مجلس الشيوخ ضد المقاطعة: إسرائيل تتقدم على الدستور الأميركي

مجلس الشيوخ ضد المقاطعة: إسرائيل تتقدم على الدستور الأميركي

06 فبراير 2019
القانون يتعدى على حرية التعبير(Getty)
+ الخط -
صوّت مجلس الشيوخ الأميركي، بعد ظهر الثلاثاء، بأكثرية 77 عضواً مقابل 23 على مشروع يتعلق بالشرق الأوسط، يعاقب في أحد بنوده أي جهة أميركية تقاطع المنتجات الإسرائيلية المصنعة في المستوطنات، ويخوّل حكومات الولايات والسلطات المحلية على مستوى المناطق والمدن، فرض حظر على الشركات وحتى الأفراد الذين يمارسون مثل هذه المقاطعة من خلال عدم التعامل التجاري معهم وحرمانهم من العقود الحكومية، بالرغم من أن ذلك يندرج في منزلة التعدّي على حرية الرأي التي يكفلها الدستور صراحة لكل مواطن أميركي.

لكن جوقة إسرائيل ضربت في هذه الحالة عرض الحائط بحرية التعبير، طالما أن المعني بالموضوع هي إسرائيل التي تتقدم على الدستور بمثل هذه الفجاجة في الزمن الترامبي.
قصاص متعسف لفرض مشيئة اللوبي الإسرائيلي الذي دفع بهذا المشروع وأصر على تمريره من دون ضجة خلف ضجيج الانشغال بقضايا وملفات داخلية وخارجية طاغية على الساحة السياسية. وقد كان له ما أراد بفضل انصياع مفاتيحه في الكونغرس عموماً ومجلس الشيوخ خصوصاً، لطرح هذا المشروع على جدول الأعمال وللمرة الثالثة منذ بداية العام الحالي بذرائع واهية مثل الزعم بأن هذه المقاطعة تعكس نزعة "معاديةٍ للسامية" أو أن المشروع ليس غير "تأكيد على الوعد الأميركي بحماية أمن إسرائيل"، كما قال السناتور ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ.

تلفيق وظيفته حجب التضارب الفاضح مع الدستور، كما شدد المعارضون في خطابهم التحذيري من عواقب هذا التوجه. لكن الاعتبارات السياسية العابثة كان لها الغلبة في صفوف الجمهوريين بالإجماع وبين أكثر من نصف الديمقراطيين (25 من أصل 47). وبذلك تعذر على الباقين من الحزب الديمقراطي ومنهم مرشحون للرئاسة في 2020 إفشال القرار المتوقع سقوطه في مجلس النواب، وقطع الطريق على تحوّله إلى قانون ملزم. لكن لا ضمان لمنع وصوله إلى هذه النقطة لأنه ينطوي على بنود أخرى تحظى بتأييد واسع، مثل فرض عقوبات جديدة على النظام السوري، وتحذير الرئيس دونالد ترامب من الانسحاب السريع من سورية وأفغانستان.

مع ذلك، لن يكون إقراره، لو حصل، نهاية المطاف. فبعد الكونغرس تنتظره معارك قضائية عديدة للطعن بدستوريته. ليس فقط من جانب الجهات المتضررة مباشرة منه بل أيضاً من قِبل هيئات مدنية وقانونية مثل جمعية الحقوق المدنية ومؤسسة السلام في الشرق الأوسط، وغيرها التي سبق ورفعت دعاوى ضد محاولات من هذا النوع، وكسبت الحكم في ولايتين ضد تطبيق مثل هذا العقاب الذي يتناقض مع ممارسة حق المشاركة السياسية، عبر حرية الرأي والاختيار.

كذلك، من المعروف أن حركة المقاطعة هذه التي انتقلت من أوروبا، قد وجدت أرضاً خصبة في الحقل الجامعي وحظيت بتعاطف متزايد في السنوات الأخيرة. وهذا ما حمل نواطير إسرائيل في واشنطن، بقيادة اللوبي الإسرائيلي الذي لجأ إلى تحريك الرد في الكونغرس بما أدى إلى ولادة هذا المشروع.

وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن يساهم هذا الحراك في توسيع دائرة الجدل حول الامتيازات الإسرائيلية في واشنطن، خاصة أن هناك عناصر جدداً من الديمقراطيين في مجلس النواب، عازمين على طرح بند الدعم المفتوح لإسرائيل كواحد من ملفات حملة انتخابات الرئاسة القادمة. وفي ذلك ما يزيد من تسليط الأضواء على التمادي في حماية إسرائيل إلى حد تجاوز قضية الحريات التي يضمنها الدستور، كما جرى اليوم. ومثل هذا التبرّم بدأت طلائعه تظهر حتى في الكونغرس، من خلال السناتور راند بول الذي تصدى لهذا المشروع عند طرحه للمرة الأولى في مجلس الشيوخ.

الطريق في هذا الاتجاه طويلة وشاقة. لكن الواعد فيها أن هذا المشروع أعطى دفعاً هاماً لفتح باب النقاش السياسي والقانوني العام، حول ما يشبه الارتهان لإسرائيل.