محاولات قضاة مصريين للتخلص من القبضة الضريبية للسيسي

محاولات قضاة مصريين للتخلص من القبضة الضريبية للسيسي

18 ديسمبر 2019
الاحتجاجات القضائية لم تتسع رقعتها بعد (إسلام صفوت/Getty)
+ الخط -
يسعى أعضاء هيئات قضائية عدة في مصر، أبرزها مجلس الدولة والمجلس الأعلى للقضاء ونادي القضاة، لحشد رأي عام بين النواب وفي بعض الوزارات المعنية وعلى رأسها وزارة المالية، للدفع في اتجاه إعادة تنظيم شرائح الضريبة على الدخل، بغية تخفيض النسبة المرتفعة التي تحسم من دخول الغالبية العظمى من القضاة حالياً بواقع 22.5 في المائة إلى نسبة لا تزيد على 15 في المائة من مداخيل القضاة الذين يحصلون على أعلى الدخول في الهيئات المختلفة، وذلك بعدما فشلت كل محاولات القضاة لإقناع وزارة المالية وأجهزة النظام بعدم خضوع دخول القضاة ككل للضريبة، وتطبيقها فقط على الأجر الأساسي كما كان يحدث من قبل.

في السياق، أفادت مصادر في وزارة العدل بأن مجلس القضاء الأعلى، باعتباره السلطة العليا للقضاء العادي، والذي تصل فيه انتدابات القضاة ومكافآتهم الخارجية إلى أقل معدلاتها مقارنة بمجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، فشل في إقناع وزارة المالية بإعادة تقييم أسس احتساب ضريبة الدخل، إذ يتم استبعاد كل من بدل القضاء وبدل التمثيل من الوعاء الضريبي لكل قاض، استناداً إلى البند الرابع من قواعد تطبيق جدول المرتبات الخاص بقانون السلطة القضائية 46 لسنة 1972. لكن الوزارة من جانبها تتمسك باحتساب البدلين استناداً إلى فقرة أخرى من البند نفسه، والتي تنص على أنه "لا يجوز أن تزيد مجموع البدلات مهما تعددت على 100 في المائة من المرتب الأساسي"، وهو الأمر الذي تم تجاوزه بأضعاف مضاعفة نتيجة التوسع في استحداث وزيادة البدلات للقضاة على مدار السنوات العشرين السابقة.

وذكرت المصادر أن هذا الفشل أدى إلى زيادة الاحتقان في صفوف القضاة، ما انعكس على القضايا المطروحة خلال الحملة الانتخابية الجارية حالياً استعداداً لانتخابات النادي المقررة في 20 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، التي يخوضها رئيسه الحالي المستشار محمد عبد المحسن وينافسه أربعة قضاة لا يمكن القول إن أحدهم مدعوم من قبل السلطة بشكل مباشر، خصوصاً أن شقيق الرئيس عبد الفتاح السيسي، المستشار أحمد السيسي، نائب رئيس محكمة النقض ورئيس جهاز مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لم يعلن حتى اللحظة، لا هو ولا المقربون منه، مرشحه المفضل في هذه الانتخابات.

لذلك، فإن جميع المرشحين يحاولون أمام الجمعية العمومية بذل أقصى ما في وسعهم لإثبات قوة علاقاتهم بأجهزة الدولة والنواب، بهدف الترويج لتعديل قانون ضريبة الدخل، كفرصة وحيدة للإفلات من براثن قرار السيسي ووزير المالية بتحصيل هذه الضريبة المرتفعة من القضاة، باعتبار أن الإجراءات القانونية التي كان قد بدأها رئيس النادي الحالي لمجابهة القرار برفع دعوى قضائية والمطالبة بإحالتها للمحكمة الدستورية، لن تجدي نفعاً وستبوء بالفشل، ولا سيما أنه لم يستطع عقد جمعية عمومية طارئة لإعلان رفض القرار ودراسة سبل مجابهته، حتى بعد فشل مفاوضات مجلس القضاء الأعلى مع وزارة المالية.

وفي ظل تشديد قرار وزير المالية على ضرورة احتساب الضريبة بتلك النسبة المرتفعة على رواتب القضاة بأثر رجعي يمتد حتى يونيو/ حزيران 2018، موعد صدور القانون الخاص بالشرائح الجديدة رقم 97 لسنة 2018، أصبح الرهان الوحيد هو التخلص من تلك الإجراءات بواسطة تشريع جديد يعيد تنظيم شرائح الدخول ونسبة الحسم. وبحسب مصدر آخر في مجلس الوزراء، فإن القضاة ليسوا الفريق الوحيد الذي يمارس الضغط لتحقيق ذلك، فهناك أيضاً نقابة المحامين مدعومة بعدد من القانونيين المقربين من دائرة السيسي، وكذلك بعض الغرف التجارية والسياحية، وهو ما يصب بالتأكيد في مصلحة القضاة، لكن الحكومة لم تتلق حتى الآن توجيهات من الرئاسة أو المخابرات بالتعامل بشكل إيجابي مع تلك المقترحات.

وأوضح مصدر مجلس الوزراء أن المقترحات تصب في رفع الحد الأدنى للإعفاء إلى ضعف الحد الحالي، أي 16 ألف جنيه سنوياً (ألف دولار)، ثم زيادة الحد الأقصى للشريحة الأولى التي يحسم منها 10 في المائة إلى 100 ألف جنيه (6240 دولاراً)، والشريحة الثانية التي يحسم منها 15 في المائة إلى 200 ألف جنيه (12480 دولاراً)، وبذلك يقع معظم القضاة فيها، والشريحة الثالثة بنسبة 20 في المائة بحد أقصى 300 ألف جنيه (18700 دولار)، وتكون الشريحة الرابعة بنسبة 22.5 في المائة.

ورجّح المصدر ألا تتم الاستجابة لهذه الضغوط في الوقت الحالي بشكل كامل، حتى مع عمل وزارة المالية حالياً على إنتاج تشريع متكامل جديد لضريبة الدخل سيتم تضمينه آليات جديدة لملاحقة المتهربين، وذلك نظراً للفوارق الكبيرة بين حدود الشرائح الحالية والحدود المقترحة، فضلاً عن عدم تمتع القضاة أصحاب تلك المقترحات بالمعلومات الكافية عن الشرائح الأكثر تمويلاً للضريبة، من داخل أجهزة الدولة وخارجها، ما يجعلها "مقترحات تصلح كبداية لتفاوض طويل الأجل"، وليس كمقترح مكافئ جاهز للتنفيذ.

سياسياً، اعترف المصدر بأن التوتر المسيطر على علاقة السيسي بالقضاة نتيجة محاولة تحجيمهم مالياً، أصبح ينعكس بشكل سلبي على الحكومة، بعد تخفيض عدد المستشارين القانونيين المنتدبين من الهيئات القضائية لمساعدة الوزراء ورؤساء الأجهزة الإدارية، نظراً لعدم امتلاك الموظفين الإداريين الخبرة نفسها التي يمتلكها القضاة، خصوصاً قضاة مجلس الدولة وأعضاء النيابة الإدارية، بالتوازي مع عامل آخر هو الخفض المستمر لعدد الموظفين بدعوى التقشف، وتقليل عدد القيادات الوظيفية الذين كان يتم مد سن التقاعد لهم عاماً بعد عام باعتبارهم من الكفاءات النادرة.

لكن المصدر قلل من تأثير الدعوات التي ظهرت في أوساط مجموعات القضاة على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجاً على قرار الضريبة، مثل الاتفاق على تخفيض حجم الإنجاز وإنهاء القضايا، وتقليل عدد الجلسات شهرياً، ومقاطعة اللجان الحكومية التي تتطلب حضور قضاة لإبرام العقود وإجراء المزايدات والمناقصات. وأوضح أن الإجراءات في تلك الملفات تمضي بصورة طبيعية، لكن المشكلة الأكبر هي الخفض القسري والعشوائي لعدد القضاة المنتدبين للعمل في غير أوقات العمل الرسمية لدى الوزارات.

وعلى الرغم من أن مشكلة انتداب القضاة كانت تُثار دائماً باعتبارها من عوامل نيل السلطة من استقلال القضاء المصري في العقود السابقة، إلا أن نظام السيسي عالجها بصورة قسرية بإلغاء الانتداب لأكثر من جهة واحدة ومنع جهات حكومية عدة من استقدام مستشارين قانونيين من القضاة، من منطلق رغبته في خفض دخول القضاة فقط، بعد رفضهم الخضوع لقانون الحد الأقصى للأجور، مع عدم تعويضهم مالياً من هيئاتهم، وهو ما أخل بالتوازنات المالية والمعيشية لدى معظم القضاة، تحديداً بعد إخضاع كامل دخولهم للضريبة.

وكان رئيس مجلس الدولة الجديد المعين بقرار منه، محمد حسام الدين، قد أصدر منذ شهرين قراراً بمنع انتداب القضاة لأكثر من جهة حكومية واحدة، وإلغاء جميع الانتدابات والوظائف الإضافية التي كان القضاة يتمتعون بها في السنوات السابقة في ظل دستور 2014 تحت وصف "مهام قومية" أو "انتداب جزئي"، بحجة أن الدستور يجب أن يُطبّق. ولجأت دائرة السيسي إلى اتخاذ هذه الخطوة على خلفية تأخر صدور قانون المجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي تم استحداثه في التعديلات الدستورية الأخيرة، والذي كانت فكرة إحيائه قد ظهرت منتصف عام 2018 بمناسبة دراسة النظام مشكلة انتداب القضاة. حينها، تبين أن هناك خلافات كبيرة بين رؤية كل هيئة مع اختلاف رؤية وزارة العدل للرؤى الأخرى، وهنا وجدت الرئاسة أنه يجب العمل على توحيد آراء القضاء تجاه الملفات المختلفة التي قد تثير أزمات بين الهيئات والدولة لتسهيل التعامل ومحاصرة مساحات المعارضة.

وتزامن قرار توحيد جهة ومهمة الانتداب الإضافية للقضاة، مع قرار وزارة المالية باستقطاع ضريبة الدخل من القضاة للمرة الأولى من إجمالي صافي الراتب متضمناً الأجر الأساسي والأجر المتغير بما يتضمنه من حوافز وبدلات، بعدما كانت في الماضي تستقطع من وعاء الأجر الأساسي فقط، ما رفع متوسط الوعاء الضريبي للقضاة إلى أعلى شريحة دخل ممكنة لاستقطاع الضريبة، وذلك بنسبة 22.5 في المائة من إجمالي ما يحصلون عليه. وسبق أن ذكرت مصادر قضائية لـ"العربي الجديد"، أن السيسي رد بهذه الإجراءات الجديدة على محاولة القضاة تأمين امتيازات أكبر لهم، من خلال صدور قرارات داخلية في هذه الهيئات بأحقية أعضائها بتقاضي آلاف الجنيهات الإضافية في صورة بدلات وحوافز مستحقة لهم أسوة بنظرائهم في هيئات أخرى، الأمر الذي سيكلف الدولة عشرات الملايين من الجنيهات في الميزانية العتيدة لكل هيئة.