مبادرة مروان البرغوثي... الواقع والطوباوية

مبادرة مروان البرغوثي... الواقع والطوباوية

09 مايو 2016

رسم مروان البرغوثي على جدار بين القدس وقلنديا (أ.ف.ب)

+ الخط -
على خلفية التخاذل والنكران في حق الانتفاضة، أو الهبة الفلسطينية، من جميع الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً من حركتي فتح وحماس القابضتين على زمام السلطة والإدارة في مملكتيهما الوهميتين، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وجه الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي من معتقله رسالةً يدعو فيها إلى توليد نخبة سياسية جديدة، بالعودة إلى الميثاق الوطني الفلسطيني، وتبني برنامج وخطاب التحرير، مطالباً بانتهاء حقبة خطاب وبرنامج استجداء الحقوق والشرعية الدولية، وإحداث تغيير شامل في سلوكيات السلطتين في كل من الضفة وغزة عبر إيقاف جميع أشكال التنسيق الأمني من الأولى، وعبر منح جميع الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية من الثانية، ومطالباً كلا السلطتين وجميع الفصائل أيضاً بفسح المجال للجيل الشاب، لتبوّء المراكز القيادية في منظمة التحرير، الفصائل والسلطة، بالإضافة إلى العمل على إنجاز مهمة الوحدة الوطنية، وتسخير جميع الإمكانات المادية والسياسية، لدعم تطور الهبة الفلسطينية الأخيرة، ودفعها باتجاه تحقيق أهدافها المتمثلة بتحرير كامل التراب الوطني.
تكمن أهمية المبادرة في أنها صادرة عن شخصية سياسية فلسطينية، ذات تاريخ نضالي مشهود له، وذات ثقل في الوسط الفلسطيني، وخصوصاً في أوساط شباب "فتح"، كما أن المبادرة تتزامن مع تواصل الهبة الفلسطينية للشهر الخامس، مستندةً إلى مبادرات وجهود فردية وعفوية، ما يعزز الآمال بتوالي المبادرات، من أجل تعزيز خطاب تحرير كامل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ 1948 في المرحلة المقبلة.

ومن حيث المحتوى، تعبر مبادرة مروان البرغوثي عن موقف سياسي فضفاض، يؤسس لرفض الارتباط العضوي بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً بشقه الأمني من ناحية أولى. كما تعبر عن نفاد جعبة القيادات الفلسطينية الحالية، وعجزها عن مواكبة هموم الشعب الفلسطيني وتطلعاته وآماله، ضمن الظروف والمعطيات الحالية، وهو ما دفعه إلى دعوتهم إلى إفساح المجال لقيادات شبابية جديدة، معتبراً أن ضخ الدماء الشبابية في المؤسسات التنظيمية نفسها، سواء كانت فصائليةً سلطويةً أم المراكز القيادية في منظمة التحرير الفلسطينية، قادر على إحياء هذه المؤسسات، ودفعها إلى القيام بواجباتها تجاه من تمثلهم من أبناء الشعب الفلسطيني.
غير أن المبادرة تنطلق من نظرة طوباوية للواقع الفلسطيني، وتغفل تحليل ظروف الواقع السياسي المحلي، وتركيبة البنى الفصائلية والسلطوية، سواء الناظمة لعمل منظمة التحرير، أو تلك الناظمة لعمل سلطتي الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، لتوحي المبادرة بإمكانيات تحقيق التغيير المنشود، عبر الدعوات الإصلاحية لقياداتها، وكأن أزمة البنى المؤسساتية فردية فقط. كانت لتكون هذه المبادرة أكثر فاعليةً، لو أنها أخذت بالاعتبار تبعية المؤسسات الفلسطينية لدوائر صنع القرار الدولية والإقليمية، بما فيها تبعية السلطة الفلسطينية لقوات الاحتلال الصهيونية ومؤسساته، مالياً وإدارياً وأمنياً، وما يتبع هذه التبعية من بناء مؤسساتي وفرز اجتماعي يدفعان باتجاه سيطرة الأشخاص المعبرين عن مصالح القوى الإقليمية والدولية المسيطرة والممولة لهذه الجهة أو تلك وطموحاتها. حيث نلحظ، ومنذ زمن طويل، الانفصال الكامل بين البنى السياسية والخدمية التابعة للقوى السياسية الفلسطينية ودوائر التمثيل الأخرى، (منظمة التحرير والسلطتين)، وبين مكونات الشارع الفلسطيني في جميع أماكن الوجود الفلسطيني، سواء داخل الأراضي المحتلة أو في الشتات، لتتحوّل العلاقة بين هذه البنى والشعب الفلسطيني إلى علاقات مالية ربحية، عبر استيعاب عدد لا بأس به من الفلسطينيين، ضمن وظائف داخل هذه المؤسسات، بهدف تعزيز مبدأ التبعية المالية لها، ما يحد من إمكانيات تغييرها، كما تعمل على ربط جزء آخر من خلال مؤسساتها الخدمية التي تدّعي العمل على مساعدة الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم، لتخطي ظروفهم الصعبة، وذلك من خلال مساعدات اجتماعية إغاثية، طبية، تأمين سكن، مساعدات الزواج، التعليم.....والتي عادةً ما تعطى، بانتقائية بالغة الوضوح، وفقاً لتبعية الأسرة، أو الشخص، للفصيل المشرف على هذه المؤسسات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يساهم في تعزيز التبعية المالية لهذه البنى والمؤسسات، على حساب التمثيل الشعبي سياسياً واجتماعياً، بينما نلمس، على الطرف الأخر، تبعية فصائلية لجهةٍ أو أكثرٍ، دولية أو إقليمية، وفقاً للجهة الممولة للسياسة المالية تلك، وهي تبعية تجاهر بها جميع القوى السياسية الفلسطينية، لتعبر عن شكرها وامتنانها للجهات الممولة، ومعبرة عن التزامها بالخط السياسي لها.
ونتيجةً لاختلاف القوى الداعمة، باختلاف القوى السياسية، نلمس بروز صدامات وصراعات جانبية كثيرة بين مختلف المؤسسات و البنى الاجتماعية والسياسية، بدلاً من التنسيق والتعاون، نظراً لتصادم أهداف الداعمين لكل منهم، كالاتحاد الأوروبي وإيران وقطر والسعودية، مع العلم أن جميع (أو غالبية) أشكال الدعم المادية وغير المادية الموجهة للداخل تمر عبر دوائر الاحتلال ومؤسساته، سواء المرسلة إلى السلطة، أو إلى الجمعيات الأهلية الفلسطينية، وأيضاً بغض النظر عن الجهة المرسلة، سواء أكانت جهة رسمية أو منظمة غير حكومية.
وعليه، يمكن استنتاج استحالة إصلاح هذه المؤسسات، نتيجة هيكليتها القائمة على التبعيتين، المالية والسياسية، وإنما الحل يكمن بتجاوزها، بالعمل على بناء تنظيمي جديد، معبر عن آمال المجتمع الفلسطيني وأهدافه، أينما كان، ويستمد شرعيته منه، عبر تبني برنامج التحرير أولاً، ويرفض جميع أشكال الارتباطات الخارجية، وهو ما يُلزمنا بالبحث عن أشكال التمويل الذاتية، كبناء مشاريع ربحية وبعض التبرعات الفردية غير المشروطة، وعدم إهمال التواصل والتنسيق مع جميع القوى والأطراف، خصوصاً المكونات الشعبية الداعمة لحق الفلسطينيين بتحرير كامل التراب الفلسطيني.