ما علاقة الرقص بالانتخابات؟

31 مايو 2014
+ الخط -

"الرقصات" التي أدّاها ناخبون مصريون، بعد خروجهم من مراكز الاقتراع، أثارت جدلاً كثيراً، وغطى النقاش الدائر بشأنها على حدث المقاطعة الواسعة، وغير المسبوقة، والتي بادر إليها الشعب المصري، للانتخابات الرئاسية، وعلى السقوط الحر لحمدين صباحي، وحتى على اكتساح المشير عبد الفتاح السيسي لنتائج الاستحقاق الانتخابي. بالمجمل، تناسى الجميع الانتخابات، واشتغل بظاهرة "الرقصات " وتحليلها، بين مشيد مبتهج ومتهكم منزعج.
"ظاهرة الرقص" أمام اللجان تعتبر من إبداعات الانقلاب ورموزه ورجالاته في مصر، ودشنت مع أول استحقاق انتخابي، تم في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، فقد كانت أولى "وصلات الرقص والردح" أمام اللجان، بمناسبة الاستفتاء على الدستور في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، على إيقاع "تسلم الأيادي"، وتكررت في الرئاسيات أخيراً على إيقاع "بشرة خير"!
الجدل المثار بشأن علاقة الرقص بالانتخاب والسياسة عموماً، ما ينبغي له أن يكون أصلاً، ولو فعلت ذلك، لفتحت على نفسك أبواباً لن تسد أبداً، لأنك حينها ستقصف بأسئلة مستنكرة عديدة: إذا كنت قد استشكلت العلاقة بين الرقص والانتخاب، فهل هناك علاقة بين العسكر والسياسة من الأساس؟ وبين علاج الإيدز "وصوابع الكفتة"؟
الانقلاب هو قلب المفاهيم وهدر المسلّمات ونسف البدهيات. لذا، كان زمن الانقلاب زمن المسخرة بامتياز، فالانقلاب عمل على جعل بعض الروابط بين بعض الأشياء التي لا تقبل الارتباط عقلاً ومنطقاً وعرفاً!
لذا ساد اللامنطق في زمن الانقلاب:
عبد الفتاح السيسي دشن عهده بما سميت تجاوزاً "ثورة 30 يونيو"، ولم يكن فيها شهداء ولا مجروحون ولا معتقلون، شارك فيها الفلول وضباط أمن الدولة، ويختتمها الآن بمهزلة "الانتخابات الراقصة والصناديق الفارغة"، وبين "مسخرة 30 يونيو" و"مهزلة الصناديق الفارغة"، حدثت في المرحلة الأولى من فترة حكم السيسي (مرحلة الحكم بالبزة العسكرية) مهازل ومساخر، ربما تجعل من استشكال الرقص أمام اللجان محض عبث:
ألم تتوج في عهد عبد الفتاح السيسي الراقصة فيفي عبده أمّاً مثالية؟
ألم تتحول في عهد السيسي الراقصة سما المصري إلى مناضلة سياسية، بل وأنشأت قناة فضائية سمّتها قناة "فلول"؟
ألم تقل إلهام شاهين إنها ستنشئ قناة دينية دعوية، حتى تنشر الدين الإسلامي المعتدل على حدّ زعمها؟
ألم تُصنف في عهد السيسي "أبلة فاهيتا" متآمرة دولية، وأضحت الدمية التي تهدد عرش مصر؟
ألم تتحول الفتاة المحجبة التي لم تتجاوز 15 عاماً بلطجية يَحكم عليها بالسجن 14 عاماً بتهم عديدة، منها البلطجة وحمل أسلحة خطيرة (بلالين وشعارات رابعة)؟
 في عهد السيسي، أضحت المجازر الجماعية حدثاً عادياً، وتُرتكب في وضح النهار وعلى المباشر، بسلاح الجيش والشرطة أو من خلال منصة القضاء أيضاً، فهل رأيتم في حياتكم قاضياً يحكم بإعدام أكثر من 1000 شخص بتهمة قتل شخص؟
في عهد السيسي، بلغ "النزق الإعلامي" حدّاً غير مسبوق، فصار الإعلام مرادفاً للهستيريا والجنون، والتحق صحافيون وإعلاميون بركب المعاتيه والمخابيل، واستحال المشهد الإعلامي المصري سيركاً مفتوحاً.
في زمن الانقلاب، لم يعد "الإعلام السيسي" يجد حرجاً في أن يتفوه بهذه المعرّات: أخو أوباما إخوان. البرادعي عضو مكتب إرشاد الإخوان. أردوغان زعيم التنظيم الدولي للإخوان. الإخوان سبب سقوط الأندلس. الإخوان قتلوا بعضهم بعضاً. ثم الإخوان قتلوا أنفسهم. أسلحة كيماوية في رابعة العدوية. ملتحون ملثمون يقومون بكذا وكذا (كيف شاهدوا اللحية). منقّبة إخوانية قامت بكذا وكذا. (كيف عرفوا أنها مسلمة أصلاً)، القبض على إرهابي إخواني اعتاد تفجير نفسه (انتحاري تيرمانتور يفجر من حوله ولا يتفجر هو). القبض على إخواني لوّح بإشارة رابعة لطائرة حربية، (ربما حاول إسقاط الطائرة بإشارة رابعة).
اللامنطق الذي ساد في عهد الانقلاب جسّده عبد الفتاح السيسي بأقواله المتضاربة ومواقفه المتناقضة، والرقص الذي شاهدناه أمام اللجان لم يكن إلا تتويجاً لرقص السيسي على جميع الحبال: 
السيسي قال: "لو نزل الجيش إلى الشارع، اتكلم عن مصر كمان ثلاثين أربعين سنة"، وهو بنفسه من أنزل الدبابات إلى الشارع، وانقلب على الرئيس المنتخب، وورّط الجيش في الصراع السياسي. قال إن الإخوان استخدموا الديمقراطية سلماً فقط، وسيسحبونه بمجرد وصولهم إلى أعلى هرم السلطة، لكنه هو بنفسه، وبغرابة شديدة، سحب السلم، بإصداره قانون التظاهر، مع العلم أنه ما كان له أن ينقلب لولا تبجّحه بالمظاهرات التي خرجت ضد حكم الرئيس محمد مرسي.
هل رأيتم في حياتكم وزيراً للدفاع يعزل رئيساً منتخباً، ثم يزعم أنه ليس انقلاباً، بل ويترشح للرئاسة ليأخذ مكانه ويصرّ على أنه ليس انقلاباً؟
هل شاهدتم في حياتكم وزيراً للدفاع لا يتكلم في خطاباته ولقاءاته إلا في السياسة، ثم يزعم أنه لا دخل له في السياسة؟
هل رأيتم وزيراً للدفاع يطلب تفويضاً من الشعب ليواجه الإرهاب المحتمل، على الرغم من أن محاربة الإرهاب من صميم مهامه، ولا تحتاج إلى تفويض؟
هل رأيتم وزيراً للدفاع يطلب تفويضاً من الشعب والجيش ليترشح للرئاسة، ثم يدّعي أن الجيش لا يتدخل في السياسة؟ ومتى كان الترشح للرئاسة بالتفويض؟ لذا، عندما نشاهد الرقص أمام اللجان، ما عليك إلا أن تردّد العبارة الشهيرة للأشقاء المصريين: ولا أي اندهاش؟

 

avata
avata
مفتاح سحنون (الجزائر)
مفتاح سحنون (الجزائر)