عندما يُطرح هذا السؤال، تأتيك الردود التالية: قرار الأندية الإيطالية تحديد سقف رواتب اللاعبين في 2010، الأمر الذي أدّى إلى هجرة النجوم. عدم امتلاك الأندية للملاعب الخاصة. قبل ذلك الكالتشوبولي - بشكل أو بآخر. كل هذا وعوامل أخرى غيرها هي الإجابات التي يلجأ إليها أغلب المحللين ومتابعي كرة القدم بشكلٍ عام، والدوري الإيطالي بشكلٍ خاص- الأسباب "المادية" والمادية فقط. -
قد يكون لهذه الأمور أثرها السلبي الواضح على الدوري الإيطالي، فبعدما كان الكالتشو في الثمانينيات والتسعينيات معقل النجوم والأسماء البرّاقة، يبدو الآن وكأنه الأرض التي تهجرها طيورها في فصل الشتاء باحثة عن أماكن أكثر دفئاً.. وقد يكون لعدم امتلاك الأندية لملاعبها الخاصة التأثير السلبي الكبير على فقر الدوري الإيطالي بشكلٍ عام.. وقد يكون للكالتشوبولي دور في فقدان الكالتشو لسمعته الكبيرة التي اكتسبها عبر التاريخ..
صحيح، أن الأمور المادية تساعد وترفع من قوّة وقيمة أي دوري في العالم، وصحيح، أن النجوم تساعد في شهرة أي فريق في العالم وأيضاً قوته، وصحيح أن سمعة أي دوري تؤثر كثيراً في كسب هذا الدوري الثقة والاحترام. لكن.. هل هذا هو فعلاً السبب الحقيقي وراء تراجع الدوري الإيطالي؟!
إذا كان كذلك، لماذا إذن نجد فرقاً مغمورة من دوريات متوسّطة المستوى تصل إلى أدوار متقدّمة من دوري الأبطال، حتى بات بعضها "أساسيّاً" في كل موسم! لماذا إذن نجد أندية غير غنيّة، لا من حيث الأموال ولا النجوم أو المدرّبين، وأصبحت بين ليلة وضحاها - بالنسبة للكثيرين - هي أهم وأخطر منافس لها في دوري الأبطال.
وأفضل مثال، على هذا الأمر، فريقا أتلتيكو مدريد الإسباني وبوروسيا دورتموند الألماني. هذان الفريقان اللذان لم يكونا يملكان ذلك الشأن الكبير في دوريهما، لم يمتلكا لا المدرّب النجم، أو اللاعبين النجوم، ولا حتى الأموال ولا يزالان! فالشهرة التي اكتسبها كل من المدرّبَين كانت من خلال تألّقهما في المواسم الأخيرة، إنْ في الدوري المحلي أو في دوري الأبطال، وكذلك الأمر مع اللاعبين.
لماذا نجد الآن الفرق الإيطالية تواجه صعوبة في اجتياز الدور الأول من دوري الأبطال، وقد كانت، من فترة ليست ببعيدة، "بعبع" الأندية الأوروبية جميعها؟
يوفنتوس، الذي يمتلك التاريخ والعراقة والذي يعتبر الأغنى في إيطاليا وممثّلها شبه الدائم في دوري الأبطال، أو ميلان، الفريق الذي سطّر اسمه بحروفٍ من ذهب في تاريخ دوري الأبطال، أو إنتر صاحب الخماسية التاريخية والمقعد الثابت "تقريباً" دائماً في دوري الأبطال، كيف يمكن لهذه الفرق أن تصل إلى مرحلة "التمنّي" باجتياز الدور الأول، أو حتى التأهل إلى هذه البطولة!! بعد أن كان الدور الأول من هذه البطولة يعتبر "فسحة" للأندية الإيطالية بلاعبيها ومدرّبيها.
لماذا وكيف يمكن لفريق مثل يوفنتوس، مثلاً، أن يلعب مباراة جميلة وقوية، يستحوذ فيها على الكرة بنسبة60%، ولا يتمكّن من الفوز أو حتى التعادل مع فريق متواضع مثل أولمبياكوس اليوناني؟
يوفنتوس تحديداً، الأموال موجودة، والنجوم موجودة. قد يكون للمدرّب يدٌ في عدم تقديم أداءٍ رفيع في دوري الأبطال، وقد يكون للحظ، أيضاً، الدور في ذلك، لكن من يشاهد مباريات يوفنتوس والفرق الإيطالية أخيراً في دوري الأبطال، يعرف أن المسألة ليست مسألة أموال أو نجوم ولا حتى "حظ".. المسألة مسألة "الثقة"، وهذا ما يفتقده الدوري الإيطالي الآن.
الثقة أولاً، وتلك العقلية القديمة التي لم يغيّرها أي تراجع في المستوى وأي نتائج مخيبة، ثانيّاً.
ثقة المدرّب في اللاعبين.. ثقة اللاعبين في المدرّب، وثقة الجميع بألوان قميص الفريق والانتماء إليه. هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى: ثقة الجميع في المواهب الشابة والأسماء الشابة.
هذه "آفة" يجب أن يتم معالجتها في إيطاليا. عدم الثقة في اللاعبين الشباب وتركهم يغادرون الدوري الإيطالي أو البقاء في الأندية الضعيفة، بدلاً من الاستفادة منهم محليّاً ومع الأندية الكبيرة أو حتى المنتخب..
من جهته، بدأ مدرّب المنتخب، أنطونيو كونتى، بالفعل يستفيد من هذا الأمر.. وبدأ يغيّر من تلك العقلية. على أمل أن تنتقل هذه العدوى إلى باقي المدربين في الدوري الإيطالي ورؤساء الأندية، خصوصاً مع التغيير الذي طرأ أخيراً على "أسلوب" الدوري الإيطالي، الانتقال من الكاتيناتشو "الخالصة" إلى "النزعة الهجومية"، ومع عدم قدرة الأندية الإيطالية على شراء المهاجمين النجوم لتنفيذ هذا التغيير، لهذا، يجب الاستعانة و"الثقة" في المواهب المغمورة الموجودة في إيطاليا للتمكّن من سدّ تلك الثغرة التي تُغرق الدوري الإيطالي شيئاً فشيئاً.
للكاتبة..https://twitter.com/ShifaaMrad