مترو موسكو... المدينة تحيا تحت أرضها

مترو موسكو... المدينة تحيا تحت أرضها

17 فبراير 2020
اكتسبت الحياة تحت سطح الأرض ملامح اليوميات العادية (Getty)
+ الخط -
بمحطات متنوعة تشبه بعضها تحفاً فنية فريدة، وأخرى يغلب عليها طابع العمارة الحديثة، لم تعد شبكة مترو الأنفاق في موسكو مجرد وسيلة النقل الأكثر سرعة بعيداً عن التكدس المروري، بل تعد رمزاً من رموز العاصمة الروسية، وشاهدة على تاريخها منذ ثلاثينيات القرن الماضي. 

افتتح مترو موسكو أمام الركاب في 15 مايو/أيار 1935، وكان يضم 13 محطة على الخط الوحيد آنذاك، ليتوسع بحلول اليوم إلى نحو 270 محطة موزعة على 15 خطاً تجاوزت نطاق المدينة القديمة، ممتدة كيلومترات طويلة خارج طريق موسكو الدائري، ليستقلها ملايين الركاب يومياً.

انطلقت أعمال بناء مترو موسكو في عام 1931 في ظروف بالغة الصعوبة، بسبب التركيبة الجيولوجية المتنوعة للمدينة، على عكس غيرها من العواصم الأوروبية، وانعدام الخبرة الهندسية والمعمارية لمد الأنفاق تحت الأرض.

مع ذلك، شكلت المحطات الأولى قاعدة لتقاليد معمارية ساهمت في مراحل لاحقة في بناء محطات مزينة بالفسيفساء والتماثيل، وتضم أقواساً تجعلها أشبه بالقصور منها إلى محطات للنقل العام.
وإبان الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، تحول مترو موسكو إلى ملجأ القنابل، إذ باتت أرصفته وأنفاقه تؤوي ما يصل إلى نصف مليون شخص أثناء الغارات الجوية لألمانيا النازية. وسرعان ما اكتسبت الحياة تحت سطح الأرض ملامح الحياة اليومية العادية وسط افتتاح المتاجر وصالونات تزيين الشعر وحتى المكتبات، كما ولد أكثر من 200 طفل داخل المترو أثناء الغارات الجوية.

لم تتوقف أعمال بناء مترو موسكو حتى أثناء الحرب، إذ شهدت تلك السنوات افتتاحا لسبع محطات جديدة ومد 13 كيلومترا من الخطوط.
وبعد الحرب العالمية الثانية، دخلت أعمال بناء مترو موسكو مرحلة جديدة، شملت الخط الدائري الرابط بين محطات السكك الحديدية والذي شكل ذروة عمارة الحقبة الستالينية، إذ زُينت المحطات الـ 12 بالتماثيل والرسومات ومصابيح ضخمة فريدة من نوعها.

وبعد رحيل جوزيف ستالين في عام 1953، اتخذت الحكومة السوفييتية قراراً بعدم الإسراف في تصميم وبناء المحطات، فباتت المحطات التي بنيت في عهد الزعيم السوفييتي الجديد، نيكيتا خروتشوف، يغلب على تصميمها طابع نمطي وزهيد قياساً بسابقاتها، ليستمر هذا التوجه حتى السبعينيات التي شهدت جمعاً بين الأسلوبين، الستاليني والخروتشوفي.

إلا أن برنامج إصلاحات "بيريسترويكا" التي أطلقها آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، في منتصف الثمانينيات وما تلاه من تفكك الاتحاد في عام 1991، ما كان له أن يمر من دون أن يؤثر سلباً على وتيرة بناء مترو موسكو حتى نهاية القرن العشرين وسط تراجع عدد المحطات الجديدة.

لكن مع ارتفاع أسعار النفط وتحول العاصمة الروسية إلى مركز اقتصادي عالمي مع بداية القرن الـ21، عاد مترو موسكو إلى التوسع، رابطاً الأحياء النائية بوسط المدينة ومتجاوزا طوق الطريق الدائري، وسط تغلب الأساليب المعمارية الحديثة على تصميم المحطات.
وبعد استكمال مد الخط الدائري الكبير بطول نحو 70 كيلومتراً، ما سيتيح التنقل بين أطراف موسكو من دون المرور بوسط المدينة بحلول عام 2023، سيصبح هذا الخط هو الأطول في العالم، مزاحماً الخط الدائري الثاني لمترو بكين والبالغ طوله 57 كيلومتراً.

ووسط تزايد التكدس المروري بشوارع موسكو وزيادة مطردة لرسوم انتظار السيارات وسط المدينة، وسوء انتظام وسائل النقل العام الأخرى، يعد القرب من محطات المترو عاملاً رئيسياً عند بحث سكان موسكو عن شقق، سواء للشراء أو الإيجار، كما يعتبر ذلك من العوامل الرئيسية لتحديد سعر المتر المربع في أحياء موسكو. وفي أحيان كثيرة، يلجأ الشباب الروس لشراء الشقق في مناطق مخطط ربطها بمترو الأنفاق في المستقبل القريب للجمع بين أسعار عقلانية للمتر المربع وآفاق تحسن البنية التحتية المحيطة في أقرب وقت.

ألغاز وقصص طريفة كثيرة تتخلل تاريخ مترو موسكو منذ إنشائه، ومنها تعطل قطار استقله ستالين داخل نفق قبيل افتتاح المترو في عام 1935، وذلك نتيجة لإصرار حرسه على إغلاق جميع منافذ التهوية حتى لا يتسلل عبرها أحد، ما أدى إلى تسخين المعدات وانقطاع التيار الكهربائي عن الخط! كما انتشرت أساطير كثيرة حول وجود "المترو-2"، إذ يؤمن كثيرون بوجود شبكة كاملة من المواقع الإستراتيجية تحت سطح الأرض في موسكو لاحتضان أعلى المسؤولين بالدولة وعائلاتهم في حال نشوب حرب، ولكنه ليست هناك أدلة قاطعة على ذلك.

جعل التنوع المعماري والتاريخي، مترو موسكو واحدا من أبرز معالم العاصمة الروسية، ولذلك اعتاد الركاب على رؤية مجموعات من السياح الأجانب قرروا إدراج تفقد أروع محطاته ضمن برنامج رحلتهم.

دلالات

المساهمون