مالكوم إكس..كشف الغطاء عن كراهية السود في أميركا البيضاء

مالكوم إكس..كشف الغطاء عن كراهية السود في أميركا البيضاء

13 يونيو 2020
المنصة التي اغتيل عليها مالكوم إكس بست عشرة طلقة(ويكيبيديا)
+ الخط -

في السيرة الذاتية للناشط الحقوقي الأميركي الأسود مالكوم إكس (1925 /1965) كثير من التفاصيل المثيرة، عن المجتمع الأميركي ووضعية السود في أميركا خلال تلك الفترة الحاسمة من نضال السود من أجل نيل الحقوق المدنية.

وهو يشكل إلى جانب مارتن لوثر كينغ أحد وجوه النضال ضد العنصرية، مع اختلاف كبير في الأساليب وفي الأداء الجماهيري لكل واحد منهما، واشتركا في النهاية المأساوية، إذ اغتيلا في وقت متقارب.

لم يكن مالكوم إكس، كما يروي ذلك في مذكراته، التي كتبها الصحافي والكاتب الأميركي الشهير أليكس هيلي وترجمتها إلى العربية الكاتبة والأستاذة الجامعية المغربية في أميركا، ليلى أبو زيد، سليل الطبقات السوداء الرفيعة، ولا صاحب شهادات عليا، ولا ممارساً لمهنة نبيلة، كما هو شأن العديد من وجوه السود الأميركان في تلك الفترة، والذين كانوا يسعون عبر التعليم والمال إلى الارتقاء إلى صفوة المجتمع الأميركي.

هو ابن أسرة فقيرة، ولد في أوماها، بولاية نبراسكا، وكان الرابع في ترتيب إخوته الثمانية، كان والده قساً في كنيسة معمدانية، وناشطاً في جمعية للدفاع عن الزنوج، سرعان ما سيتعرض للتصفية الجسدية على يد منظمة كوكلوكس كلان، وهي منظمة للبيض العنصريين.

أصبحت أمه أرملة وهي في الرابعة والثلاثين. وسرعان ما ستزداد أحوال العائلة سوءاً، خصوصاً مع توقف الدعم الاجتماعي وتعرض الأم لانهيار عصبي أدخلت على إثره إلى مستشفى الأمراض العقلية، ليجرى توزيع الأطفال الثمانية على عدد من الكفلاء، وكانت من حظ مالكوم أسرة من البيض.

وفي تلك السنوات، وبحكم أنهم كانوا تقريباً الأسرة الزنجية الوحيدة في المدينة الصغيرة، كان يطلق عليهم حرفياً اسم "الزنجي أو الأسود" من دون ذكر لأسمائهم. لقد صار الأمر معتاداً في نظر مالكوم، وهذا لم يمنعه من تدشين سيرة دراسية لامعة، حتى المرحلة الثانوية، وهناك سيقع التحول الأول الكبير في حياته، حينما عبر لأستاذه عن رغبته في دراسة المحاماة، هذا الأخير نصحه بأنه لا أمل له في هذه المهنة التي كانت حكراً على البيض، داعياً إياه إلى التفكير في مهنة أخرى، مثل النجارة مثلاً، إذ تناسب قدراته الجسدية الجيدة.

يسجل مالكوم إكس، في مذكراته تلك، لحظات مؤلمة احتفظت بها ذاكرته، وهو طفل، يقول "قالت لي أمي، إنه ذات ليلة وهي حامل بي جاءت إلى بيتنا إلى أوماها، نبراسكا، على ظهور الخيل، جماعة الكوكولوكس كلان بقلنسواتها وطوقت البيت وهي تهدد ببنادقها، وتأمر أبي بالخروج. وقالت إنها فتحت الباب ووقفت بحيث يرون بطنها ثم قالت لهم إنها وحدها في البيت مع أطفال صغار، وإن أبي قد ذهب إلى ملووكي ليلقي وعظه. وقالت إنهم حذروها من مغبة ما ينتظرنا إن نحن لم نغادر البلدة لأن "البيض الطيبين" قد نفد صبرهم على الفتنة التي يزرعها أبي بترويجه أفكار ماركوس كارفي بين زنوج أوماها.

كان أبي، القس أورلي من أتباع ماركوس كارفي الذي أنشأ في هارليم بنيويورك الجمعية العامة لتحسين ظروف الزنوج، وشرع ينادي في إطارها بصفاء الجنس الأسود وضرورة عودته إلى أرض أجداده أفريقيا، الأمر الذي تسبب له في متاعب كثيرة".

بعد هذا التهديد الأول، ونتيجة لأن الأب لم يتراجع، ستمر هذه الجماعة العنصرية إلى التنفيذ، فقد كان صعباً عليه أن يعود إلى الوراء هو الذي رأى البيض يقتلون ثلاثة من إخوته الستة ويعدمون واحداً من دون محاكمة، بينما قتل أخ آخر له برصاص الشرطة في الشمال. وفي النهاية سيجرى قتل والده بطريقة بشعة، بعد أن هاجمه البيض بهراواتهم وهشّموا رأسه ورموه في طريق حافلة دهسته ليغطوا على جريمتهم. يقول مالكوم إكس "لقد كان عندي دائماً شعور غريب بأنني أنا أيضاً سأموت مقتولاً، فاستعددت لذلك ما وسعني الاستعداد".

يقدم مالكوم صورة مفصلة عن المجتمع الزنجي في تلك الفترة من تاريخ أميركا في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي "كان زنوج لانسينغ في حالة مزرية وما زالوا نوعاً ما. ذلك أنني لا أعرف مدينة أميركية تضم قدر ما تضمه لانسينغ مما يدعى بـ "الطبقة الزنجية المتوسطة" أو بعبارة أخرى المستسلمة والضالة واللاهثة وراء الاندماج. لقد كنت في الأيام الأخيرة أكلم زوجين أفريقيين في مبنى الأمم المتحدة، عندما اقترب مني زنجي أميركي وقال "ألا تذكرني؟" فشعرت بالحرج لأنني حسبت أنه شخص يجب أن أذكره، ثم اكتشفت أنه أحد وصوليي زنوج لانسينغ الذين لم يكونوا ليُروا على مقربة من أفريقي حتى أصبحت عندهم معرفة الأفارقة تميزاً طبقياً".

ويضيف "كان الزنجي الناجح في لانسينغ هو النادل أو ماسح الأحذية أو بواب المتاجر. وكانت النخبة هي نادلو نادي لانسينغ القروي وماسحو الأحذية في مبنى الولاية، وكان من لهم أي مال يذكر هم أولئك الذين كانوا يديرون دور القمار أو يستغلون فقراء الزنوج. ولم يشرع مصنعا ريو واولدز موبيل في تشغيل بعض الزنوج حتى بدأت الحرب. وكانت الأغلبية العظمى إما تعيش من المساعدة الاجتماعية وإما تموت جوعاً.


وقد جاء اليوم الذي أصبحنا فيه من النوع الثاني مع أننا كنا نزرع أكثر طعامنا في تلك البرية التي كنا نسكن فيها، على عكس زنوج المدينة الذين كنت أراهم في وعظات أبي يتصايحون طمعاً في حياة أفضل في الدار الأخرى، بينما البيض يتمتعون بها هنا، في هذه الدار".


نقطة التحول

بعد مقتل الأب على يد البيض، سيعيش مالكوم وإخوته تحت رحمة رجال المساعدة الاجتماعية، الذين كانوا يسعون إلى انتزاعهم من أمهم تحت أي سبب، وهكذا مارسوا الضغوط عليها، إلى أن انهارت، وأصبح من العسير عليها ضبط الأمور، وقد بدأ مالكوم في تلك الفترة يخرج عن الطور، يقول "ثم بدأت أمسك وأنا أسرق، وبدأ موظفو المساعدة الاجتماعية يركزون علي كلما جاؤوا إلى البيت ويتكلمون على اعتقالي، الأمر الذي أثار غضب أمي من جديد. وقد كانت تضربني كلما سرقت ولا تعبأ بصراخي، وأنا معتز بكوني لم أرفع يدي على أمي أبداً".


تفكك العائلة

بعد اشتداد الضغوط النفسية على أمه سيجرى إدخالها إلى المستشفى، وهكذا قامت سلطات الولاية بتوزيع الإخوة على بيوت البيض، لكن مالكوم سيدخل سجن الأحداث بعد أن ارتكب حماقة في حق مدرسه، وفصل من المدرسة بسبب سوء السلوك. ومع ذلك واصل تعليمه الثانوي من الإصلاحية، حيث اعترف الجميع له بالنجابة، وكان الأول على صفه. بل إنه لمع في عدد من الأنشطة الثقافية والرياضية التي كانت تقام في البلدة، وسينتخب قيماً على الصف الأول ثانوي بسبب درجاته العالية. وهنا سيحس مالكوم بأول طعم لتحقيق الذات: زنجي يرأس البيض.

وبعد أن زار بوسطن، سيقف مشدوهاً أمام تحولات المجتمع الزنجي، إذ تعرف هناك إلى أندية "المجتمع الأسود" وإلى زنوج يحاكون حياة البيض، وسيسمع لأول مرة بزنوج دترويت ونيويورك وشيكاغو، وتعجب أن في العالم كل هذا العدد الكبير من الزنوج.


من بوسطن إلى هارليم

سينقطع بعد ذلك عن الدراسة، بعد أن تغير مزاجه، وأصبح أكثر صمتاً وعزلة، يكتب "ولو كان المستر ستراوسكي قد شجعني على المحاماة، لكنت الآن بورجوازياً أسود يرتشف الكوكتيلات ويلتقط الفتات، ويستجدي الاندماج ويزعم أنه يدافع عن حقوق الجماهير السوداء. لله الحمد على أن هيأ لي الذهاب إلى بوسطن، لولا ذلك لكنت ما أزال مسيحياً راضياً بحالي في خنوع".

وفي بوسطن، سيولد مالكوم ولادة جديدة، حيث سينفتح على الحياة، ليتعرف إلى القاع الاجتماعي وعلى حياة الليل هناك، وسيلمع نجمه في أوساط تجار المخدرات واللصوص والعصابات. بعدها سيرحل إلى نيويورك، حيث سيعيش عالم هارليم الخطر، وسيكتسب الكثير من التجارب، التي ستكشف له عن الدونية والمهن الوضيعة التي كان يعمل فيها السود.

يقول "كانت نيويورك بالنسبة لي جنة، وهارليم أعلى درجاتها. وقد بقيت أتردد على سمولز وعلى بار برادوك حتى بدأ العمال هناك يشرعون في إعداد شرابي عندما يرونني داخلًا"، وهناك سيكتسب صيتاً وسط هذا العالم الحافل بالإجرام والمخدرات والبغاء والممنوعات.

وفي الوقت نفسه، سيعرف الوجه الآخر للمجتمع النيويوركي، حيث يحج الأثرياء نساء ورجالاً إلى هارليم، بحثاً عن اللذة الممنوعة، من جنس ومخدرات، في حين أن ما زاد من مكانة مالكوم هو صديقته البيضاء صوفيا، فقد كانت هارليم كما يصفها في هذا الوصف البديع "هارليم بأكملها تعيش من مصادر غير قانونية لمصارعة الموت، ثم تتخدر لتنسى".

إنه يقول مثلاً، عن عقدة الزنجي "ما عليك إلا أن تضع امرأة بيضاء على مقربة من زنجي وسيستجيب. والرجل الأبيض من جهته يميل للمرأة السوداء، ولكنه من الدهاء بحيث يخفي ذلك".

من "أمة الإسلام" إلى الاغتيال رمياً بالرصاص

سرعان ما ستنتهي مغامرة نيويورك، بعد أن اكتسب مالكوم وضعاً، إذ سيصبح مطارداً من قبل عصابة تسعى لقتله، وتحت أعين رجال الشرطة والإف بي آي، فيقرر العودة إلى بوسطن للبدء من جديد بناء على نصيحة أصدقائه. وبما أنه النيويوركي العائد، فقد وجد له مكاناً بسرعة في عالم الليل في بوسطن، وقد كانت مغامراته في هارليم حديث عصابات بوسطن.

ورغبة منه في كسب المال بسرعة، سيقوم بتشكيل عصابة لسرقة البيوت، مع صديقته البيضاء صوفيا، وبعد أن أصبح في بحبوحة من العيش سيجرى القبض عليه، وسيحاكم بعشر سنوات سنوات.

يقول عن تجربة السجن تلك، التي ستغيره إلى الأبد "وأنا أنتهز الفرصة لأقول لكل من يحملون مشاعر إنسانية فكروا طويلاً قبل أن تصوتوا على وضع أشخاص آخرين داخل أقفاص. أنا لا أقول إن السجون يجب أن تغلق. أنا أقول إنها يجب أن تكون بلا قضبان. إن رجلاً يوضع داخل القضبان لا يمكن أن يصلح أو ينسى، لأنه لا يمكن أن يتغلب على ذكرى القضبان أبداً مهما حاول أن يمحوها من ذاكرته، لقد تكلمت مع رجال كانوا في السجن، وأدهشني أنهم نسوا كل وصماتها إلا وصمة القضبان".

نقطة التحول ستبدأ هنا، إذ سيقلع عن المخدرات في السجن، وعن أكل لحم الخنزير، ثم بعد ذلك، عن طريق أحد إخوته سيجرى ربطه بالإيجا محمد، زعيم منظمة "أمة الإسلام"، التي كانت قد بدأت تتغلغل وسط السود الأميركيين وتكتسب لها وضعاً معتبراً، وتدعو إلى الحقوق المدنية للسود، وتحذّر من هيمنة الرجل الأبيض، بعيداً عن العنف.

وبعد أن نقل إلى سجن نورفولك التربوي سيتمكن مالكوم من تطوير قدراته الخطابية ومن الدراسة بعمق في مكتبة السجن، كما تمكن من أخذ محاضرات على يد أساتذة من هارفارد كانوا يزورون هذا السجن النموذجي لإجراء أبحاثهم على السجناء.

وبعد مراسلات مع الإيجا محمد، نصحه هذا الأخير بالصبر، وبأن الفرج قريب، وفي تلك الفترة أعلن مالكوم إسلامه، وتفرغ للعبادة في السجن، في انتظار الإفراج عنه، بل إنه طور نشاطه وبدأ بإرسال رسائل إلى عدد من السجناء السود المشاهير يدعوهم فيها إلى الإقلاع عن حياتهم السابقة واعتناق الإسلام، حتى إنه خاطب مسؤولين وشخصيات من المجتمع الأميركي، مما جعله يطور أساليبه البلاغية والخطابية، وملكاته التي اكتسبها عندما كان بائعاً متجولاً في أسواق هارليم، حيث كان يسحر الزبائن بأسلوبه وهو يبيعهم بضاعته.

يقول عن دعوة الإيجا محمد "إذا كانت تعاليم السيد محمد قد انتشرت في أميركا ووصلت إلى الزنوج الذين لم يسلموا فذلك لأنها تعكس واقعهم، إذ كان بالفعل لا يكاد يكون هناك زنجي واحد أو حتى رجل أبيض واحد سبق له أن قرأ في كتاب أي شيء عن دور السود في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية".
سرعان ما سيكسب مالكوم ثقة الإيجا محمد بعد خروجه من السجن، وسينضم إلى جماعة "أمة الإسلام"، ليصبح الناطق الرسمي لها، والوجه الإعلامي الأبرز الذي تحاوره الصحافة ووسائل الإعلام الكبرى في ذلك الوقت، كما أنه كان من كبار مرافقي الإيجا في التجمعات الخطابية الحاشدة في الولايات المتحدة.

لكن خلافاً سينشب بين الرجلين، بعد تصريحات مالكوم حول مقتل جون كينيدي، الذي قال عنه بأنه نال جزاء فعله، متشفياً بمقتله، ما جلب عليه غضب الرأي العام الأميركي، وغضب الإيجا، وكانت نتيجة ذلك أن أوقف الرجل عن التصريح، وجرد من كثير من مهامه كخطيب وكقيم على عدد من المساجد.

في الوقت نفسه، كانت الشائعات تتناسل حول علاقات جنسية مشبوهة للإيجا محمد مع سكرتيراته، وحملهن منه، وحين أراد مالكوم أن يتحقق بشكل مباشر من الإيجا، وقعت القطيعة بين الرجلين.

في تلك الأثناء قام مالكوم برحلة إلى مصر ومكة للحج، في سنة 1964، وهناك كما يقول سيكتشف الإسلام الصحيح، وسيغير الكثير من أفكاره حول علاقة السود بالبيض، داعياً إلى التعايش بدل الصدام، ومعتبراً أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يجمع جميع الأعراق والألوان تحت رايته دون تمييز.
وقد غيّر اسمه وأصبح: مالك الشبّاز، وزار الجزائر ومصر والتقى جمال عبد الناصر وبن بلة، كما زار السودان ودولاً أفريقية أخرى، وحين عاد إلى أميركا، أسس جماعة "أهل السنة والجماعة".

واصبحت حركته الجديدة تشكل خطراً على "أمة الإسلام"، فصدر أمر باغتياله، وقد شعر بأن حياته أصبحت مهددة بعد حادث إضرام النار في منزله، وهذا ما سيتحقق عندما أُطلق عليه الرصاص في تجمع خطابي في قاعة الأوديون، في منهاتن. يقول كاتب مذكراته "وضع مالكوم إكس يده على صدره عندما أصابته أولى الرصاصات الست عشرة، ثم ارتفعت يده اليسرى، كانت أصابعها مهشمة بالرصاص وكان الدم يتدفق من لحيته الصغيرة".

هذا هو المشهد الأخير في سيرة رجل أسود من زمن المطالبة بالحقوق المدنية.

المساهمون