Skip to main content
مجزرة ضريبية سورية باسم "تشجيع الاستثمار"
سلام السعدي ــ دمشق
الخلل الضريبي يستهدف معيشة المواطن العادي (فرانس برس)
كانت الفترة الممتدة من عام 1985 وحتى عام 2000 في سورية هي فترة الإعفاءات ‏الضريبية للاستثمار الخاص، عبر ‏سلسلة من القوانين والتشريعات. واستمر الأمر في عهد ‏بشار الأسد مع سلسلة "إصلاحات" محابية لقطاع الأعمال المتوسع ‏في تلك الفترة، حيث جرى ‏تخفيض ضريبة الدخل للشركات المساهمة من 32 إلى 25%، وهي سياسات ‏تذرعت بأنها ‏تريد من خلالها "تشجيع الاستثمار" لكنها لم تفعل سوى أن كرست التشوه في النظام الضريبي السوري.‏ 
يقول أستاذ المالية العامة في جامعة دمشق، الدكتور علي كنعان، إن تلك "الإصلاحات" أدت إلى ‏زيادة الإعفاءات الضريبية ‏بصورة كبيرة مما شكل عبئاً على موازنة الدولة، الأمر الذي دفع ‏الحكومة إلى الاعتماد على القروض ‏الخارجية والإصدار النقدي في تمويل مشاريعها العامة، وأدى ذلك لزيادة معدلات ‏التضخم ‏والمديونية الخارجية.‏

الفساد والنفوذ
هكذا يتضح أن الأهداف المعلنة من الإعفاءات الضريبية لم تتحقق، فلم تتدفق الاستثمارات ‏الأجنبية إلى سورية، بل دخل ‏الاقتصاد في حالة ركود. وقاربت حصيلة الضرائب المباشرة ‏حوالى 35% فقط من إجمالي الحصيلة الضريبية، وهو ‏ما يؤشر إلى تشوّه كبير في النظام ‏الضريبي. أما الموازنات التقديرية للدولة في الأعوام الأخيرة، فقدرت حصيلة ضريبة ‏الرواتب ‏والأجور بعشرة أضعاف حصيلة ضريبة رؤوس الأموال. وبالرغم من مساهمة القطاع الخاص ‏في الناتج المحلي ‏الإجمالي في عام 2010 بنحو 76%، لم تتجاوز ضريبة الأرباح 13% ‏من إجمالي الإيرادات الضريبية.‏
يوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور سمير سعيفان، لـ"العربي الجديد"، خبايا تلك الأرقام قائلاً: "لا ‏يعتد بموازنات عام 2011 ‏وما بعدها فقد أقرت في ظروف غير طبيعية. كما أن العبرة ‏ليست في الموازنة، فالموازنة خطة مالية لسنة مقبلة، ويمكن للحكومة ‏السورية أن تكتب ما ‏تريد في الخطة، ويعتبر التزويق والتلفيق تقليداً قديماً لدى النظام في سورية". ويشرح أن "العبرة ‏في الميزانية ‏الختامية حيث نجد الإيرادات والنفقات الفعلية". ‏
ويشرح أن: "السمات العامة الراسخة في سورية هي التهرب الضريبي ‏والجمركي، وهو شائع ‏وواسع، وكلما كبر رجل الأعمال، كبر تهربه الضريبي والجمركي. ويعود التهرب لأسباب ‏تقنية ‏تتعلق بضعف كفاءة الجهاز الضريبي وفساده الواسع". وفضلاً عن ذلك فإن النظام ‏السوري "لم يسعَ إلى أيّ إصلاح إداري أو ‏إلى تشديد القبضة الضريبية. كان ذلك بمثابة قرار ‏ضمني تعززه الخشية من غضب رجال الأعمال، ولكن الأهم أن كبار ‏رجال الأعمال، وهم ‏كبار المتهربين، لهم مصلحة كبيرة في الحفاظ على هذا الواقع الرديء، فجزء كبير منهم بات ‏من أبناء ‏كبار المسؤولين في الدولة".‏

الضرائب غير المباشرة
في عام 2009 تأسست الهيئة العامة للضرائب والرسوم ضمن برنامج لإصلاح النظام ‏الضريبي في سورية، كما ادعت ‏الحكومة في ذلك الوقت. لكن عمل الهيئة في سنواتها الأولى ‏تركز على التحضير لإطلاق ضريبة القيمة المضافة في ‏سورية، لتعزز بذلك من هيمنة ‏الضرائب غير المباشرة على الإيرادات الضريبية، ومتجاهلة حجم التهرب الضريبي ‏الكبير ‏والواسع لقطاع الأعمال. وفي حين كان من المقرر إطلاق ضريبة القيمة المضافة في ‏عام 2011، وهي ضريبة سيئة ‏السمعة بالنسبة للمستهلكين، الذين يتحملون عبئها الكبير، ‏يبدو أن اندلاع الاحتجاجات الشعبية أرجأ القرار الحكومي تجنباً ‏لإثارة مزيد من الغضب في ‏صفوف السوريين.‏
وحول إصلاح النظام الضريبي السوري في المستقبل، يعتقد سعيفان أن النظام الحالي :سيحتاج ‏لإعادة هيكلة بالكامل، إذ ‏يجب أن تشكل الضرائب المورد الأكبر للخزينة، وتبدأ الهيكلة ‏بوضع سياسة ضريبية فعالة مدروسة بجوانبها الإيرادية ‏والاقتصادية والاجتماعية، تنعكس في ‏تشريعات وتعليمات ضريبية جديدة". كما يتطلب الإصلاح الضريبي، بحسب سعيفان، ‏تطوير ‏‏"جهاز ضريبي كفء ونزيه يكون على قدرة على التحقق الضريبي والفرض والتحصيل بما ‏يخدم الأهداف ‏المرسومة للسياسة الضريبية. وهذا يتطلب أن لا يخضع الجهاز الضريبي ‏لمصالح قطاع الأعمال ولا لنزوات إدارات فاشلة ‏كما هو الحال في سورية اليوم. وسيكون هذا ‏جزءاً من الإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي الشامل في سورية ‏الجديدة"‏‎.‎

إقرأ أيضاً: النفط اللبناني ضائع: "شايف البحر شو كبير"؟