مبالغ كبيرة لإتمام "نصف الدين" في الجزائر

مبالغ كبيرة لإتمام "نصف الدين" في الجزائر

06 اغسطس 2017
مظاهر البذخ واضحة (فايز نور الدين/ فرانس برس)
+ الخط -
"زواج ليلة تدبيره عام" مثل شعبي جزائري واضح المعنى في تطلّب ليلة واحدة هي ليلة الزفاف وقتاً طويلاً للتفكير في تفاصيله والتحضير والنفقات، وهو ما يدفع كثيرين إلى اعتبار الزواج خطوة محفوفة بالمخاطر بسبب حاجتها إلى مورد مالي كبير خصوصاً حين يتعلق الأمر بتطبيق العادات والطقوس.

يقول توفيق (37 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّه تجاوز فكرة الزواج ووضعها جانباً على الأقل لسنتين مقبلتين: "كرهت الأمر بسبب اطلاعي على كثير من تجارب الزواج، خصوصاً الأشقاء والأصدقاء. كذلك، فإنّ عائلات كثيرة تريد أن تستر بناتها، لكنّها تضع شروطاً قاصمة للظهر تدخل الرجل في حيرة من أمره".

كثيرون يترددون في الحديث عن الزواج بالرغم من أنّ معظم الشباب يسعدون لفكرة الارتباط بشريكة الحياة. يقول فريد (34 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّ تكاليف الأعراس والزواج في الجزائر باهظة جداً وتحتاج إلى العمل طوال ثلاث أو أربع سنوات عدا عن شراء بيت، فالأخير "من سابع المستحيلات بالنسبة لموظف أو شاب لم يتجاوز 35 عاماً".

تكاليف العرس الجزائري تختلف من منطقة إلى أخرى، لكنّها لا تقلّ عن 2400 يورو وهو أقل مبلغ يمكن لشاب أن يجمعه لإعداد عشاء العرس فقط، أما بقية التفاصيل فيعتبرها بعضهم تبذيراً ومظهر لفت انتباه من الأسر الجزائرية، كدليل على أنّ العروس مجهزة بأحلى الملابس والمصوغات وغيرها من المقتنيات التي غالباً ما لا تحتاجها المرأة عقب أيام من الزواج.

في مدن الشرق الجزائري، خصوصاً مدينة عنابة الساحلية تتباهى أم العروس بالحلي المقدمة لابنتها سواء كهدايا من أعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها أو من طرف زوجها. في النهاية يمكن للفتاة أن "تتسلح بأكثر من كيلوغرام من الذهب" كما يصف يزيد لـ"العربي الجديد". ويضيف: "هي فرصة للتباهي تكلّف العريس كثيراً. وبالرغم من أنّه يتلقى وعوداً بالمساعدة من الأهل والأصدقاء، لكنّهم في النهاية يتناسون ذلك".

بالرغم من جمالية الأعراس الجزائرية وارتباطها بالتقاليد، إلا أنّ هناك محسّنات مغرية أضيفت إلى العرس التقليدي والاحتفال الكبير لدى جلب العروس في موكب للسيارات يتجاوز عددها عشرين سيارة. وتفرض عائلة العريس على العروس أداء "التصديرة" وهي طقس تغير فيه العروس تسعة فساتين عرس، ولكلّ فستان حذاؤه وإكسسواراته التي تمثل كلّ منطقة في الجزائر. الغريب في الأمر أنّ هذه الفساتين التي يتجاوز سعرها 2600 يورو لن ترتديها العروس بعد الزواج لأنّها "خارج الموضة". وبذلك، تلجأ بعض النساء إلى استئجارها ليوم العرس فقط بدلاً من شرائها كما تقول سمية لـ"العربي الجديد". تشير إلى أنّ كلّ ما يجري قبل وأثناء العرس ما هو إلاّ مضيعة للجهد والمال والوقت: "بعد الزواج يجد العروسان نفسهما أمام كمّ هائل من الديون فضلاً عن التعب والإرهاق الشديد، وتبدأ مشكلة إيجار البيت".

بعضهم يطالبون بتسهيل مراسيم الزواج حتى لا يقعوا في فخ الديون: "في النهاية يدفع الزوجان الثمن" بحسب ياسين (29 عاماً). يقول لـ"العربي الجديد" إنّه تقدم لخطبة فتاة واشترط عليها ألا يقيما حفلاً باذخاً بحجة رغبته في استئجار بيت لمدة ثلاث سنوات على الأقل، فيتمكن بذلك من جمع المال لدفع أقساط بيت خاص لهما، لكنّها رفضت رفضاً قاطعاً لرغبتها في الاحتفال مثل أختها الكبرى ومثل صديقاتها.

في الغرب الجزائري تنظم الاحتفالات طوال سبعة أيام كاملة، في عادات راسخة في ولايات مثل تلمسان ومعسكر والبيض وغيرها من المدن التي تتمسك بالتقاليد، وتعطي للأعراس واحتفالات الزواج معنى عميقاً. في المقابل، يتطلب ذلك من العريس نفسه مبالغ هائلة "حتى يتمكن من إتمام نصف دينه" بحسب محمد (42 عاماً). يقول لـ"العربي الجديد": "تنتظر العريس، مع انتهاء العرس، قائمة من الديون التي يفترض عليه دفعها".

هناك من يتكل على مساعدات تأتيه في شكل هدايا من الأهل والأصدقاء، خصوصاً أنّ تجهيز البيت يحتاج لأموال كثيرة أهمها تأثيث غرفة النوم والصالون والمطبخ، وكلّها تتطلب أكثر من 400 ألف دينار جزائري (3150 يورو) وهو مبلغ ليس قليلاً مقارنة بما يحصل عليه شاب موظف أو عامل بسيط في الجزائر من راتب.

كلّ هذا يجبر بعضهم على العزوف عن الزواج بسبب الأعراس المكلفة. وبينما يخاف بعضهم من كلام الناس عن العازبين، يعتبر كثيرون العرس وتكاليفه مهلَكة للمجتمع إذ ينفر الشبان من الزواج، فيما يرتفع عدد البنات اللواتي تجاوزن سن الزواج. لكنّ الأعراس، مع ذلك، مستمرة، إذ يعتبرها كثيرون شراً لا بد منه ولو عن طريق الاستدانة.