ما هي "عادة" سلمان العودة التي صنعت زنزانته؟

ما هي "عادة" سلمان العودة التي صنعت زنزانته؟

18 نوفمبر 2019
+ الخط -
في عام 2014، أطل علينا الداعية السعودي سلمان العودة بكتابه "زنزانة: عادة مدى الحياة"، تحدث فيها عن عادات ساهمت في نجاحه ويعد مديناً بالفضل لها، وعادات أخرى كانت سببا بتعثره وسعى جاهداً للتغلب عليها، وبين تلك وذاك خط العودة سطور كتابه، ليلهم ملايين العرب بخطوات ثابتة، نحو النجاح والتخلي عن العادات السلبية التي قد تؤثر سلباً على حياتنا شيئاً فشيئاً.

الآن ونحن على بعد شهر من العام السادس لنشر هذا الكتاب، أفكر بتمعن شديد.. يا ترى ما العادات التي لم يتخل عنها سلمان العودة في ظل حكم محمد بن سلمان، لتجعله أسير زنزانة انفرادية كمعتقل رأي مهدد بالإعدام!

تم اعتقال الداعية سلمان العودة في أحداث سبتمبر/ أيلول 2017 التي شهدت حملة اعتقال وقمع واسعة لقيادات "تيار الصحوة" بالسعودية، وحتى الآن لم يتم التعرف على التهمة الحقيقية التي تم اعتقاله بموجبها، كل التصريحات والمزاعم تشير إلى اتهامات واسعة فضفاضة متعلقة بتهديد السلم العام وتهديد الأمن القومي وغيرها من التهم التي شبعنا منها، وتكال لكل من تسول له نفسه المعارضة.

يقول سلمان العودة في كتابه "زنزانة: عادة مدى الحياة": "التكرار يرسم الطريق، مرور سيارة واحدة لن يكون مؤثراً حتى تحفر العجلات خطاً يهتدي به العابرون".
رسم سلمان العودة طريقه منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي بخطى ثابتة، ما بين تفكير متشدد لمراجعات فكرية مختلفة، جعلت منه الداعية المعتدل الوسطي الذي تأثر به الملايين في الوطن العربي.. ففي عام 1990، وقف بحزم ضد التحالف العربي الأميركي لتحرير الكويت من العدوان العراقي، وعارض "أستاذه" ابن باز الذي أفتى بجواز الاستعانة بـ"الكفار" - يقصد الولايات المتحدة - من أجل تحرير الكويت، ورد سلمان العودة على ابن باز حينها، قائلًا: "ما يحدث في الخليج هو جزء من تصميم غربي أكبر للسيطرة على العالم العربي والإسلامي بأسره". فتم اعتبار هذا الموقف أول تجرؤ واضح وصريح من سلمان العودة على السلطة الدينية والسياسية بالمملكة.

آمن سلمان العودة بأن دوره كمعيد في كلية أصول الدين لا يتوقف عند حد التوعية بالشأن الديني فقط، بل يجب أن يمتد ويتسع نحو التغيير في مجتمعه ووطنه على الصعيدين السياسي والاجتماعي، ومن هنا كان العودة من أوائل أساتذة الجامعة الموقعين على "مذكرة النصيحة" التي وجهت للملك فهد في عام 1992، داعين إياه إلى الالتزام بالشريعة الإسلامية في حكمه ومطالبين بعدة إصلاحات، وكانت نتيجة هذه الخطوة منع سلمان العودة من التدريس ثم القبض عليه وحبسه لمدة خمس سنوات بدون محاكمة.

"قلت مرة لشيخي: قرأت كتابا، ولم يعلق شيء منه بذاكرتي؛ مد لي تمرة وقال: امضغها، ثم سألني: هل كبرت الآن؟؟ قلت: لا، قال: ولكن هذه التمرة تقسمت في جسدك فصارت لحماً وعظماً وعصباً وجلداً وشعراً وظفراً وخلايا! أدركت حينها أن كتابا أقرأه يتقسم، فيعزز لغتي ويزيد معرفتي، ويهذب أخلاقي ويرقي أسلوبي في الكتابة والحديث ولو لم أشعر!".. سلمان العودة - "زنزانة: عادة مدى الحياة".

حال مواقف سلمان العودة كحال التمرة التي كانت مثال شيخه، تشكلت فتبلورت فانتشرت فأثرت فضجت بها مضاجع المستبدين. لم يتوان سلمان العودة لحظة في دعم الربيع العربي وتأييده لدرجة تفرغه لكتابة وإصدار الكتاب المحظور نشره "أسئلة الثورة"، الذي هاجم فيه النظام السعودي قائلاً:

"قد تعلن دولة عن تطبيق الشريعة باستغلال قداسة الاسم واستجلاب رضا شعبها، فتتحول قيمة تطبيق الشريعة إلى شعار سياسي؛ فالشريعة من أهم معانيها تحقيق العدالة والحكم بين الناس بالقسط وإقامة الحقوق ونصرة الضعيف وحفظ المال العام وحماية أعراض الناس وأنفسهم من العدوان والضرب أو السجن أو القتل. وقد تصبح الدولة إسلامية دون أن تعلن عن نفسها أنها كذلك بتحقيق المقاصد العليا للشريعة".

وفي كل فصل من فصول كتاب "أسئلة الثورة" كان العودة يصفع بالحجج والدلائل الأنظمة العربية المناهضة للربيع العربي. تواترت مواقف الشيخ سلمان العودة فكانت بمثابة ناقوس يدق في آذان النظام السعودي، لم يعجبهم أي من مواقفه على الإطلاق فأصبح قوله مرفوضاً وصمته منكراً، هاجم النظام السوري ورفض تكفير الشيعة فهاجمته السلطة وشيوخها. رفض حصار قطر ودعا الله أن يؤلف بين قلوب دول الخليج، فتم اعتباره خائناً وعميلاً.

حتى موقفه من عاصفة الحزم لم يكن مرضياً كفاية لهم، فعلى الرغم من تأييده لها وتصريحه بوجود اختلاف شديد وصريح بين السنة والشيعة، إلا أن منهجه في ضرورة وجود نوع من التوافق للمصلحة العامة والالتفات لمصالح الدنيا ومبادئ العدالة والمواطنة كانت بمثابة شوكة في الحلق.

طفح الكيل بالعودة وما تحمله الملك سلمان لن يتحمله الأمير محمد بن سلمان بعد الآن، فإما أن تكون كالسديس أو أن تكون كخاشقجي..

وكأن عبد الرحمن الشرقاوي يهدي كلماته إليك فيهمس في أذنك في ظلمة زنزانتك صائحاً: "الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو كلمة، شرف الله هو الكلمة".. وأنت دوماً ما كانت عادتك أن تكون صاحب كلمة حتى وإن كانت الضريبة زنزانة.

C71A4371-2627-42B2-9FA7-972208AAA982
أحمد سمير

أمارس التدوين بشكل شخصي منذ عام 2011، وبشكل محترف من عام 2014، وأنشر في عدة مواقع ومنصات مختلفة.