ماريون كوتيار تتكرّم في مراكش... تلك الساحرة

ماريون كوتيار تتكرّم في مراكش... تلك الساحرة

11 ديسمبر 2019
حازت أوسكار عام 2008 بتأديتها دور إديث بياف (Getty)
+ الخط -
لم تكن ماريون كوتيار (1975)، الفتاة الباريسية التي أحبّت الغناء وهي طفلة، فتعلّمته في عام واحد كما قالت، تعلم أنّها ستصبح إحدى أهم الممثلات في تاريخ السينما الفرنسية، خصوصاً بعد حصولها على جائزة "أوسكار" أفضل ممثلة (2008) عن دورها في "La Mome"، الذي أنجزه أوليفييه داهان عام 2007، مؤدّية فيه شخصية المغنية الفرنسية إديث بياف.
بعد ذلك، وفي وقت وجيز، تمكّنت من صنع شخصية قوية، تنسج علاقة تواصل وعشق مع جمهور السينما، ومع مخرجين أحبّوا شخصيتها وجمالها، فمنحوها أدوارا مختلفة، كـ وودي آلن وتيم بورتون وستيفن سودربيرغ ومايكل مان وكريم دريدي وغيرهم.
توزّعت حياتها الشخصية بين السينما وعالم الموضة والمجتمع المدني، إذْ حرصت دائما على أن تكون أحد أفراد "منظمة السلام الأخضر للمشكلات البيئية"، مؤكّدة إعجابها بالعمل ضمن المجتمع المدني، لولا أنّ السينما تأخذ منها وقتا كثيرا، فهي دائمة العمل والتدريب والبحث والتنقيب عن شخصياتها وأمزجتها، قبل قبولها دورا يُقتَرح عليها.

مشاهدة أعمال كوتيار تطرح سؤالا حول الأهمية التي تمنحها الصورة السينمائية للتواصل الحسّي، وهذا أحد أبرز منجزاتها التي تميّزها عن التشخيص المسرحي. أي ذاك المزيج بين العناصر المؤثّرة كلّها، التي يمكن أن تهزّ أجساد المشاهدين وأحاسيسهم، من العينين والأنف، إلى إيقاع المشي والصوت، وأشياء أخرى تحرّك صورة البطلة في اتصال مغناطيسي مع هؤلاء المشاهدين، بسبب جمالية الجسد وحميميته داخل الفيلم.
بتعبير آخر، هذه لغة جسد حيّ، يكسر صنميّة الصورة وجمودها، كما في "منتصف الليل في باريس" (2011) لـ وودي آلن، الذي ـ رغم أنّ لها فيه دورا ثانويا، يتمثّل بأدريانا، عشيقة بيكاسو وموديلياني وهمينغواي ـ استطاعت نقل ذلك الحب والشغف بالفنّ والموضة والعلاقات والجمال الآسر، الذي ميّز تلك الشخصية في القرن الـ19. فكوتيار تُثير شعورا أنّها داخل الفيلم، كأنّها لم تكن تؤدّي دورا معينا، فهي تتكلّم على سجيّتها، لجمالها الطبيعي، الذي يجعلها تنقل شخصية أدريانا بكلّ صدق، بسبب التمركز الجسدي والثقل الجمالي الذي تتميز به.

أما "المهاجر" (2013)، لجيمس غراي، فيروي قصّة فتاة تهاجر مع أختها من بولندا إلى أميركا، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. بمجرّد وصولهما إلى "جزيرة أليس"، في خليج نيويورك، تكتشف السلطات أن الأخت الصغيرة لإيفا (كوتيار) مصابة بمرض السلّ، فتُحتجز في مصحّ. بذلك، لم تسمح السلطات لهما بدخول أميركا، وتحقيق حلمهما، كما أنّها تعتزم ترحيل إيفا إلى موطنها، لكن إيفا ترفض، وتُرغم نفسها على العمل عند السيد برونو (يواكين فينيكس) في سيرك للرقص العاري، الذي يقودها لاحقا إلى الدعارة. كوتيار ضعيفة في تشخيصها دور البطولة، فطبيعة الدور المُسند إليها لا يتيح لها إبراز جمالها الهشّ وقوّة شخصيتها أمام الكاميرا، التي تبدو عاجزة عن التقاط ملامحها. فسمات الفقر والبؤس، التي راهن المخرج عليها في الممثلة، لم تُثمر إيجابيات، رغم النجاح الباهر الذي عرفه الفيلم، فهو يلتقط ألم بولنديين ومعاناتهم، إثر ويلات الحرب العالمية الأولى وخسائرها، وعبورهم البحر هربا من الفقر، الذي طبع بلدهم آنذاك، متوجهين إلى أميركا للعمل والعيش.

في "La Mome" لداهان، تتجاوز كوتيار موقعها كممثلة جميلة، بتأديتها شخصية مركّبة، حيث الصوت والحركة والجسد تُثير كلّها انطباعًا عن قوّة الممثلة، وقدرتها على تأدية أدوار صعبة، تفرض (الأدوار) نوعا من التماهي مع الشخصية الحقيقية، خاصة مع سيرة مؤلمة وجريحة كسيرة إديث بياف، المرأة التي عانت الفقر والإدمان في صغرها، واضطرت لتقديم حركات بهلوانية مع والدها، في الأحياء الفقيرة في باريس لكسب بعض المال للعيش، قبل أن يفتح لها صوتها آفاقا لم تتخيّلها، فتتربع على عرش الغناء في التاريخ المعاصر لفرنسا. 

تبقى كوتيار مَدينةً لبياف، ولداهان أيضا، على منحها هذا الدور "العظيم"، الذي صنع شهرتها الحقيقية كممثلة: "إديث بياف غيّرت مجرى حياتي"، كما قالت في "محادثة مع"، أجراها الناقد السينمائي الفرنسي جان ـ بيار لافوانيا، خلال الدورة الـ18 (29 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش".

المساهمون