محمد بشير:رهان الجنوبي على عثراته

محمد بشير:رهان الجنوبي على عثراته

10 اغسطس 2018
العودة إلى التراث النوبي كمحاولة تجديد (فيسبوك)
+ الخط -
لم يكن اختيار المخرج خالد يوسف عبثياً حين ذهب مستعيناً بصوت وحضور المطرب الشاب محمّد بشير ليقوم بأداء أُغنية "بتميل" في فيلمه "أنت عمري" (2005)، بطولة هاني سلامة ونيللي وهشام سليم. لقد كان سياق الفيلم في لحظة الاستعانة بتلك الاغنية يتطابق تماماً مع الهدف المُراد: البيئة النوبية التي مكانها النقطة المحددة في زمن الفيلم، البروفايل المناسب لتلك البيئة ويملكها بشير بقوة؛ بشرته السمراء، حركات الرقص التي يقوم بتأديتها من غير تقليد باهت، بل بغريزته النوبية الأصيلة. وحتى نبرة الصوت وهو يقول: "مواويل هوايا دليل/ شرع الهوى الأنصاف/ بتميلي على ميلي/ تتهجي مراسيلي/ وتعومي على عومي/ وتزهري يومي". وكانت الفنّانة نيللي تتهادى راقصة مع إيقاع الأغنية داخلة في جسدها الذي راح متقمصاً الحركات النوبية. وعليه، ظهر اختيار المخرج يوسف موفقاً إلى حد بعيد مع محمّد بشير.
لكن هذا الفنّان الجنوبي استقر عند نجاحات هذه الأغنية، ولم يتحرّك بعدها ليقدّم خطوات واسعة. كان بإمكانه استثمار ذلك النجاح والبدء في إنجاز ألبومه الغنائي الأول. لقد اكتفى في الفترة الواقعة ما بين عامي 2005 و2017 بحضوره في الساحة الطربية في أماكن محدودة قاهرية، مثل مسرح الجنينة وساقية الصاوي وكايرو جاز وأفتر إيت، وهذا المكان الأخير كان له فيه حفلة أسبوعية.

يمكننا القول هنا إن هذا الفنّان الذي تخرّج من كلية الآداب جامعة القاهرة قد تماهى في تلك الفترة مع طلبات الجمهور. إعادة تأديته الطربية لأغنيات تراثية جنوبية شهيرة والبقاء فيها، مثل الأغنية الأبرز التي فيها: "بتناديني تاني ليه! إنتي عايزه مني إيه! منتي خلاص حبّيتي غيري". وفي الاعتقاد، أن ذلك البقاء الذي أقدم عليه بشير من دون إنتاج شخصي لافت خلال السنوات الماضية. قد يعود لمسألة انشغاله في البحث عن صيغة جديدة يعيد عبرها تقديم الفلكلور الجنوبي المصري من خلال موسيقى مطروحة في قالب قادر على الخروج من صيغته المحلّية ويكون مُتاحاً لأي أذن عامّة أن تسمعه. ولا يعني هذا المساس بالعناصر الأساسية لذلك الفلكلور، أو العبث بهويته الأصلية، بل يمكن أن تكون المسألة عبارة عن تخفيف حدّة المفردات المُغنّاة، أو إعادة تشكيل ذلك التراث الشعبي الجنوبي وفك أسره من القوالب الجامدة التقليدية وطرحه على نحو متاح للجميع.

من هنا، هل يمكننا القول إن هذا الفنّان الجنوبي قد تأخر كثيراً حتى يُنجز ألبومه الأول "احذر هلاكك" (إنتاج دي جي 2017)، إذ على ما يبدو، كانت تلك الرغبة في إعادة تقديم التراث الشعبي على نحو مُختلف وسهل تتطلب أن يقعد تلك السنوات الكثيرة بلا ألبوم شخصي واحد!
في الاستماع الأول لـ "احذر هلاكك"، يمكن الإمساك بعدة نقاط: أولها ظهور العمل خالياً إلى حد بعيد من عثرات العمل الأول، عثرات البدايات التي تحصل مع الفنان حين يبدأ في الاشتغال على عمل شخصي وكبير. النقطة الثانية تكمن في إصراره على أن يكون هو محور العمل الأول لصالحه، أن يكون في أغلب أركانه مطرباً، وملحناً وكاتباً للنصوص.
وربما يعود تأخر بشير في إطلاق ألبومه إلى صعوبة إصدار عمل من هذا النوع؛ فالعودة إلى التراث النوبي ومحاولة تجديده والإضافة إليه تبدو عملاً شاقاً؛ لأن تلك المنطقة الموسيقية عاد إليها فنانون كثيرون، أبرزهم محمد منير، وربما قدّموا كل ما بوسعهم من خلالها، وبلغوا أقاصيها. وبهذا، لعلّ الإقدام على مغامرة كهذه يبدو أمراً صعباً ويحتاج إلى تأنٍّ كبير.
وفي هذا السياق، يقول محمّد بشير في حديثه إلى "العربي الجديد" إن هذا العمل الأول انتظر طويلاً حتى يظهر للنور، من ناحية الاجتهاد بداية؛ كي يظهر على نحو ملائم ومتطابق إلى حدّ بعيد إلى ما كان فريق العمل يريده بعد ذلك الانتظار الطويل. ولا يخجل صاحب "احذر هلاكك" من اعترافه أن أغلب من اشتغلوا في إنتاج هذا العمل لم يقبضوا جنيهاً واحداً مقابل ما قاموا به، وهم الشعراء إبراهيم عبد الفتاح ومنتصر حجازي وسيد محمود وخالد أمين، والموزعون؛ فادي بدر ومحمد سامي وأحمد عمر و، حتى الفنان هاني عادل، بطل مسلسل "حلاوة الدنيا" (2017)، مع هند صبري وظافر العابدين، قام بتقديم الاستوديو الخاص به بلا مقابل من أجل تسجيل الألبوم. يضيف بشير: "لقد تأخرنا كثيراً وأخدنا الوقت، لكن كان كل أملنا أن نفعل شيئاً يشبهنا. كنا جميعاً كما لو أننا نحلم سوياً. كان حلماً ذا ملامح متطابقة مع كل الخطط والنغمات المشتركة التي كانت في بالنا". وأكد صاحب "عارفة حُبك"، وهو خرّيج كلية الآداب جامعة القاهرة قسم لغة عربية (1993): أن "ذلك التأخير الذي حصل كان منطقياً باعتبار منطق الإنتاج الذي لا يمكن أن يدعم شغلاً مثل الذي فعلناه وهو الشغل ذاته الذي تتحاشاه شركات الإنتاج لأن ربحه غير مضمون في زمن الموسيقى السهلة التي تُخاطب جمهوراً يرضى بالسهل والمساير للموضة السمعية".

في نهاية حديثنا معه، يوضح بشير أنهم فعلوا كل ما باستطاعتهم كي يخرج "احذر هلاكك" بالصورة التي بحثوا عنها، وأمضوا لتحقيقها وقتاً طويلاً: "لعلّ نجاح هذا الألبوم سيحتاج لوقت طويل حتى يأخذ حقه من الاستماع؛ فنحن نراهن على الزمن".

المساهمون