ما بعد البيان القطري الأميركي

ما بعد البيان القطري الأميركي

01 فبراير 2018
+ الخط -
عندما ترى الولايات المتحدة ضرورة الحل الفوري للأزمة الخليجية، بشكلٍ يحترم سيادة دولة قطر، وعندما تتفق مع الدوحة في هذا المنظور، كما أشهر ذلك البيان المشترك الصادر في واشنطن، عقب اختتام الحوار الاستراتيجي الأميركي القطري الأول، فذلكما يعنيان أن على الإدارة الأميركية أن تعمل من أجل هذا "الحل الفوري"، بالجدّية اللازمة، ومن دون الاكتفاء ببعثرة التصريحات بين وقت وآخر. وعندما يقول نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، خالد العطية، إن في وسع الرئيس، دونالد ترامب، حل هذه الأزمة بمكالمة هاتفية، فذلك يعني أن الأخير، بشخصه، هو المطالَب بإطلاق ضربة البداية لذلك "الحل الفوري" الذي تلحّ عليه وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان، واللتان تنوبان عن الحكومة الأميركية في التعبير عن قلقها بشأن "التأثيرات الأمنية والاقتصادية والإنسانية الضارة للأزمة"، كما جاء في البيان المشترك الذي لا يليق بدولة عظمى، اسمها الولايات المتحدة، أن تهمل مضامينه، وأن لا تحترم ما اشتمل عليه، وهو بيانٌ يحسُن أن يقرأه الحاكمون في أبوظبي والرياض جيدا، ولا يتركونه لمواهب المبخّرين إياهم في الفضائيات والصحف إياها. 

يحسُن بالحاكمين المشار إليهم قراءة هذا البيان، بدلا من مشاركة شركائهما في المنامة والقاهرة، في مناطحة بعثةٍ فنيةٍ تابعة للأمم المتحدة، أصدرت تقريرا عن انتهاكاتٍ جسيمةٍ أحدثتها دول الحصار الأربع، ومسّت مئات آلافٍ من مواطنيها ومواطني دولة قطر، وقد ابتدعت هذه الدول أعجوبةً، في اتهام البعثة الأممية بمحاباة الدوحة. والأمل أن يتعافى من يُملون على موظّفي كتّاب البيانات الرسمية في عواصم أولئك الحاكمين من أمراضٍ نفسيةٍ مستعصيةٍ يغالبونها، لم يكن في وسعنا أن نعرف مداها، لولا قصة المحاباة هذه، واللغة الاتهامية التي تجرأوا فيها على خبراء في بعثةٍ تتبع الأمم المتحدة. والمؤكد أنهم لا يقدرون على اقتراف ابتذالٍ مثل هذا بشأن بيان قطر والولايات المتحدة التي ليست في منزلة الأمم المتحدة في عرفهم. والمأمول أن يطلب عقلاء من المتحدّث عنهم أن يتفكّروا جيدا في إشهار الولايات المتحدة ثناءً غزيرا على دولة قطر في مكافحة الإرهاب، بل وإعلانها أيضا عن درجاتٍ عليا من التعاون بينها وبين الدوحة في هذا الأمر، بينما يتسلّى مغرّدون، في منزلة وزراء ومسؤولي شرطةٍ في العربية السعودية والإمارات، بخرّافية دعم قطر إرهابا وإرهابيين. ولا يستحي مشتغلون في تلفزاتٍ وجرائد في البلدين، بعد كل السخرية التي قوبلت بها رداءاتُهم، من مواصلة الدروشة في هذه الأزعومة.
تُعلن الولايات المتحدة ما تعلنه في هذا الشأن، فيما وزراء خارجية الدول الأربع يذكّرون أنفسهم بالتي سمّوها، الصيف الماضي، ثلاثة عشر مطلبا على قطر الاستجابة لها (خلال عشرة أيام!)، كما فعلوا قبل أيام في الرياض، ثم يتوهّمون أن هذا هو قول حذامِ التي إذا ما قالت ".. فصدّقوها فإن القول ما قالت حذامِ". ولمّا كانت هذه الدول حليفةً للولايات المتحدة (كما قطر)، فإن الأدعى، بدل هذه الممارسات الكاريكاتورية، أن يفتّشوا عن أنجع السبل التي تهبط بهم من الشجرة التي ورّطوا أنفسهم في الصعود إليها. وسيجدون، على الأغلب، عونا خارجيا، من الوسيط الكويتي والحليف الأميركي، ييسّر لهم هبوطا آمنا بأقل قدرٍ من الارتدادات. ولكن المؤكد أن أولئك لن يُبادروا إلى خطوةٍ في هذا الاتجاه، من دون أن يبادر الرئيس ترامب إلى مكالمته اللازمة (أو الواجبة)، لتدشّن مسار "الحل الفوري" المنصوص على ضرورته أميركيا (وليس قطريا فحسب).
قال مسؤولون قطريون رفيعون إن في وسع بلادهم أن تكون في غنىً عن دول الحصار الأربع (أو الاثنتين؟) إلى الأبد، غير أنها، في الوقت نفسه، تلحّ على وجوب إنهاء "أزمة 5 يونيو" البائسة، من أجل خليجٍ تتحقق فيه شروط التماسك الدنيا من أجل مواجهة أخطار بلا عدد، في المنطقة، وفي الإقليم العربي عموما. ولا حاجة إلى التذكير بأن منطقة الخليج شديدة الحساسية، ومن الخطير أن تُترك لحسابات الطائشين، المدعوين الآن إلى تعداد خساراتهم التي تتراكم في غير بلدٍ، وفي غير ملفٍّ، وفي غير مسألةٍ. .. هل وصلت واشنطن، وفيها البيت الأبيض، إلى هذه البديهية، أم ليس بعد؟
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".