متسوّلون نصّابون في مدن إيران

05 أكتوبر 2016
يكثر المتسوّلون في طهران (بهروز مهري/ فرانس برس)
+ الخط -

مع تفاقم الأوضاع المعيشيّة في كثير من دول العالم، نشهد تزايداً في نسب التسوّل. وفي أحيان كثيرة، تستغلّ عصابات الأمر لتحقيق أرباح سهلة. إيران من تلك الدول المعنيّة.

منذ فترة، تركّز الأقسام الاجتماعية في مواقع إعلامية إيرانية على انتشار المتسوّلين في شوارع المدن وفي مقدمتها العاصمة طهران. سكّان الأخيرة كلهم، يعلمون أنّ التسوّل تزايد في مدّة لا يمكن وصفها بالطويلة. وتشير تقارير تلك المواقع إلى الفئات التي تحتاج إلى مساعدة حقيقية من قبل المعنيين لتحسين ظروفها الاقتصادية والمعيشية حتى لا تلجأ إلى التسوّل، إلا أنّها في الوقت نفسه تتحدث عن محتالين بين هؤلاء المتسوّلين. وهؤلاء قرروا تحديد الأمر كوظيفة تؤمّن لهم قوتهم اليومي، وهو ما أدّى إلى تنظيم عصابات ساهمت بطريقة أو بأخرى بارتفاع عدد المتسوّلين واستغلال أطفال ونساء.

ضجّت مواقع عدّة كذلك بأنباء تفيد بأنّ متسولين من غير المحتاجين يحصلون على مبالغ مالية قد تكون أعلى من تلك التي يحصل عليها موظف في دائرة حكومية. ورجّح بعضها أنّ منهم من يحصل على مبالغ تعادل مليونَين أو ثلاثة ملايين تومان إيراني شهرياً (600 - 900 دولار أميركي).

ونقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن رئيس مؤسسة الرفاه التابعة لبلدية طهران، فرزاد هوشيار، قوله إنّ تحقيقات ميدانية بيّنت أنّ 50 في المائة من متسوّلي العاصمة طهران، لا يلجؤون إلى التسوّل للحصول على احتياجات معيشية أولية. أضاف أنّ بعض هؤلاء يفضّلون طلب المال من المارة في مناطق شمالي العاصمة وغربها تحديداً، وهي التي تقطنها الشريحة المتوسطة والغنية. كذلك يحرصون على أن يتسولوا هناك في فترة ما بعد العصر، التي تكون الأكثر ازدحاماً.

وأشار هوشيار إلى أنّ 35 في المائة من المتسوّلين يعملون كعائلات. وباتت هذه الوسيلة رائجة، لذا يجب منعها لتفكيك العصابات التي يعود بعضها إلى أفغانستان وباكستان. كذلك بيّنت التحقيقات أنّ عدداً قليلاً من المتسوّلين يدّعون أنهم عرب من سورية ويطلبون المساعدة، إذ إنّ هذا البلد يمرّ في حرب شعواء.

ووصف هوشيار ما يحصل بـ "المعضلة الاجتماعية"، قائلاً إنّ في البلاد محتاجين، لكن ثمّة من يستغل الأوضاع كما يستغل الأطفال. وتحدّث عن برامج اجتماعية سوف تعتمدها بلدية طهران (المسؤولة بالدرجة الأولى) في المستقبل، بالتنسيق مع السلطة القضائية التي يتوجّب عليها تطبيق القانون في المقابل. وقد شدّد على ضرورة توعية المواطنين كذلك.

من جهته، صرّح النائب في البرلمان الإيراني عبد الرضا عزيزي لوكالة "فارس"، بأنّ مدينة تبريز شمال غرب البلاد، شهدت تراجعاً في نسب التسوّل بطريقة ملحوظة، عازياً الأمر إلى سياسة صحيحة اتبعتها البلدية. وقال إنّ المعنيين أحصوا المحتاجين والمتسوّلين وقدّموا مساعدات لمن يحتاجها، فيما بيّنت التحقيقات أنّ البعض يحصل على مبالغ طائلة من التسوّل. ولفت إلى أنّ في هذه المدينة مركزاً خاصاً تولّى المهمة وكشف أنّ 90 في المائة هم في إطار عصابات، مشدداً على أنّ هذا لا ينفي وجود محتاجين حقيقيين يستغلون كذلك. ودعا إلى اتباع السياسة نفسها في كل المدن، إذ إنّ إحصاء المتسوّلين وتمييز الحقيقيين منهم عن المزيفين ووضع برامج للإعانة والإغاثة قد يمنع البعض من استغلال الوضع القائم.




في هذا السياق، يؤكد المتخصص الاجتماعي حسين باهر لـ "العربي الجديد" أنّ "التسوّل بالنسبة إلى البعض بات وظيفة منظمة. وثمّة مافيات وعصابات يديرها أفراد يوزّعون المهام والأشخاص المتسوّلين على مختلف المناطق". يضيف: "من الواضح أنّهم لا يعانون من أزمات مالية حقيقية، لكنّهم يحصلون على الأموال بطريقة سهلة"، موضحاً أنّ "ترك الأمور على هذا المنوال يعني إفراز معضلات اجتماعية أخرى، من قبيل ارتفاع معدلات الاتجار بالمخدرات. وهو ما يعني نسب إدمان أعلى بين أبناء المجتمع".

ويرى باهر أنّ "المسؤولية تقع على عاتق مؤسسات الرعاية الاجتماعية وعلى المؤسسات الحكومية"، مشيراً إلى "وجوب وضع خطط مجدية لإجبار هؤلاء على الحصول على أشغال حقيقية. كذلك من الضروري فرض غرامات عليهم، بالإضافة إلى تخصيص مساعدات للمحتاجين الحقيقيين. من شأن ذلك أن يحدّ من أعداد المتسولين ويبني نظاماً اجتماعياً متماسكاً".

يبدو أنّ المسؤولين بدأوا باستشعار الخطر، وصار البعض يتحدث عن إطلاق حملة لجمع المتسوّلين من شوارع المدن. فقال رئيس الدائرة الثقافية والاجتماعية في بلدية طهران، مجتبى عبد اللهي، لوكالة "إيسنا" إنّ الدائرة تمتلك برامج توعية لحضّ المواطنين على التنبّه للمحتالين، واصفاً الأمر بالوظيفة الجمعية. إلى ذلك، نقلت وكالة "مهر" عن رئيس الدائرة الاجتماعية في الشرطة الإيرانية سعيد منتظر المهدي قوله إنّ ما يجري مرتبط بالظروف الاقتصادية والاجتماعية على حدّ سواء. لكنّه وصف ما يحدث بالجريمة وفق القانون الرسمي، بالتالي يجب معاقبة المسؤولين عنها. يُذكر أنّ 60 في المائة من المتسوّلين الذين يحتجزون، سبق واحتجزوا مرّات عدّة.

عن واجبات المعنيين في ظل تفاقم التسوّل، يقول مدير مكتب شؤون المحتاجين والمتضررين في مؤسسة الرعاية الاجتماعية، ولي الله نصر، لـ"العربي الجديد" إنّ "من الضروري بداية التعرّف على هوية هؤلاء، وهي وظيفة بلدية كل مدينة، ومن ثمّ تحويلهم إلى الإدارات التي تشرف على هذا الموضوع". يضيف على سبيل المثال، أنّ "في طهران مركزين لاستقبال المحتاجين، واحد للنساء والثاني للرجال. وهناك متطوعون يعملون لمساعدة المحتاجين الحقيقيين". ويصف نصر الأسباب بأنّها "اقتصادية واجتماعية"، لكنّه يعزو السبب الأول إلى "الهجرة من الريف للمدينة. هو ما تسبب به جفاف بعض المناطق وفقدان الرونق الاقتصادي والتنمية فيها، فدفع كثيرين نحو المدن. منهم من يقرّر التسوّل أو العمل كبائعين متجوّلين وهو أمر غير قانوني".

ويوضح نصر أنّ مؤسسته "لم تعدّ التحقيقات أو الدراسات اللازمة حول الأمر بعد"، لكنّه يرجّح أن "تكون طهران المدينة الإيرانية الأولى من حيث أكبر عدد من المتسوّلين. وحصول هؤلاء على مبالغ كبيرة شهرياً، يشجّعهم على الاستمرار ويشجع غيرهم على تجربة الأمر".