محمد برّادة ناقداً في ميزان النقد

محمد برّادة ناقداً في ميزان النقد

27 ابريل 2020
+ الخط -
صدر أخيراً كتاب "الكتابة النقدية عند محمد برّادة .. "، تزامناً مع بلوغ الناقد المغربي عمر 82 عاما، أنجزه الباحث إدريس الخضراوي ووضع مقدمته محمد الداهي. وهو معنيٌّ بتكثيف مادّته وتركيز البحث والتقصي عن الميكانيزمات النقدية لبرّادة، وأهم الانعطافات التي طبعت مساره النقدي. ولهذا الغرض، خلا الكتاب (348 صفحة) من أي تعرّجات بيوغرافية تتعلق بالحياة الخاصة أو الصور أو شهادات الأصدقاء والطلبة، ومن ذكر إنجازات أخرى لبرّادة، تتعلق برصيده الروائي والترجمات التي أنجزها وفعالياته الثقافية، سواء في الجامعة أو في أثناء ترؤسه اتحاد كتّاب المغرب ثلاث دورات متوالية. ولعلّ ما يجعل الكتاب نموذجيا، تركيز الباحث على جانب بعينه، ومنحه حقه من التقصّي والبحث والإضافة، ليشكل بالتالي مرجعا مهما، ليس عن الجانب النقدي لمحمد برّادة فحسب، إنما كذلك عن التيارات النقدية والأدبية الكبرى التي استفاد منها برّادة، وحرص على تفعيلها، حيث يعود الباحث إلى جذور تلك النظريات والمدارس وأصولها، معرّفا بأهم افتراضاتها النقدية والمنهجية. حتى إن الكتاب، في إتيانه على حياة برّادة وطفولته، لم يذكر منها إلا ما من شأنه إضاءة مشروعه النقدي، من قبيل انتقاله من فاس إلى القاهرة ثم فرنسا، والإضافات النقدية والعلمية التي يكتسبها في كل مرحلة، مثل اكتسابه المعارف التقليدية في المدارس الوطنية في مدينة فاس، إلى جانب ما أتاحه وجوده في القاهرة من احتكاك بالمدارس النقدية الشائعة حينذاك، مثل الواقعية الاشتراكية والتاريخية، ثم رجوعه إلى فاس لإكمال دراسته المعمّقة في الفلسفة، ثم إقامته في فرنسا ومناقشته الدكتوراه في جامعة السوربون تحت إشراف المستشرق أندريه مايكل، وما شكل وجوده في عاصمة الأنوار، في فترة الثورة الطلابية لعام 1968، من اطلاع مباشر وتفاعل مع مختلف المدارس النقدية التي كانت في أوج بروزها، خصوصا البنيوية التكوينية وكشوفات الناقد الروسي ميخائيل باختين التي أحدثت تحولا كبيرا في النقد الفرنسي، بعد ترجمتها إلى الفرنسية على يد كل من تودوروف وكريستيفا. 
يعدّ الكتاب أول دراسة شاملة لمنجز برّادة النقدي، ذلك أن مؤلفه إدريس الخضراوي يقدّم تعريفات مصاحبة لتحولات المسيرة النقدية لمحمد برّادة فقط، وتفصيلا موسعا، مستندا في ذلك إلى تطور كل نظرية نقدية وانعطاف تبنّاه برادة في مسيرته النقدية نحو ستة عقود، وما تزال متدفقة في عطائها، وذلك عبر متابعة برّادة كل جديد في الرواية العربية، خصوصا في إبداعات الشباب، عبر ما ينشره من مقالاتٍ في الصحافة، أو ما يجمعه في كتبه الجديدة. وأتذكّر هنا أن برّادة من أوائل من كتبوا عن الروائية العُمانية، جوخه الحارثي، في مقال نشره في عام 2012، مستشرفا أهمية روايتها "سيدات القمر"، وما لاقته بعد ذلك بسنوات من أهمية أهّلتها للحصول على جائزة البوكر العالمية. وقد اتصلت بجوخة لمّا قرأت المقال، وأي مقال يكتبه برّادة عن أي رواية بمثابة جائزة، وهذا ما يشعر به عادة الشباب الذين كتب عن رواياتهم. ومما كتبه برادة في رواية جوخة الحارثي (تبدو "سيدات القمر" إحياء لمشاهد وأحداث ماضية، وأخرى تنتمي إلى الحاضر، من خلال فئات تمثـل المجتمع العُماني، وقـد اخترقته أواليات التحديث وهو يخوض غمار التحول.. وليس تحيّزاً أن جعلتْ جوخة الحارثي من نماذجها النسائية عنصراً فعالاً في سيرورة التحولات، لأن أوضاع المرأة في مجتمعاتنا العربية الذكورية، تدفع إلى التمرد وبلورة وعيٍ مناصر للتحرر والمساواة).
كان للناقد محمد برّادة فضل فعليّ في تعريف الجامعة المغربية بصورة خاصة، والعربية بشكل عام، على منجزات النقد الحديث، إلى درجةٍ يمكن القول فيها إن الأفكار النقدية الحديثة في الوطن العربي مطبوعة بأفكاره، خصوصا في النقد الروائي، وهذا ما ذكره الناقد الأردني فخري صالح، حين كتب أن الكتب التي ترجمها برّادة والمقالات والدراسات التي كتبها في الثمانينيات من بين ما استرشد به لشق طريقه النقدي.
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي