محمود الحمش.. اللهجة كمادة هزلية

محمود الحمش.. اللهجة كمادة هزلية

22 يوليو 2017
+ الخط -

الخطيئة الكبرى لأيّ عمل كوميدي هي ألا يكون مضحكًا، ويتفوّق على هذه الخطيئة في الحالة السورية أن يستعمل "الكوميديان" اللهجة الساحلية كمادة هزلية، وهذه الجزئية الأخيرة سبّبت سيلًا من الانتقادات والإساءات الشخصية لمقدم برنامج "شو الكتالوك" السوري الذي تبثّه قناة سما كلّ ليلة خميس.

تمحورت الحلقة الأولى حول ظاهرة "التشبيح" وخلال دقائق البرنامج العشر استمات محمود الحمش - مقدّم البرنامج ومعدّه - في محاولة استجرار الضحكات بحركاته وانفعالاته، لكن هذا كلّه كان سيمر أسوة بغيره من البرامج الجدّية والهزلية التي تقدّمها القناة، لولا جملتان تهكّم بهما الحمش على اللهجة الساحلية والمبالغة بلفظ حرف القاف تحديدًا؛ أمرٌ أثار كثيراً من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لتصف القناة بالطائفية، وهي ربيبة النظام وحاملة الراية بعد إغلاق قناة "الدنيا".

من هو الحمش؟
محمود الحمش شاب سوري يدرس إدارة الأعمال، بدأ طريقه نحو الشهرة المحلية قبل دخوله المرحلة الجامعية عبر بث فيديوهات قصيرة له عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ يتحدّث بها عن مختلف المواضيع المعاشة يوميًا في سورية ليصل إلى أكثر من 100 ألف متابع خلال أشهر.

يعتمد الحمش اللهجة الشامية في حديثه، ولا نقصد بالـ "شامية" اللهجة المستعملة في أعمال البيئة الشامية بل لهجة أكثر قربًا من عصرنا، مدعّمة بعناصر كمدّ الحروف وتعريض مخارج اللفظ، مقتربًا من لهجة التجّار الدمشقيين والصنّاع في أسواق المدينة، ويغلب على أسلوبه الصراخ والحركات الانفعالية، وقد تكون شخصية "أبو ليلى" التي قدّمها أيمن رضا في مسلسل أبو جانتي أشهر مثالٍ على نوع الكاركتر الذي يتقمصه الحمش.

تتسم الفيديوهات - قبل وصول الحمش إلى قناة سما - بالفقر البصري، ويلاحظ أن الشاب في تعليقه على مختلف المواضيع يتكئ على اللهجة المفرطة والتلاعب بالمفردات، ويستغل بدانته في سعي لخلق الضحكة؛ دون طرح ذكي أو الإشارة إلى مفارقة ما فيكتفي بكيل أسئلة الاستغراب وإطلاق الدعوات على طريقة داية "باب الحارة".

هذه الصفات التي تبدو سلبية، هي عماد شهرة الشاب ومقوّمات نجاحه، ولا تخلو التعليقات على صفحته من الثناء عليه وعلى إخلاصه للهجته الأم، إلى جانب روحه المرحة، و"فش غلّ" جمهوره عبر "الإنبحات" على بعض المواقف والشخصيات مثل "شذى نخلة".


اللهجة ككوميديا
أسدلت اللهجة السورية "البيضاء" الستار على حقبة الدوبلاج بالفصحى، وتوجّهت أمّهات شركات الإنتاج لاستعمال اللهجة المفهومة على اتساع الوطن العربي، وإن كانت هذه اللهجة لا تخص مكانًا بعينه في سورية بقدر ما هي وليدة نمط حياة العاصمة، ومعظم ما تقدّمه الدراما السورية يستعملها باستثناء الأعمال التي تدور ضمن بيئة محدّدة.

اقترنت اللهجة الساحلية المقدّمة دراميًا وإعلاميًا لفترة طويلة بالشخصية الأمنية؛ وفي لوحات بقعة ضوء كثير من الأمثلة على ذلك، وفي عمل "أيام الولدنة" 2008 تأليف حكم البابا وإخراج مأمون البني، نشهد استخدامًا ثقيلًا للهجة في دور ضابط الأمن بأداءٍ مبالغ من باسم ياخور، ولم تسمح الرقابة بعرضه على المحطات السورية، لسنا بوارد أن نتهم العمل بالطائفية وهو من بطولة دريد لحام وباسم ياخور المعروفين بولائهما للنظام السوري، لكنّ البابا لا يُخفي كرهه وحقده على طائفة رأس النظام السوري.

خرج الليث حجو بعمله "ضيعة ضايعة"، المستند لبيئة ساحلية بلهجة غير مألوفة تلفزيونيًا أقرب لتكون لهجة سنّة مدينة اللاذقية، ويهمّنا دور الضابط الأمني الكوميدي الذي أدّاه جمال العلي باقتدارٍ مستخدمًا لهجة أهل حوران.


في المسرح
أيام مسرح دريد ونهاد لم يكن هناك بطولة للهجة وأدّى الأدوار الأمنية عدّة ممثلين مثل ياسر العظمة وشاكر بريخان، من دون الإيحاء لانتماء الشخصية، فيما كانت التجارب اللاحقة أكثر سطحية واكتفت باللهجة كتوصيف للشخصية، كما عند همام حوت وعبد الرحمن عيد، الذي اقتبس منه الحمش دعابته المسبّبة للمتاعب.

خلال تجربة اعتقال الأخوين ملص على خلفية مظاهرة المثقفين عام 2011، صاغ الأخوان مسرحيتهما التي تدور في غرفة تحقيق بين ضابط أمني ومتظاهر؛ وتفضي نهاية المسرحية إلى أن الضابط الذي يستعمل اللهجة الساحلية طوال العرض من سكّان دمشق، واللهجة جزء من العمل، بينما ينحدر المتظاهر ذو اللهجة "البيضاء" من الساحل. قد لا تكون هذه التجربة أنضج ما قدمه الثنائي لاتسامها بالوعظ في محاولة تخفيف الحدّة الطائفية، لكنها أعطت معاملًا جديدًا للحديث عن دور الضابط الأمني ولهجته في الأعمال الفنية السورية.

بعيدًا عن الجوهر
وسط تماهي الفارق بين صورة الشخصية الأمنية وصورة المتحّدث بلهجة ساحلية، كانت هناك محاولات للخروج عن التنميط في الاتجاهين؛ وباعتبار شخصية "رؤوف" من عمل الولادة من الخاصرة أشرس شخصية أمنية سورية تم تقديمها فنيًا، لا نجده يتحدّث بلسان منطقة معينة، وفي الاتجاه الآخر كانت هناك محاولات لتنميط الكاركتر الساحلي كشخصية بسيطة ساذجة مثل "نظيرة"، أدتها سوزان نجم الدين في عمل "فرصة العمر" وأعمال المخرج عبد اللطيف عبد الحميد السينمائية.

تجدر الإشارة لعملين غرّدا خارج السرب؛ ففي "خلف القضبان" 2005 لـ ليث حجو قدّم الثنائي نضال سيجري وقمر خلف شخصيتين سوريتين بامتياز، بلهجة ساحلية ريفية دون الدخول لمعاملات الكاركتر أو الهزل، واستعرض "لعنة الطين" 2010 بيئة ساحلية مغلقة تحدّثت شخصياتها بلسان المنطقة بدون مبالغة وحملت أصالةً رفعت من سوية العمل المشغول بإتقان.

بالإمكان اعتبار الأغنية الجبلية رصيدًا إضافيًا للهجة الساحلية المعروضة إعلاميًا، بوجود نجوم مثل حسام جنيد وتوفيق حبيب بعد صعود ظاهرة علي الديك في بداية القرن الجديد، وباتت اللهجة تحتفي بظهورها على الشاشات العربية وأصبحت الأغاني المستقاة من الفلكلور مسموعةً في غير مكانٍ وأكثر من شاشة.

في برنامج غنيلي تغنيلك عبر شاشة الجديد؛ يقدّم الديك لهجة ثقيلة حتى بالنسبة لآذان أهل الساحل أنفسهم، فهو يعامل تراثه كجزء إكزوتيكي متباهيًا بالبيئة القاسية التي خرج منها، ويستعمل مصطلحاتٍ غابت حتى عن أحاديث الجدّات لتكون زخرفًا مضحكًا وسط البيئة الريفية المصطنعة التي يطرحها البرنامج، دون أن يكون منبته جزءًا جوهريًا في شخصيته وبالإمكان تعميم هذا على مختلف الناطقين باللهجة نفسها على مختلف الشاشات.

خطاب سما
لم يتوقّف برنامج الحمش رغم البلبلة التي أثارها، وحديث مجلس الشعب عن وجوب محاسبة المسيئين للمجلس؛ وقد كان الحمش تعرّض لهم بحديثه. وهكذا يكون خطاب قنوات النظام السوري وما يعادلها مستعدًا لمرحلة جديدة في الأفق، يحافظ بها على تكتيكاته الكلاسيكية في احتواء أي صوتٍ لقي آذانًا في الوسط السوري ووضعه تحت عباءته؛ مثل همام حوت سابقًا وهو من كان بشار الأسد يحضر مسرحياته، ونشير هنا إلى رد الفنان بشار إسماعيل على فيديو الحمش عبر الانترنت الذي جمع بين الإساءة والوعظ، وهكذا لا بدّ من التساؤل لخطاب سما الذي يدير ظهره لأحد أكبر المخلصين، ويفتح بابه أمام "المشاهير الجدد".

● ركزت الحلقة الثانية من برنامج "شو الكاتلوك" على الحديث عن دولة قطر والأزمة الخليجية.

المساهمون