ما نفع الأرصدة البنكية؟
قصفت غزة، واستشهد كثيرون، والعدد الأكبر من الجرحى، عوائل بأكملها اجتثت من الأرض، هدمت بيوتها، وثمة أرامل وأيتام كثيرون، باتوا بلا مأوى. ومع هذا كله، لم يرض الأهل في غزة على أنفسهم خذلان المقاومة في تصديها لإسرائيل وآلتها العسكرية، بل دعموها، وساروا خلفها، وشدّوا من أزرها، ما استطاعوا سبيلاً. أليس الجميع في الهم شرق، كما يقال. فالرجل والمرأة والطفل، جميعهم مجاهدون مرابطون، لا يقل أحدهم أهمية عن المقاوم في الميدان.
لكن، أن يطل بعض ساستنا، ومن خلفهم كتاب وصحافيون عديدون، للاعتراض على أفعال المقاومة، تحديداً حماس، بعدما أعدمت 28 جاسوساً يعملون على الأرض لمصلحة دولة الاحتلال الصهيوني، أن يطل هؤلاء رافعين لواء الإنسانية التي انتهكت، والأخلاق التي سلبت على يد حماس وأخواتها، جراء تصرفها هذا لتنافيه مع شعورهم، وأحاسيسهم المرهفة، فهذا هو الكذب بعينه، والسقوط المدوي الذي لا يسبقه ولا يلحقه سقوط.
هؤلاء طالبوا حماس بالإعلان عن الأسباب، والدلائل والأسباب، الموجبة لإعدام العملاء، وكأنما حماس دولة ذات دستور، وقانون، مطلوب منها قبل أن تطلق صاروخاً، أو تحفر نفقاً، أو تعدم عميلًا، أن تكشف عن مخططاتها، وعن الأسباب التي قادتها إلى ذلك، بهدف إقناع هذه الثلة، بضرورة فعلها وشرعيته. وكأن حماس مطالبة باستشارتهم، قبل إقدامها على أي فعل. الإنسانيون أصحاب الأخلاق هؤلاء، وفي أثناء فترة العدوان الإسرائيلي على غزة، لم يصرحوا ولم يكتبوا كلمة واحدة تدعم المقاومة، وتعبر عن تماسك الشعب الفلسطيني في مواجهة عدوه، كخيار مصيري.
هذه الفئات، أبدعت في النقد المتحامل على المقاومة، خصوصاً نقدها حماس، لا باعتبارها أحد أذرع المقاومة، بل كونها تابعة للإخوان المسلمين على حد زعمهم. هؤلاء كالوا الشتائم والاتهامات لحماس وقياداتها من هذه الزاوية، لا إرضاءً لغرورهم، بل لسياسات الدول التي يعملون لمصلحتها. بعض الدول التي أخذت على عاتقها إنهاء المقاومة، فهل لهذه الازدواجية علاقة بحساباتهم البنكية وفللهم وسياراتهم الفارهة، مثلاً؟ وهل هذه الازدواجية تمنح ضوءاً أخضر للإنسان، للتخلي عن المبادئ السامية للإنسانية، مقابل المنافع الفردية الزائلة؟
قبل أشهر، سجنت إحدى الدول عدداً من أبنائها، وثمة أخرى عملت على سحب جنسيات عدد من مواطنيها، بحجة انتمائهم للإخوان المسلمين، أو بحجة تهديدهم الأمن والسلم المجتمعي. لماذا لم نر هذه الفئة المتنطحة للتحامل على المقاومة، وقد طالب أصحابها الدول التي يعملون لحسابها بالكشف عن أسباب عملت على سجن هؤلاء، وهل تم التحقيق معهم أم لا، أم أن المشهد برمته مجرد كذبة كبرى، الهدف منه تصفية بعض الأسماء؟
وقد يستخدم هؤلاء "التقية" لإقناع أرباب رفاهيتهم، ومن خلفهم الرأي العام، بأمور تتناسب مع توجيهات وسياسة تلك الدول. لكن، هل يمكن أن يستمر المشهد طويلاً، وهو المبني على التزوير والكذب وقلب الحقائق. أعتقد أن الأيام ستجلب الحقيقة على طبق من نور، يميط اللثام عن الأقنعة، ليعرّي الوجوه، حيث لن تجدي لا الأرصدة البنكية، والامتيازات الحياتية، والسيارات الفارهة.