مافيات ومصالح سياسية واقتصادية تتحكم بالجنيه المصري

مافيات ومصالح سياسية واقتصادية تتحكم بالجنيه المصري

08 اغسطس 2016
عند الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة(سعيد الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -
قبل حوالي عشرة أشهر، وتحديداً في سبتمبر/ أيلول 2015، أعلن أشرف سلمان الذي كان يشغل منصب وزير الاستثمار المصري، خلال مؤتمر "اليوروماني" الذي استضافته القاهرة "أن تخفيض الجنيه المصري لم يعد خياراً في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية حالياً". 

حينها اشتعلت المضاربات على الدولار بالسوق السوداء وقفز من مستوى 8 إلى 8.15 جنيهات. وأثارت التصريحات ضجة واسعة في أوساط الشارع الاقتصادي إزاء تعدّي وزير الاستثمار على اختصاصات محافظ البنك المركزي وترويج أنباء من شأنها تأمين تربّح المضاربين على حساب استقرار العملة الوطنية.

وعلى الرغم من اتهام وزير الاستثمار للصحافيين بأنهم أخطأوا في نقل تصريحاته، إلا أنه بعد مرور شهر واحد من التصريحات، خفض البنك المركزي فعلياً سعر الجنيه من 7.73 إلى 7.83 ثم إلى 8.03 جنيهات مقابل الدولار.
هذه التصريحات كانت بداية التلويح بوجود مصالح جديدة تربط مسؤولين حكوميين بسوق المضاربة في العملة.

"الموقف نفسه تكرّر مرةً أخرى، لكن النتائج كانت مؤثرة للغاية. فمحافظ البنك المركزي طارق عامر أجرى لقاءات صحافية مطلع يوليو/ تموز الماضي للتأكيد على أن سياسة الحفاظ على سعر الجنيه كانت خطأ فادحاً، وأن المساعدات والودائع التي حصلت عليها مصر من
ثورة 2011 بقيمة 22.5 مليار دولار أُهدرَت بسبب استهدافها تدعيم سعر الجنيه. هذا كله كان إشارة واضحة إلى وجود خفض جديد لسعر الجنيه"، يقول أحد خبراء الاقتصاد.

ويضيف أن محافظ البنك المركزي سارع مرةً أخرى، على غرار وزير الاستثمار، إلى نفي نية خفض الجنيه، ولكن على الجانب الآخر كانت الإشارة واضحة للمضاربين الذين كسبوا ملايين الجنيهات، بعدما ارتفع سعر الدولار في غضون أسبوعين من التصريحات من 11 إلى 13.5 جنيهاً، قبل أن ينخفض قليلاً إلى 12.5 جنيهاً.

"المفارقة العجيبة هنا أن مجلس الوزراء أعلن عن الوصول إلى مراحل المفاوضات النهائية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار وتنفيذ برنامج اقتصادي يشمل أحد أهم بنوده خفض سعر الجنيه المصري، وهو الأمر الذي يكشف عن أن تصريحات محافظ البنك المركزي استندت إلى معلومات تربح من خلالها كبار المضاربين بالعملة"، الكلام أيضاً للخبير المصرفي.
ويشير الخبير إلى أن هذه التصريحات الحكومية تُلقي الضوء على شبهات وجود شبكة مصالح داخل الأجهزة الحكومية تستفيد من المضاربة على العملة، وأن الحكومات والبنوك المركزية في العالم تتفادى الوقوع في هذا الخطأ عبر التكتم عن أي قرار يتعلق بمستقبل سعر الصرف، منعاً لاشتعال المضاربات التي ستفقد القرارات المصرفية جدواها كما يحدث في مصر الآن.

آلية تعامل المسؤولين الحكوميين مع التسريبات حول مستقبل حركة سعر الصرف تعيد إلى
الأذهان تربُح كبار رجال الدولة بقيادة جمال مبارك نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، عبر الاطلاع على معلومات جوهرية بالبورصة، مثل وجود عرض استحواذ على شركات ومصارف ثم استباقها بشراء أسهم بها للاستفادة من عرض الاستحواذ.

وذلك على غرار ما حدث في قضية الاستحواذ على قضية البنك الوطني المطروحة أمام المحاكم الآن، والتي تربّح منها جمال مبارك ما قيمته 493.6 مليون جنيه.
المفارقة الأكثر غرابة أنه بعد كل شبهات ارتباط مصالح حكومية بمضاربات العملة، يبدي رئيس البلاد عبدالفتاح السيسي تعجبه من تعامل المواطنين مع العملة على أساس أنها سلعة بإمكانهم التربح عبر المتاجرة بها!

وبات المصريون أكثر انخراطًا الآن في متابعة التطورات اليومية لحركة سعر الجنيه بسبب تأثيرها المباشر عليهم، وهو ما يوضحه أحد المستثمرين قائلاً إن الارتفاع الرهيب للدولار من 7.15 جنيهات حتى 13 جنيهاً في السوق السوداء أثر في حياة المواطنين بشكل مباشر، لأنه أحدث ارتفاعاً جنونياً في أسعار السلع كافة دون استثناء.

ويضيف: "لك أن تتخيل أن أسعار السيارات ارتفعت منذ بداية العام بمعدل لا يقل عن 40%، والعقارات بنسبة 20 – 30%. هذا بخلاف تضاعف أسعار الملابس والطعام والأجهزة المنزلية".
"اتجه بعض المصريين، بعد أن شهدوا الكارثة التي حلت بالجنيه بسبب تعامل البنك المركزي الخاطئ، للمضاربة بالدولار عبر عقد صفقات البيع والشراء بالمقاهي وموقع فيسبوك". وفضّل البعض الآخر تحويل مدخراتهم إلى الدولار للحفاظ على قيمتها"، بحسب المستثمر.

ومن المنتظر أن يزداد وضع الجنيه سوءاً، وسيصاحب ذلك ارتفاع في أسعار السلع والخدمات بناءً على الاتفاق الوشيك إبرامه مع صندوق النقد الدولي لأنه سيؤدي إلى خفض سعر الجنيه وتقليص دعم الطاقة والسلع الغذائية، وقد يمس أجور العاملين بالدولة.


ويختم كلامه بالقول "قبل أن نفكر في تعويم سعر الجنيه، يجب أن نقلص نفقاتنا المقومة بالدولار عبر دعم الصادرات وتقليص واردات السلع التي لها بديل محلي، والكشف عن شبكة المسؤولين المرتبطين بمصالح مع مضاربي العملة".

ووسط اقتراض البنك المركزي الودائع الأجنبية الخاصة بالمواطنين والشركات من المصارف، تجاوزت الالتزامات المالية على البنك المركزي حاجز قيمة الأصول النقدية الأجنبية التي في حوزته، ما دفع المصارف المقرضة إلى رد طلبات عملائها استرداد الودائع والشهادات الدولارية.

وهو ما حدث مع ليلى موسى (ربة منزل 47 عاماً) إذ تقول "أودعت التحويلات التي كان يرسلها لي زوجي من السعودية بالمصرف في وديعة بالدولار، وعندما طلبت الحصول عليها الآن، فوجئت برفض مسؤولي المصرف، ومطالبتي بالانتظار بدعوى عدم وجود دولارات كافية بحوزته".

وتضيف موسى "أنا لست مسؤولة عن مشاكل المصرف، فحقي أن أسترد أموالي في أي وقت عملاً بمقتضى عقد المصرف"، متسائلة: "كيف أثق في المصرف مرة أخرى بعد ذلك؟".

المساهمون