مخاطر دعم الخبز نقداً في مصر

مخاطر دعم الخبز نقداً في مصر

29 أكتوبر 2018
الدعم العيني يسمح للمواطن بـ5 أرغفة يومياً (فرانس برس)
+ الخط -

تستهدف الحكومة المصرية تحويل دعم الخبز التمويني من نظام الدعم العيني إلى النقدي، وتدعي أنها لا تهدف إلى خفض الدعم أو تغيير سعر رغيف الخبز، وإنما تسعى لإيصال الدعم لمستحقيه، وفق تصريحات وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي.

تصريح الوزير يعكس عزم الحكومة تخفيض فاتورة الدعم من خلال تقليص أعداد المستفيدين من دعم السلع التموينية والانسحاب التدريجي من الدعم السلعي إلى الدعم النقدي وشبه النقدي، وفق ما ورد في البيان المالي لمشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2018 /2019.

نظام الدعم العيني الحالي يسمح للمواطن بالحصول على خمسة أرغفة في اليوم مقابل خمسة قروش للرغيف الواحد، وتدعم الدولة كل رغيف بـ50 قرشاً، بمعدل 75 جنيها شهريا تذهب إلى صاحب المخبز الذي يدفع تكاليف إنتاج الخبز كاملة. (الدولار= 17.922 جنيهاً)

لكن في نظام الدعم النقدي المقترح سوف تدفع الحكومة قيمة دعم الخبز، وهو 75 جنيهاً، للمواطن في بداية كل شهر، وبذلك تلتزم الدولة بدفع قيمة مقطوعة بدل دعم الخبز، ولا تلتزم بتوفير سلعة الخبز المدعم.

مزايا الدعم النقدي

أولًا: وصول الدعم لمستحقيه من محدودي ومعدومي الدخل ومنع تسريبه للقادرين، وهو الشرط الذي تتذرع به الحكومة لتحويل الدعم من العيني أو السلعي إلى النقدي، أو من دعم السلعة إلى دعم المواطن، وهو بالفعل ميزة لا تتوفر في الدعم العيني، حيث تجد السلعة المدعومة طريقها للمستحقين وغير المستحقين، أو القادرين، الذين يتمسكون بالبطاقة التموينية، بينما كثير من الأسر الفقيرة وحديثي الزواج محرومون وأطفالهم من الحصول على بطاقات تموينية منذ عام 2005.

كذلك دعم المنتجات البترولية، تجده في متناول المواطن الذي يمتلك السيارة الشعبية المتواضعة والمواطن صاحب السيارة الفارهة ذات المحركات عالية السعة، وتجد المواطن الأخير أكثر استهلاكًا للوقود المدعوم من صاحب السيارة الشعبية. وتجد كثير من الفقراء محرومين من دعم المنتجات البترولية، بالرغم من زيادة قيمته في الموازنة العامة عن دعم السلع التموينية، لأنهم لا يملكون سيارة من الأساس.

والأمر كذلك في حالة الدعم الموجه للكهرباء ومياه الشرب وغاز البوتاغاز، تجد الأغنياء الذين يسكنون البيوت الواسعة والمكيفة هم الفئة الأكثر استهلاكًا للكهرباء والمياه المدعومة، وبالتالي هم الأكثر استفادة من مبلغ الدعم بالمقارنة بالمواطن الفقير الذي يعيش في بيت صغير من غرفة أو غرفتين وغير مكيف.

ثانيًا: انخفاض تكلفة توصيل الدعم النقدي، من خلال التحويلات البنكية المباشرة في حساب البطاقة الذكية للمواطن، حيث يتكلف توصيل الدعم العيني إلى 30% تقريبًا من قيمة الدعم، تذهب في صورة رواتب لموظفي الرقابة على توزيع الخبز والسلع التموينية التابعين لوزارات التموين والداخلية والعدل، وتشمل تسرب كميات من الخبز والسلع التموينية لدى الوسطاء من أصحاب المخابز والبدالين التموينيين، ويعمل توفير هذه المصاريف على زيادة الدعم النقدي للمواطن.

محاذير النقدي

أولًا: ارتفاع أسعار الخبز، ولا سيما أن اكتفاء الدولة بدفع مقابل نقدي للخبز وتخليها عن دورها في استيراد القمح من خلال هيئة السلع التموينية، وعدم مراقبة طحنه من خلال مطاحن القطاع العام، والتوقف عن توزيعه على أكثر من 22 ألفا من المخابز المنتشرة على مستوى الجمهورية، وإلغاء الدعم مقابل السولار والمياه وبدل العمالة اليدوية للمخابز سوف يؤدي إلى ارتفاع سعر الخبز وانخفاض وزنه حتى يماثل سعر ووزن الخبز الحر، والذي يصل إلى جنيه للرغيف الواحد، مقابل 55 قرشا للرغيف في منظومة الدعم العيني المستمرة حتى الآن.

وفي ظل اتجاه الدولة لرفع أسعار الوقود، فمن المتوقع أن تزيد أسعار الخبز مع زيادة أسعار السولار المستخدم في نقل القمح والدقيق وتشغيل المخابز، ولا سيما أن تكلفة نقل القمح من الموانئ إلى المحافظات، وكذلك الدقيق من المطاحن إلى مستودعات التموين تصل إلى 20% من سعر الدقيق.

ثانيًا: تآكل القيمة النقدية للدعم، في ظل تراجع القدرة الشرائية للجنيه إلى النصف، وزيادة معدلات التضخم، ومع تخلي الحكومة عن دعم مزارعي القمح المحلي، المادة الأساسية المستخدمة في صناعة الخبز، والاعتماد على الخارج في تأمين 75% من القمح بالدولار، ومع احتكار خمس شركات لواردات القمح، ينتظر أن يرفع الدعم النقدي أسعار الخبز إلى مستويات تاريخية، ويعجز المبلغ المخصص لدعم الخبز عن شراء الكمية الضرورية للمواطن ما يرهق ميزانيته ويزيد معاناته اليومية.

ثالثًا: اندلاع أزمات الخبز والاختفاء من المخابز، وعودة حوادث قتلى طوابير الخبز التي انتشرت قبل ثورة يناير، مثل أزمات السلع التموينية، السكر والأرز وزيت الطعام.

فعندما غير السيسي دعم السلع التموينية من الدعم العيني إلى الدعم شبه النقدي كخطوة لتفكيك منظومة الدعم العيني الراسخة تاريخيا، ارتفعت أسعار السكر من 1.25 للكيلوغرام قبل يوليو/تموز 2013، إلى 25 جنيه للكيلوغرام ثم اختفى تمامًا من الأسواق، واقتحمت مباحث التموين مصانع الحلويات وصادرت عبوات السكر، وألقت القبض على عامل في قهوة يحمل 10 كيلوغرامات من السكر، وأفرجت عنه النيابة بكفالة ألف جنيه.

وكذلك ارتفعت أسعار الأرز من 1.5 جنيه للكيلوغرام قبل يوليو/تموز 2013 إلى 10 جنيهات ثم اختفى من بقالات التموين تمامًا، ومنذ 2015 والدولة تعجز عن توفيره في منظومة السلع التموينية. وكذلك ارتفعت أسعار الزيت من 3 جنيهات للكيلوغرام إلى 20 جنيها، وهو ما يتوقع حدوثه في حالة الخبز.

السيسي والخبز

بعد أيام من انقلاب الثالث من يوليو 2013، خفض النظام دعم رغيف الخبز بنسبة 31% بطريقة ملتوية عن طريق تخفيض وزن الرغيف من 130 غراما إلى 90 غراما.

وفي العام 2014، خفض النظام حصة المواطن من الخبز بخمسة أرغفة، ثم ابتكر نقاط الخبز لإغراء المواطن بالاستغناء عن جزء من حصته في الخبز مقابل 10 قروش لكل رغيف، وليس 50 قرشا هي تكلفة الرغيف، وأتوقع أن يخفض السيسي حصة الخمسة أرغفة بحجة أنها تزيد عن حاجة المواطن بدليل استغنائه عن جزء منها مقابل نقاط الخبز.

وفي مارس/آذار 2017، خفضت الحكومة حصة الكارت الذهبي المخصص للمخابز والذي يمكن من صرف الخبز لغير حاملي بطاقات التموين الإلكترونية إلى 500 رغيف يومياً بدلاً من 4500. وتسبب القرار في خروج المواطنين المتضررين للشوارع وإغلاق الطرق حول المخابز واحتلال مكاتب التموين، ما دفع الحكومة إلى التراجع عن القرار.

خط أحمر
قد يكون من المفيد في الحالة المصرية تحويل دعم الوقود والكهرباء ومياه الشرب إلى العيني، ولكن في حالة الخبز والسلع التموينية فلن يكون من الصواب تحويل الدعم العيني إلى نقدي، مع ما يمثله الخبز من أهمية للفقراء الذين يطلقون عليه العيش بمعنى الحياة.

وقد شهد البنك الدولي على أن دعم الغذاء، وخاصة الخبز، قد مكن 9% من المصريين من الصمود فوق خط الفقر خلال أزمة الغذاء العالمية في 2008، وقال إنه بدون دعم الغذاء، خاصة الخبز البلدي، كانت نسبة الفقر في مصر سترتفع إلى 30%، مقابل 20% قبل الأزمة، وهي النسبة التي تخطت الـ40% في عهد السيسي.

وما يزال الخبز خط أحمر لدى المصريين، وما زال المساس به يفجر الثورات، فأشعل ثورة عرفت بانتفاضة الخبز في يناير 1977عندما رفعت الحكومة سعره نصف قرش فقط. وكان العيش، وهو الخبز أيضًا، أول مطالب ثورة يناير 2011. وبالرغم من القبضة الأمنية للسيسي فقد أشعل الخبز ثورة في مارس 2017 عندما مست الحكومة كميته.

ويظل الدعم، مع ما يشوبه من قصور، هو الوسيلة الفعالة لعلاج سياسات الحكومة الخاطئة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة في توزيع الثروة، وإنصاف سكان الريف المحرومين من الخدمات، والتخفيف من آثار البطالة، وبسط الاستقرار الأسري، وتعزيز الأمان والسلم الاجتماعي، والسلامة والصحة النفسية لأفراد المجتمع، وتقليل تكاليف علاج الأمراض المصاحبة للفقر وسوء التغذية، وتقليل جرائم العنف والقتل والسرقة بالإكراه.

إن معالجة فساد الحكومة، والذي وصل في العام 2015 فقط إلى 600 مليار جنيه (33.5 مليار دولار)، من دون احتساب فساد مؤسسة الرئاسة والجيش والشرطة والقضاء، والتي كشفها رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، والذي سجنه السيسي لاحقًا، أهم وأولى من تخفيض فاتورة دعم الفقراء أو تحويله إلى نقدي.

كما أن تشغيل الشباب وخلق فرص عمل حقيقية، وإصلاح هيكل الأجور، ووقف العبث المسمى بالمشاريع العملاقة، وإصلاح مناخ الاستثمار، والخروج من نفق الفساد السياسي، وإبعاد الجيش عن النشاط الاقتصادي، هي الحلول الناجحة لمشكلة الفقر المتزايد في ظل حكم السيسي، والمدخل الصحيح لإصلاح منظومة الدعم، والعلاج الناجع للعدالة الاجتماعية المهدورة في مصر والتي قامت من أجلها ثورة يناير.

المساهمون