ماكرون وفيروز

ماكرون وفيروز

01 سبتمبر 2020
ماكرون للصحافيين: فيروز أوصتني بلبنان (تويتر)
+ الخط -

حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مستهل زيارته الثانية للبنان، على الذهاب رأسا إلى بيت فيروز. هل يصح في حالة فيروز أن نقول: الفنانة، أم المغنية، أم المؤدية، أم وصفا آخر؟

ذهب ليعطي لزيارته السياسية، التي تأتي لتنصيب الحكومة اللبنانية الجديدة، بعد انفجار مرفأ بيروت، بعداً رمزياً وثقافياً، حيث السياسة الفرنسية تلعب دائماً جنباً إلى جنب التقاليد الثقافية والبريستيج الباريسي.

يعرف ماكرون لعبة الرموز، ففيروز أرّخت للحرب والسلم في أغانيها، وحلمت بلبنان السلام، ذلك الأمل الذي كان معفراً بدماء الحرب الأهلية، والمؤامرات الطائفية، والاحتلال الإسرائيلي. لقد كان قدر الجغرافية السيئ الحظ، أكبر من الأحلام والسلام.

ولكن، لا بد للحلم أن ينتصر في النهاية، ويلوذ المتحاربون إلى "استراحة المحارب". فليست المرة الأولى التي تحظى فيها السيدة فيروز باهتمام رئاسي فرنسي، فقبل ماكرون كانت فيروز قد نالت إعجاب رؤساء فرنسيين آخرين. فقد منحها الرئيس فرانسوا ميتران وسام قائد الفنون والآداب عام 1988، ومنحها الرئيس جاك شيراك وسام فارس جوقة الشرف عام 1998. كل هذه الاحتفاءات جاءت في أوقات حساسة، كان فيها لبنان يخرج من مآزق تهدد وجوده، أهمها ويلات الحرب الأهلية ومخلفاتها، التي ما تزال تلاحق البلد حتى الآن.

يعرف ماكرون لعبة الرموز، ففيروز أرّخت للحرب والسلم في أغانيها، وحلمت بلبنان السلام، ذلك الأمل الذي كان معفراً بدماء الحرب الأهلية، والمؤامرات الطائفية، والاحتلال الإسرائيلي. لقد كان قدر الجغرافية السيئ الحظ، أكبر من الأحلام والسلام

جاء ماكرون لينصّب الحكومة الجديدة، حكومة الضرورة القصوى والسرعة النهائية، فالوقت لا يسمح. وقد حرص على أن يأتي من باريس، وكل الأوراق مرتبة، بما فيها ورقة الحكومة، وورقة الزيارة الرمزية.

لقد كانت فرنسا دائما تعرف بحذاقة كيف تشتغل على الجوانب الثقافية، وتعمل على استثمارها... إنها لعبة القوة الناعمة التي تجيدها منذ كلود ليفي ستراوس إلى الآن. ماذا قالت له المغنية الثمانينية (86 عاما)، وأي حديث أسرت له به؟ قال ماكرون، باقتضاب للصحافيين: "لقد أوصتني بلبنان، وأنا عاهدتها على العمل لصالحه".

في المقام الثاني، لا أحد تذكر السيدة المحتجبة عن الأنظار منذ مدة طويلة، ولا سياسي واحد من هؤلاء الذين يملأون الفضاء الإعلامي فكر في مثل هذه الزيارة "الكريمة" لرمز وطني وعربي كبير. تناساها الجميع في صراع لعبة المصالح، هي التي غنت للبنان ولبيروت ولفلسطين وللعرب، إلى أن جاء الغريب ليعلمنا "الأدب".