عادت مباحثات التهدئة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، برعاية المخابرات المصرية، إلى نقطة الصفر، بعد تغيير موقف مصر أخيراً واشتراطها إنجاز المصالحة الفلسطينية قبل الذهاب إلى اتفاق تهدئة مع إسرائيل، وهو المطلب الذي نقلته السلطة الفلسطينية إلى القاهرة ونجحت في تحصيله. غير أنّ إنجاز المصالحة بالظروف والشروط الموضوعة من السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" مستحيلة، في ظل ارتفاع نبرة التهديد بينهما، والتهديدات الأخرى المحيطة بالفلسطينيين، إلى جانب نجاح كل الأطراف المؤثرة في إشغال الفلسطينيين عن القضايا الكبرى والمعاناة اليومية للمواطنين بقضايا أقل أهمية. وكانت "العربي الجديد" قد انفردت، قبل أيام، بكشف تعرّض مباحثات التهدئة لانتكاسة عقب هذا التغير، لكن المعلومات الجديدة التي حصلت عليها "العربي الجديد" تشير إلى أنّ مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام، نيكولاي ملادينوف، مستمر في جهوده.
وتؤكد مصادر "العربي الجديد" أنّ ملادينوف مستمر في جهوده لتحقيق تهدئة وتخفيف الحصار المضروب على القطاع، لمنع تدهور الأوضاع إلى الأسوأ واندلاع حرب مدمرة ضد مليوني فلسطيني في القطاع الساحلي المحاصر. لكن جهود ملادينوف أيضاً، وفق المصادر، تصطدم برغبة مصر في الاستفراد بالملف الفلسطيني، وانزعاج السلطة الفلسطينية من تحركاته ورفضها استقباله أخيراً، كرسالة احتجاج على استمراره في محاولة الوصول إلى تهدئة بشروط تمنع عن غزة الحرب.
وبدأت الفصائل الفلسطينية في العودة إلى خيار تصعيد العمل السلمي على الحدود في كل جمعة، ولوحظ في الجمع الثلاث الأخيرة زيادة أعداد المتظاهرين بشكل يُذِّكر بالأيام الأولى لانطلاقة "مسيرات العودة وكسر الحصار". وعادت هذه الفصائل إلى السماح للشبان الغاضبين بإطلاق البالونات الحارقة وقص السياج الفاصل، في ما بدت محاولة لإعادة تحريك المباحثات من جديد، في ظل قلق الاحتلال الإسرائيلي من استمرار هذه المسيرات والحشود الأسبوعية التي باتت ترهقه وترهق أيضاً وسطاء التهدئة.
وعلى الرغم من أنّ مسيرات العودة تشهد احتكاكاً مباشراً مع الإسرائيليين، إلا أنها، وفق المعطيات الميدانية، لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، خصوصاً مع استمرار دفع الفلسطينيين وحدهم ثمنها من دماء المتظاهرين. واستشهد 174 فلسطينياً وأصيب 19600 بجراح مختلفة، منذ انطلاق فعاليات "مسيرات العودة وكسر الحصار" في 30 مارس/آذار الماضي، على الحدود الشرقية لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة، وهي المسيرات التي حركت كل هذه الجهود لإيجاد حل للأزمات والأوضاع القاسية التي تعيشها غزة.
وعلى الأرض، ووفق معلومات خاصة بـ"العربي الجديد"، فإنّ فصائل المقاومة الفلسطينية أبقت، منذ أكثر من شهر، على حالة الاستنفار في صفوفها التي أعلنتها في حينه، وعلى الرغم من تخفيضها إلى النصف، إلا أنها لم تلغِ حالة الاستنفار بشكل كامل، خشية من التطورات المفاجئة. وتبقى الحرب الرابعة، إن حدثت، معضلة كبيرة بالنسبة للفصائل الفلسطينية، في ظل غياب الغطاء العربي والإسلامي الرسمي لها، والتطبيع المتسارع من بعض الدول العربية والإسلامية مع الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي سيحرمها من الظهير العربي الشعبي أيضاً.