ما زلنا نخبر أطفالنا عن الزعتر

ما زلنا نخبر أطفالنا عن الزعتر

كوبنهاغن
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
15 مايو 2015
+ الخط -

في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، نزح كثير من الفلسطينيين من مخيمات اللجوء في لبنان إلى الدول الإسكندنافية، وخصوصاً الدنمارك. لم يرَ معظمهم فلسطين يوماً، وإن كانت ذاكرة بعضهم قد حفظت حكايات كثيرة، من خلال وصف الأجداد لبلدهم، قبل أن يحل العام 1948 ويضطروا إلى مغادرة أرضهم.
يقول العم أبو نبيل الذي هاجر قبل نحو ثلاثين عاماً، إن هؤلاء الذين جاؤوا أطفالاً إلى كوبنهاغن، كبروا وتزوجوا وأنجبوا أطفالاً فيها. مع ذلك، ليس غريباً أن تجد الأطفال يتوافدون على مراكز وجمعيات تعليم الدبكة الفلسطينية.

خلال التجوال في أحد أكبر التجمعات السكنية التي تقطنها نسبة كبيرة من الفلسطينيين، يمكن تلمّس كيف استطاع هؤلاء الانخراط في الحياة العامة، والحفاظ على هويتهم. يطلق البعض على هذا المكان اسم "مخيم غيلروب" بسبب كثافته السكانية.
لدى الطلب من بعض الأطفال الذين لا يجيدون اللغة العربية التعريف عن أنفسهم، يقول غالبيتهم: اسمي فلان. ولدت في الدنمارك لكنني من فلسطين. وقد يستطرد آخرون ليحكوا عن مسقط رأس آبائهم، فيما لا يعلم آخرون إلا أنهم من أصل فلسطيني.

قبلَ ثماني سنوات، ولدت آلاء بطران في الدنمارك، تقول لـ"العربي الجديد": "أنا من غزة". "هل تعرفين غزة؟". تحكي أن والدها أخبرها عنها كثيراً. كما أن جدتها ما زالت تعيش هناك.
التقت "العربي الجديد" أطفالاً في أماكن مختلفة. كان معظمهم يتدربون على الدبكة الفلسطينية علماً أن بعضهم لا يجيد اللغة العربية. تقول مريم عرفات (13 عاماً): "صحيح أنني ولدت في الدنمارك، ولدي أصدقاء دنماركيون، لكنني أشعر بأنني فلسطينية. شاركتُ في عدد من الاحتفالات ورقصت الدبكة". زميل عرفات، الذي ولد في الدنمارك أيضاً قبل 13 عاماً، يقول: "اسمي أحمد إبراهيم. لكن أصلي من الجاعونة في فلسطين". من جهتها، تشارك يارا إبراهيم (11 عاماً) في فرقة الدبكة، وقد بدأت التدريب قبل نحو ست سنوات.

أحمد ياسين مصطفى (10 سنوات) رسم نكبة فلسطين على طريقته، وقد اختار اللون الأحمر. يقول: "هذا إسرائيلي يطخ فلسطيني". فيما تصرخ أمه بالإنكليزية: "لا. وهنا كتبت الحرية لفلسطين". طفل آخر رسم قلوباً حمراء ووروداً على علم فلسطين، وكتب عليها: "أحب فلسطين.. الحرية لفلسطين".

زكريا حسن حليحل (تسع سنوات) رسم لوحة فيها بيت فلسطيني وقد علّق على سطحه علماً كبيراً. لم ينهِ رسمته بعد. كان فيها شخص يستلقي على فراشه، وآخرون يرمون القنابل، وطائرة حربية بدأت بقذف حممها. يقول: "هكذا يُطلق الإسرائيليون النار على الفلسطينيين".
بدورها، ما زالت يارا فادي إبراهيم (11 عاماً) متأثرة بالحرب على غزة. رسمت علم فلسطين وقلباً أحمر ووسم غزة حرة. يحارُ هؤلاء الأطفال قليلاً حين نسألهم عن النكبة. معَ ذلكَ، حينَ يتناولون ورقة وقلماً لرسم ما يخطر في بالهم حول فلسطين، لا يعود البعد الجغرافي والاحتلال عائقاً. صحيح أن بعض الأطفال يعتقدون أن فلسطين هي في مخيم نهر البارد (شمالي لبنان)، المكان الذي جاء منه أهلهم، أو من مخيم برج البراجنة (بيروت)، لكن حين يكبرون قليلاً، يصبح الانتماء للهوية الفلسطينية تلقائياً. وعلى الرغم من عائق اللغة، معظمهم يستعينون باللغة الدنماركية للتعبير عن أنفسهم بشكل أفضل.

يتأثّر هؤلاء الأطفال الذين ولدوا في اسكندنافيا بعائلاتهم ومحيطهم العربي والفلسطيني بشكل عام، الذي لا تغيب عنه فلسطين، على الرغم من مرور عقود على هجرة أجدادهم وأهاليهم إلى هذه البلاد. على سبيل المثال، يعرفُ خالد إسماعيل (ثمانية أعوام) أنه "من صفد الواقعة في شمال فلسطين. بعدها لجأ جدي إلى لبنان ثم إلى الدنمارك". كان هذا الصبي حريصاً على رسم خريطة فلسطين وعلم بلاده. لم ينسَ أدق التفاصيل، مثل مسجد قبة الصخرة في القدس. عرف هذه التفاصيل من والده وجده.
السؤال عن النكبة في دول الشتات، وتحديداً في الدنمارك، قد لا يختلف كثيراً عن أولئك الذين يعيشون في مخيمات لبنان أو الأردن وغيرها. الأحاسيس تبدو متشابهة. يختلف التعبير فقط. هذا ما يسعى إليه الآباء.

نسألُ أحدهم: كيف عرف ابنك أن الجندي الإسرائيلي يطلق النار على الفلسطينيين، علماً أنه يعيش في بلد بعيد؟ يجيب: "هذا هو التحدي. قيلَ كثيراً إن الأحفاد سيَنسونَ فلسطين. لكننا بعد 67 عاماً على النكبة، ما زلنا نخبر أطفالنا عن الزعتر. نحكي لهم أيضاً أن في أرضنا بيوتاً لها مفاتيح وشعباً سيعود إليها مهما طال الزمن".
هيثم ابن السنوات الست، رسم المسجد الأقصى أيضاً. يقول إنه نقل الصورة عن شقيقه.

اقرأ أيضاً: 43 في المئة من السكان الفلسطينيين لاجئون


ذات صلة

الصورة
طفل مصاب بالسرطان ووالدته من غزة في مستشفى المطلع في القدس في 17 أكتوبر 2023 (أحمد غرابلي/ فرانس برس)

مجتمع

قرّرت المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال الإسرائيلي إعادة 20 مريضاً فلسطينياً مصاباً بالسرطان، من بينهم أطفال، إلى قطاع غزة المحاصر رغم تهديد حياتهم بالخطر.
الصورة
أطفال فلسطينيون في شمال غزة ينتظرون حصة الطعام (داود أبو الكاس/ الأناضول)

مجتمع

حذّرت الأمم المتحدة من وضع غذائي كارثي في قطاع غزة ومن مجاعة وشيكة في شماله بحلول مايو/أيار المقبل، وذلك في ظلّ غياب أيّ تدخّل عاجل للحؤول دون ذلك.
الصورة
فلسطينيون من الضفة الغربية عند حاجز قلنديا 1 (العربي الجديد)

مجتمع

تعقّد سلطات الاحتلال وصول الفلسطينيين المسنّين من الضفة الغربية المحتلة إلى المسجد الأقصى في القدس المحتلة، لأداء صلاة الجمعة في شهر رمضان.
الصورة
بات شغوفاً بعمله (العربي الجديد)

مجتمع

أراد ابن جنوب لبنان محمد نعمان نصيف التغلب على الوجع الذي سببته قذائف وشظايا العدو الإسرائيلي على مدى أعوام طويلة فحولها إلى تحف فنية.