محنة الحصار والتجويع تحت الرصاص

محنة الحصار والتجويع تحت الرصاص

24 فبراير 2016
تضامناً مع ضحايا الجوع (الأناضول)
+ الخط -
مناطق جنوب العاصمة السورية دمشق كانت تضمّ قبل الثورة أكثر من مليون ونصف مليون نسمة. اليوم نقص العدد كثيراً خصوصاً مع الحصار الذي تتعرض له من قبل قوات النظام. ويعتبر من أكثر الحصارات قساوة وفتكاً بالناس حيث مات حتى الآن في منطقتي مخيم اليرموك والحجر الأسود أكثر من 200 شخص بحسب تقديرات ناشطين ومنظمات حقوقية.
لا تمتد هذه المنطقة على مساحة جغرافية كبيرة، وتفتقر إلى المساحات الخضراء.

تروي بعض الأسر التي تمكنت من مغادرة المنطقة، من خلال تسويات مع النظام، فظائع ما يحدث هناك، خصوصاً في منطقة الحجر الأسود التي ظلت معاناة أهلها بعيدة عن الأضواء بسبب تركيز الاهتمام على تنظيم "داعش" الذي يسيطر على المنطقة ويستعد لمغادرتها إلى الرقة في إطار اتفاق مع النظام.

يقول أبو مصعب الذي عاش الحصار في منطقتي اليرموك والحجر الأسود وخرج أخيراً في تسوية، إنّه، عندما كان في المنطقة، اتفق مع أربعة شبان آخرين، بعدما ضربهم وضرب أهلهم الجوع، على الذهاب إلى المساحات غير المأهولة بين منطقتي الحجر الأسود والسبينة عند معمل "بردى". وهي بقايا بساتين تنبت فيها بعض الأعشاب البرية. وذلك بهدف التقاط عشبة الخبيزة، فتعرضوا لإطلاق نار مستمر ما أدى إلى مقتل جميع رفاقه، ونجاته.

يضيف: "اتفقنا يومها على الذهاب بعد منتصف الليل، لأنّ القوات التي تحاصر المنطقة من الجنوب تطلق النار على كل ما يتحرك خلال النهار. كان الوضع هادئاً لكن فجأة بدأ إطلاق النار وكنا في منطقة مكشوفة، فقتل على الفور صديقي إبراهيم ابن أبو صالح ثم قتل عمر عبيد، ثم قتل الشابان الآخران بعدما حاولا الهرب باتجاه الحجر الأسود. أما أنا فقد نجوت لأني انبطحت أرضاً، ومكثت مكاني أحفر في التراب لاتقاء الرصاص الكثيف الذي استمرت رشقاته من الواحدة من بعد منتصف الليل حتى الرابعة فجراً. وحين هدأ الرصاص أسرعت راكضاً باتجاه الحجر الأسود".

يوضح أنّه بالرغم من مقتل هؤلاء الشبان وغيرهم كثر، لكنّ الناس استمروا في الذهاب إلى تلك المنطقة ولسان حالهم يقول: "نموت بالرصاص خير من الموت جوعاً". يشير إلى أنّ أحد الأشخاص أصيب بطلقة في يده خلال محاولته التقاط الخبيزة، لكنّ ذلك لم يثنه عن المحاولة مجدداً في اليوم التالي بينما كانت يده مضمدة.

من جهته، يقول أبو عبدو الذي خرج من المنطقة هو الآخر بموجب تسوية بعدما أنهكه الجوع وهبط وزنه من 90 كيلوغراماً إلى 40 إنّ مقولة "الجوع كافر" ثبتت حقيقتها. يفسر: "الإنسان مستعد لفعل أي شيء كي يحصل على الطعام". يضيف: "منطقة الحجر الأسود كانت مكتظة بالسكان وليس فيها تقريباً أي مساحة خضراء ما يضطر من بقي من الناس هناك، وعددهم نحو 4 آلاف نسمة، إلى محاولة البحث عن الحشائش على أطراف المدينة المحاصرة". يقول إنه شاهد بنفسه صندوقاً فيه رأس كلب وأحشاؤه ما يدل على أكل إحدى الأسر له. كما يشير إلى أنّه يعرف شخصاً تناول مع أولاده لحم القطط. يضيف أنّ طوابير طويلة تنتظم عندما يبادر أحد فاعلي الخير بتوزيع حساء أعشاب لا يسمن من جوع. والحساء هذا يعدّ من حشائش بعضها يضرّ بالصحة كما هو الحال مع عشبة "رجل العصفورة". لكنّ الناس يتناولونه لاستعدادهم لإدخال أيّ شيء إلى أمعائهم الخاوية.

يتابع أبو عبدو أن جميع البيوت في المدينة التي كان يقطنها يوماً نحو نصف مليون نسمة جرى تفتيشها بدقة بحثاً عن أي شيء يؤكل. لكن بعد أشهر نفد كلّ الطعام في بيوت فقيرة أصلاً، وبدأ الناس يسطون على المنازل المأهولة بعد يأسهم من إيجاد ما يؤكل في المنازل المهجورة. باتت تنشب حالات شجار مع سكان البيت المقصود، وكثيراً ما يسقط جرحى وقتلى. وقلما يتدخل تنظيم "داعش" في مثل هذه الحالات لأنّ الأهالي يطالبونه عندها بتوفير الطعام قبل محاسبتهم على السرقة.

يبدو سوء التغذية واضحاً جداً على وجوه الناس وأجسادهم التي باتت عبارة عن هياكل عظمية. وانتفخت وجوه البعض بسبب كثرة تناولهم للأعشاب الضارة. بينما المزاج العام هو عدم المبالاة بالموت مهما كانت طريقته. يقول أبو عبدو الذي غادرت زوجته المنطقة عندما كانت حاملاً بابنته حيث فتح لبعض الوقت حاجز بيت سحم، إنّه عاش أوقاتا كثيرة لا يرجو فيها أي شيء في الدنيا سوى تناول رغيف خبز أو أي شيء يؤكل. لم يعد يهمه وقتها أهله وزوجته وابنته التي لم يرها حتى.

في الحجر الأسود وحدها قضى نحو 200 شخص بالرصاص بينما كانوا يبحثون عن طعام. ويمضي الحال هناك بين أشخاص يأكلون الكلاب، أو كلاب تأكل جثث من يسقطون عند خطوط التماس.

اقرأ أيضاً: الحصار يقتل سوريين جوعاً في دمشق وريفها