متى يسقط الانقلاب في مصر؟
حافظ المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي على النظام
بدايةً، علينا أن نتفق بشأن تعريف ما جرى في مصر في الثالث من يوليو/ تموز الماضي، هل كان ثورة أم انقلاباً؟
ما جرى بالضبط هو تعطيل دستور، تم الاستفتاء الحر عليه، واعتقال رئيس منتخب، وإقالة حكومته، وحل مجلس شورى منتخب، وتعيين رئيس مؤقت وحكومة مؤقتة، وتقرير خريطة طريق جديدة.
لا يوجد تعريف لما جرى سوى أنه "انقلاب عسكري"، سواء تم بمبادرة من القيادة العسكرية وإرادتها، أو استجابة من القوات المصرية المسلحة لطلب جماهير شعبية، خرجت يوم الثلاثين من يونيو/ حزيران، كما تم ترويج ذلك. هذا يقودنا إلى سؤال آخر، أَكثر أَهمية: هل كان الانقلاب وليد اللحظة في 3 /7، أم كان في سياق خطة مسبقة محكمة، تم وضعها بحنكة، وتنفيذها ببراعة ودأب، على مدى عامين ونصف عام؟
الإجابة على السؤال يمكن أن تحدد لنا كيف ومتى يمكن إسقاط الانقلاب. وللوصول إلى الإجابة الأقرب إلى الدقة، علينا استرجاع الأحداث والوقائع مجردة، كما هي من ٢٥ يناير/كانون الثاني ٢٠١١ إلى ٣ يوليو/تموز ٢٠١٣، وكأننا نقوم بعملية فلاش باك. أيام ٢٧،٢٦،٢٥ يناير/كانون الثاني، ظلت القوات المصرية المسلحة في موقف المراقب اليقظ لما يجري على الأرض، وأجهزة حسني مبارك وحبيب العادلي وعمر سليمان تدير الموقف، حتى جاءت اللحظة الفارقة في ٢٨ يناير/كانون الثاني، يوم جمعة الغضب، وانهارت تلك الأجهزة تماماً، وبدأت حالة الانفلات الأمني المخططة، وغير المخططة أيضاً، وقرر مبارك استخدام القوات المسلحة.
المثير للانتباه موقف المشير حسين طنطاوي، والذي يبدو أنه أدرك مبكراً أن دور مبارك انتهى، وأن أجهزته الأمنية الرهيبة انهارت، مما يفسر رفض طنطاوي الصريح تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، وإصراره على الاستمرار قائداً للقوات المسلحة، ولعلها المرة الأولى التي يتحفظ فيها طنطاوي على قرار لمبارك، مما دفع الأخير إلى تعيين عمر سليمان، على غير رغبته ورغبة المحيطين به. وقبل طنطاوي البقاء وزيراً للدفاع في وزارة يترأسها مرؤوسه، أحمد شفيق، حيث المهم هو منصب القائد العام.
ثم جاءت لحظة كاشفة وفارقة أخرى، يوم ٢ فبراير/شباط ٢٠١١، "موقعة الجمل"، التي وقفت فيها القوات المسلحة موقفاً محايداً، وكأنها تعطي مبارك، وباقي أدواته، الفرصة الأخيرة، والتي انتهت بالفشل الذريع والفضيحة. هكذا، انهارت أدوات مبارك القمعية والسياسية، وبقيت القوة الوحيدة للنظام على الأرض هي القوات المسلحة التي اختارت أن تبقى في جانب المراقب، من دون تدخل مباشر، حتى انتهى الأمر بخروج مبارك، وكل أركانه، وأَيضاً، خروج عمر سليمان الذي كان يمثل استمراراً لنهج مبارك. وذلك كله في ضربة واحدة، يوم ١١ فبراير/شباط، عندما قرر مبارك ترك منصب رئيس الجمهورية، وتسليم السلطة كاملة إلى القوات المسلحة، مباشرةً. في تلك الليلة، اجتمعت في يد رجل واحد، هو المشير محمد حسين طنطاوي، سلطات مطلقة غير مسبوقة في تاريخ مصر. فيمَ كان يفكر؟ مع من تشاور؟ ماذا قرر؟ أَهمية ذلك كله أَن تلك الليلة كانت البداية الحقيقية لما جرى في 3 /7.
كان عليه في البداية أَن يحدد الهدف، ويبلوره بدقة، وكان الأمر واضحاً له. الهدف هو الحفاظ على "نظام يوليو"، وكل مؤسساته التي تمثل ركائز الدولة، مع إجراء تغيير في هيكل رئاسة النظام، أي في شكل مؤسسة الرئاسة وطبيعتها، بحيث لا تكون صاحبة اليد العليا على القوات المسلحة، كما الحال في زمن الرؤساء، جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، ولكن، أن تكون القوات المسلحة صاحبة اليد العليا على الدولة، أي إجراء تغيير داخل النظام change in، وليس تغيير للنظام change off
هذا ما لم تدركه كل القوى والتيارات السياسية التي كانت في الساحة، ومنها جماعة الإخوان المسلمين. وجرت في النهر مياه كثيرة، على مدى عامين ونصف عام، حتى جاءت اللحظة الفارقة في 30 /6 /2013، وأدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، في تشكيله الجديد، عملية إعادة السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة، بالعمل على ثلاثة محاور رئيسية، بمهارة شديدة:
الأول: محور علاقات عامة، حيث تم جمع وحشد القوى المعارضة والمناهضة للإخوان المسلمين ولفكرة المشروع الإسلامي، وإيجاد تيار جماهيري يطالب بالتغيير، بل ويناشد القوات المسلحة دعمه ومساندته، والقوات المسلحة تبدي تمنعها! وفي اللحظة الحاسمة، تستدعي كل القوى المركزية الرسمية، دينية إسلامية ومسيحية ومدنية، جبهة الإنقاذ وشبابية وحزبية، ليكونوا حاضرين في المشهد الأخير.
الثاني: محور سياسي، تضمن منح مهلة للقوى السياسية قبل 30/6 بأسبوع، ثم أعقبه بإنذار اخير بعد 30/6 مدة ٤٨ ساعة، للاستجابة لمطالب المتظاهرين، أو فرض خريطة طريق للمستقبل، وكأن المجلس العسكري يبرئ ذمته مسبقا.
الثالث: وهو المحور الأهم، لأنه محور العمليات، حيث كانت القوات المسلحة قد أَتمت، قبل ٢٨ يونيو/حزيران، الانتشار العسكري الواسع، وأحكمت السيطرة على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها الحيوية، بما فيها مؤسسة الرئاسة نفسها.
وهكذا، جاء مشهد الثالث من يوليو/ تموز حداً لمرحلة الإرهاصات الثورية التي بدأت في 25 يناير/ كانون ثاني ٢٠١١، وليصحح "أساطير" كثيرة تم تسويقها للمصريين البسطاء، على مدى عامين ونصف عام، حول ثورة الثمانية عشر يوماً.
ويبقى السؤال عنوان هذا المقال ..متى يسقط الانقلاب؟
أَفيقوا يرحمكم الله