "الناتو يحشد قوات على حدود أوكرانيا" وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعد بالتدخل تثير مخاوف الأوروبيين.

ومن بين السيناريوهات التي يجري تتبعها في شمال أوروبا والبلطيق أن بوتين لن يخاطر بتقديم دعم عسكري لـ لوكاشينكو، بل ذلك ما ذهب إليه مستشار سابق في الكرملين، غليب بافلوفسكي، الذي يظن أن مثل هذا الدعم سيثير المشاعر ضد روسيا في البلد.

من بين السيناريوهات التي يجري تتبعها في شمال أوروبا والبلطيق أن بوتين لن يخاطر بتقديم دعم عسكري لـ لوكاشينكو

وبدل ذلك، يُثار سيناريو لا يحرج الكرملين، بإعطاء ضوء أخضر للقوات الأمنية في مينسك من موسكو لإقالة لوكاشينكو، وهو ما أكده مواربة غليب بافلوفسكي لوكالة "بلومبيرغ" يوم 15 الشهر الحالي.

ويبدو أن تصريحات زعيمة المعارضة من منفاها الليتواني، سفيتلانا تيخانوفسكايا، عن "مواصلة الحفاظ على العلاقة الروسية والأوروبية بنفس الوقت"، مؤشر لتخفيف مخاوف الكرملين، بيد أن ما يقلق الكرملين هو هروب زعيمة المعارضة مع أطفالها إلى دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وليس إلى روسيا.

وعادت تيخانوفسكايا، يوم أمس الاثنين، للتأكيد على أنها مستعدة لقيادة مرحلة انتقالية تقود بيلاروسيا نحو انتخابات جديدة وأن بلادها "ستحافظ على استقلاليتها"، ما اعتبره المراقبون مرة أخرى محاولة تهدئة مخاوف بوتين.

وبالرغم من ذلك، يُثار أيضاً سيناريو أرمينيا من 2018، حيث يعتبر الأفضل لبوتين، بمراقبة الاحتجاجات والعمل من الكواليس بمنح ضوء أخضر للمعارضة للوصول إلى السلطة وإزاحة رئيس الوزراء سيرج سركيسيان، بعد ضمانات من المعارضة بعدم التوجه بالبلد غرباً.

ورغم ذلك، يبقى الكرملين متوجساً من تيخانوفسكايا، وهو على الأقل ما نقلته "الغارديان" البريطانية عن محلل السياسات الخارجية الروسية، فيودور لوكانوف، الذي ذكر أيضاً أنه "لا يوجد بدائل عنها (تيخانوفسكايا) كما يظهر حالياً".

وربما أن تسارع التحركات الأوروبية مع سرعة مناقشة السيناريوهات التي يدرسها الكرملين يشير إلى اقتراب نهاية لوكاشينكو بشكل حقيقي بعد أن أصبح صداعاً روسيا، وإن كان بتسوية إقالة الرجل وانتقاله إلى الأصدقاء في موسكو، بدل دخول البلد في فوضى عارمة.​