ما الذي تعلمناه من رابعة بعد 5 سنوات؟

ما الذي تعلمناه من رابعة بعد 5 سنوات؟

14 اغسطس 2018
+ الخط -
5 سنوات مرت.. والسؤال اليوم ما الدرس الذي يجب أن نتعلمه من مذبحة رابعة العدوية؟
غير الحديث عن ضحايا رابعة (القتلى - المصابين - المفقودين)، وإعادة نشر صور ومقاطع فيديو ربما هي الأبشع في تاريخ مصر الحديث..

جثث وقتلى وجرحى قتلوا في ساعات معدودة.. قصص وحكايات عن أسر فقدت معيلها أو طفل فقد أمه، جثث محروقة.. وأخرى مفقودة حتى الآن لا يعلم شيء عن مصيرها.. صور لشباب وفتيات توقفت حياتهم برصاصة قناص.

كل هذا مؤلم وقاسٍ ولا تكفي سطور للتعبير عنه ولا كلمات تكفي لعزاء ذوي الضحايا.. والآن نعود إلى الدرس الأهم من وجهة نظري.. وهو "قيمة الإنسان وحرمته التي حرمها الله".
هذه القيمة اختلت في مصر، فالتهليل للقتل والتحريض على العنف وأحياناً الدعوة الرسمية للإبادة الجماعية.. كل ما سبق مشاهد حدثت بالفعل.. ليس فقط بين السلطة ومعارضين، بل بين تيارات سياسية وبعضها البعض، كُتاب ونشطاء وصحافيون وسياسيون وشيوخ شاركوا في هدر قيمة حياة الإنسان وشرعنة العنف تجاه المختلفين..


الذي أقوله هنا: أن نجرد قضية اعتصام رابعة العدوية التي تم فيها قتل أكثر من ألف إنسان -حسب تقدير هيومن رايتس وتش- أو أقل من 700 -حسب تقدير وزارة الصحة- على يد الشرطة والجيش في يوم واحد.. وعلى وجه الدقة فقط في 10 ساعات، أن تُجرد هذه القضية تماماً من تبعيتها لفصيل ومن استخدامها في أي حسبة سياسية، أن تُأخذ بعيداً عن المزايدة بها أو التقليل منها.. أن يُرتفع بها فوق الخصومات والخلافات.

ليست رابعة فحسب بل وكل موقع منذ ثورة يناير أزهقت فيه روح إنسان بغير وجه حق على يد السلطة أو فصيل أو فرد أو بتحريض من إعلامي أو كاتب أو ناشط أو شيخ، يُطلق هذا كله كمنطاد مرتفع فوق كل واقعنا المتخاذل المقهور وخلافاتنا الضيقة، ونرفع من قيمة الإنسان..

ولا بد أن يكون واضحا لنا وراسخا في وجداننا ووعينا أن "العنف - خطابات الكراهية - التحريض - التشفي"، تجاه أي فصيل أو شخص أيا كان انتماؤه.. جريمة.. والله جريمة!

هذا ما يجب أن نردده في كل ذكرى المذابح "يناير - ماسبيرو - محمد محمود - العباسية - النهضة - رابعة" وغيرها.. لا يجب أن نسمح للقاتل ولا لقطعان المهللين أن يمحوا ذاكرة الوطن أو يستغلوا تتابع الأحداث في محو الثُمن الذي دُفع.

الإيمان بهذه القضية ورفعها كشعار يكفيه الكلمات والذاكرة حتى تسمح الظروف بأكثر من ذلك.. هذا الأمر لنا نحن -كمعارضين- لا للسلطة..

لا حديث هنا عن "قصاص" أو "محاسبة الجناة" أو محاكمات سياسية ولجان تحقيق حيادية فكل هذه الأمور بعيدة المنال.. أنا أحدث نفسي وأحدث من يؤمنون بحرمة الدم، أتحدث هنا عن درس مُسطر يبقى في الذاكرة.. ولن يبقى بدون جهد أو اجتهاد..

النظر من زاوية مختلفة لأكوام الركام.. لأحلامنا التي اغتيلت.. وكياناتنا التي تفككت وأواصلنا التي تقطعت.. فيكفينا أن نتعلم هذا الدرس العظيم.

اليهود الفئة المستضعفة المنكل بها بعد الحرب العالمية الثانية لم يدخروا جهداً ولا سبيلاً لأجل أن يحفروا في ذاكرة العالم "الهولوكوست" لم يتركوا العالم ليبكي من أجلهم من تلقاء نفسه، استغلوا ذلك أحسن استغلال.. حتى أن إنكار المحرقة في بلدان كفرنسا أو ألمانيا أو كندا من الممكن أن يجردك من عملك ويزج بك في السجن.. أفلام سينما وكتب ومتاحف وقوانين شُرّعت.. للانتصار لحق ضحايا الهولوكوست.

ليسوا هم وحدهم، دول أخرى مرت بتاريخ من العنف تعلمت من التجربة وأدركت أنه لا طائل من الكراهية واتخذت إجراءات قوية للمصالحة والتسامح ونبذ العنف والكراهية.. رواندا نموذجاً..

الذي يجب أن يبقى من المذابح ليس المزايدات ولا الصور ولا النحيب، بل ترسيخ لقيم الإنسانية ونبذ الكراهية والعنف، ووطن يتبنى المساواة والحرية بين جميع أبنائه..

لنبقى كما نحن مختلفين وخصوما وأندادا إن شئنا في كل ميدان.. ولكن متفقون على قيمة الإنسان وحريته وحرمة دمه فضلاً عن أفكاره، يوماً ما سينتهي هذا الجنون الذي يحدث على أرض مصر، طال الوقت أم قصر فلن يبقى للأبد، ليس تفاؤلاً ولا أضغاث أحلام، وإنما هو التاريخ الذي يُقر بذلك والبشر الذين لم يكتب لهم الخلود.. سينتهي كما انتهى عبد الناصر.. وهتلر وموسوليني، سينتهي كما خورخه فيديلا وبينوشيه وكنعان ايفرين..

ساعتها الدرس الذي يجب أن يبقى محفوظاً إن كنا أحياء، أو يورث إن كنا أمواتاً.. أن حياة الإنسان هي الأغلى وأن الاعتداء عليها لن يأتي بخير لأحد.