Skip to main content
محمد علي... رجل المطبخ!

مدونة عامة

رانيا مصطفى
محمد علي ذو الخمسة وأربعين عاماً هو ممثل مبتدئ، شاركت شركته في استثمارات الجيش المصري في مجال المقاولات لمدة خمسة عشر عاماً إلى أن حدث خلاف على بضعة ملايين، طار على إثرها إلى إسبانيا حاملاً ما بقي من ثروته، ليفضح غريمه على صفحات التواصل الاجتماعي.

أكد محمد علي في مقطعه المصور الأول أن مشكلته مالية لا علاقة لها بالسياسة، وبعد أن اطمأن لارتفاع أعداد متابعيه؛ نفى محمد تجنبه الانخراط في السياسة، وصرح أنه كان يخطط لفضح النظام منذ ست سنوات! وأنه هو من افتعل الخلاف مع شركائه في الجيش؛ كما ألمح إلى أن عناصر من الجيش تؤازره، فتعلق المصريون به كقشة أمل ونزلوا للتظاهر.

بدا الأمر كتمهيد لثورة مخيفة، لكنها تلاشت، وفوجئ المتظاهرون باعتقال أعداد كبيرة على خلفية دعواته، وأخيراً، تراجع علي واعترف أنه لا يملك غطاء عسكرياً وأنه يعمل بمفرده.

صوّر محمد علي نفسه كهارب مهدد بالقتل، ثم ما لبث أن تحول إلى مدح كونه في مأمن في دولة أوروبية تحترم حقوق الإنسان، وبعدها أعلن عن جولاته في أوروبا وأميركا باطمئنان كامل!


تقدم الصحف العالمية محمد علي بصفته رجلاً فضح مطبخ النظام المصري!!

إن مطبخ أي نظام هو غرفة صنع قراره، لم يقدم محمد علي أسراراً أكثر أهمية من التي يعرفها عامة الشعب، فالمواطن العادي لديه تفاصيل مناطق حيوية بقلب القاهرة تباع لمستثمرين عرب، وصندوق سيادي وضع تحت تصرف رئيس الجمهورية وحده، وقرارات للجيش بوضع يده على أراض ومنشآت دون رقيب، وحراسات تفرض على شركات كبرى بتهمة معلبة ألا وهي انتماء أصحابها لجماعة إرهابية، وغير ذلك.

اعتبره الإعلام العالمي بطلاً فعل ما لم يفعله من سبقوه!! وهذا غير صحيح؛ فمن سبقوا محمد علي حافظوا على جذوة الثورة مشتعلة؛ فمنذ لحظات الانقلاب الأولى تفاعل أنصار شرعية الرئيس محمد مرسي، وأقاموا اعتصامات فضت بمذابح، ومظاهرات عارمة انتهت بقتل واعتقال، ووقفات في ذكرى الثورة أتبعت بحبس وتصفية في المنازل، وحراكات صغيرة مشتتة في القرى تم قمعها، وصفحات على مواقع التواصل تفضح وتسخر من المنقلب ونظامه.

في هذه الأثناء، عملت القوى المدنية العائدة خاسرة من دعم انقلاب 30 يونيو على اتهام الرئيس الراحل بالضعف، وجماعته بالفشل بحجة انتهاجهم السلمية، وركزت هذه القوى على تفتيت وإنهاك كتلة أنصار مرسي عبر الدعوة لاصطفاف يمحو المرحلة من 2012 إلى 2019 وتقديم حل يطابق نموذج ثورة السودان، بحيث تنفرد بالحكم وتعزل الإسلاميين عن العمل السياسي؛ قدمت هذه القوى مبادرات عديدة وشخصيات عامة من الممثلين كعمرو واكد وخالد أبو النجا، وأخيراً محمد علي الذي أعتبره نموذجاً أكثر تطوراً من سابقيه.

تقدم الشبكات الإخبارية محمد علي كرجل كشف النظام بكاميرا موبايل! وأقول، أنه لا أحد يصل إلى هذا المستوى من الانتشار دون أن يكون مدعوماً بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فمثلاً بالتزامن مع ظهور علي، كان انتشار مسعد أبو فجر الذي فضح أداء الجيش في سيناء، وتامر جمال الناشط السياسي الذي قدم محاولة للتثوير، انتشاراً باهتاً، فلم يحصل كلا النموذجين على ربع الدعم الذي حصل عليه محمد. وهنا ألا يجب أن نتساءل لماذا تفتح الصحف العالمية أبوابها لمحمد علي في حين لم تفعل نفس الشيء لغيره من الإخوان وأنصار مرسي في ذروة القمع الذي تعرضوا له بعد الانقلاب؟

إن ظهور محمد علي ذاته يحمل علامات استفهام كثيرة، خاصة لمن يعلم جيداً كيف يترقى شخص من العامة إلى طبقة الصفوة عبر العمل مع الجيش والمخابرات لمدة 15 عاماً، فهل يعقل أن ينقلب عليه بسبب عدة ملايين؟ إن رجال أعمال كثر خسروا أموالهم بشكل مفجع في مصر ولم يبادر أحدهم لأمر مماثل!! إذن فخروج رجل منهم لأمر كالذي نراه اليوم لا يمكن أن يكون بهذه البراءة!

والخلاصة، هل يجوز أن يقود المعارضة المصرية نحو الإصلاح رجل ذو تاريخ مالي فاسد، وذو فكر سياسي سطحي؟ يتخذ محمد علي عبارة (كلنا فاسدون) شعاراً له، كي لا يحاسب على ماضيه، فيرتكب بذلك جريمة أخلاقية في حق الثورة والمجتمع. لم يتابع علي البرامج الانتخابية للمرشحين الرئاسيين في 2012 ومع ذلك يقول إنه لم يقتنع بأي منها!! يقدم علي برنامج حكومة تمثل مرحلة ما بعد السيسي، ويجهل أن ما يتحدث عنه هو النظام البرلماني!!

اختار محمد علي خبراء حكومته بشكل منفرد، واقترح آلية إلكترونية للاستفتاء أثبتت فشلها من قبل. والسؤال، هل يقدم محمد علي برنامجه كاختيار أم كأمر واقع يضمن به إيديولوجية وتوجهات من يقود مصر بعد السيسي؟ ألا يدرك أنه بذلك يستبدل نظاماً ديكتاتورياً بآخر؟

إن ما تقدمه المعارضة المدنية لمهزلة حقيقية، فقد حولت الثورة لنوع من المعارضة الهشة التي تكسب النظام الانقلابي في مصر صلابة وتزيد من إنهاك أنصار القضية يوماً بعد آخر؛ وبعد أن كان الحديث عن صمود الأبطال المعتقلين، والتفاف الثوار حول قضية رفض الانقلاب، صار الجميع يهتف باسم رجل المطبخ الذي قد يرشح نفسه لرئاسة مصر تحت حماية دولية.