ماذا يقرأ الشباب المسيّس في مصر؟

ماذا يقرأ الشباب المسيّس في مصر؟

23 اغسطس 2016
(في ميدان التحرير 2011، تصوير: إد غيليز)
+ الخط -

حتّى يتمكن الشباب المصري المسيس من تأطير جهوده في كيانات تحقق طموحه أو تطوير الكيانات التي ينتمي إليها، فهو بحاجة إلى مصادر فكرية تساعده على بلورة أفكاره في العمل السياسي؛ أي يكون له وضوح نظري، قبل اﻻنطلاق عمليًا.

من هذا المنطلق خرج سؤال: لمن يرجع الشباب المصري لقراءة المشهد السياسي والتعامل معه؟


الليبراليون
يرى الناشط أحمد رجب، أن الليبراليين في مصر يتراوحون بين يسار الوسط ويمين الوسط؛ وبالتالي فهم مستندون إلى أطروحات ومرجعيات مختلفة، وهو أمر ينتج عنه بالضرورة مواقف مختلفة ومتباينة، ويضرب مثالًا بموقف المصريين من أحداث 30 يونيو وانقلاب 3 يوليو 2013، وموقف الكاتب الليبرالي عمرو حمزاوي من الحدث نفسه.

يضيف رجب أنه "بشكل عام، فإن شباب التيار الليبرالي في مصر ﻻ يقرؤون بالقدر الكافي، وأنهم يكتفون بالتحليلات اﻹعلامية السائدة؛ ما يؤدي إلى وجود تخبط في مواقفهم السياسية، سواء المستقلين منهم أو المنضمين إلى أحزاب"، على حد تعبيره. وعلى الرغم من اعتقاد رجب أن هناك تحليلات سياسية يمكن اﻻعتماد عليها، إلا أنه يرى أن الرجوع إلى اﻷدبيات الليبرالية أمر في غاية الضرورة لصياغة مواقف متسقة وأصيلة تتفق مع التوجه الليبرالي.

ويقول إن "أغلب شباب التيار الليبرالي القارئ في مصر يعتمد على الكتابات الغربية بشكل أساسي، من أول كتاب الرسالة الثانية في التسامح والدولة المدنية لجون لوك، مرورًا بأطروحات جان جاك روسو وعقده اﻻجتماعي، إلى العدالة كإنصاف لجون رولز، ومقاﻻت توني بلير عن الطريق الثالث".

ويرى رجب أن الليبراليين في مصر يلجؤون إلى بعض أطروحات الليبراليين العرب بسبب معضلة علاقة اﻹسلام بالليبرالية، مثل ما طرحه رفعت لقوشة في كتابه "الليبرالية والمجتمع المصري.. اﻷزمة والدليل"؛ حيث حاول التوفيق بين اﻹسلام والليبرالية. لكن رجب يرى أن هذا أدى إلى خلق وضع مشوه لليبراليين في مصر، ﻷن تمصير اﻷطروحات الغربية خطأ فادح من وجهة نظره.


اﻹسلام السياسي

يقول الناشط عبد السلام صلاح، إن تيار الإسلام السياسي لم يتغير منظّروه وكُتابه من القرن الماضي، وذلك لأن الحركات اﻹسلامية اهتمت ببناء التنظيمات على حساب الفكر. فظلت أطروحات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي ملازمة لبعض الشباب. وظلت كتب يوسف القرضاوي وراشد الغنوشي ملازمة لآخرين، لكن حتى تناول هذه اﻷطروحات كان اجتهادًا من الشباب وليس بتوجيهات من القيادة. وهو أمر يؤيده الكاتب اﻹسلامي شريف أيمن.

ويقسم صلاح شباب التيار اﻹسلامي- بشكل عام- إلى جناحين: اﻷول يتبنى أطروحات أكثر انغلاقًا مثل أطروحات قطب، وظهر تأثير هذه اﻷطروحات بعد ثورة 25 يناير؛ حيث استقى بعضهم فكرة الحاكمية من "معالم في الطريق" لقطب، فكانت المناداة بشعارات الشريعة والحاكمية لله عقب الثورة وأثناء الدعاية الانتخابية، بالإضافة إلى دستور 2012، مبنية على ما جاء في الكتاب. وحتى بعد انقلاب الجيش في 3 يوليو 2013 استند البعض إلى معالم قطب لرفض الديمقراطية ندمًا على خوض التجربة.

الجناح الآخر من الشباب منفتح إلى حد ما على التيارات الأخرى، وربما لا يرى إشكالية في التحالف مع أي منهم مع التزامهم بما أسماه القرضاوي "الحل الإسلامي"، فالقرضاوي الذي كتب "شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان" و"الحل الإسلامي فريضة وضرورة" و"من فقه الدولة في الإسلام"، هو ما استندوا إليه في ضرورة الاندماج وطمأنة غير المسلمين على حقوقهم والدخول في تحالفات انتخابية عقب الثورة، ليعرضوا ما جاء في كتاب "غير المسلمين في المجتمع الإسلامي" و"الأقليات الدينية والحل الإسلامي"، وعندما علا صوت التكفير والجهاد بعد يوليو 2013، ردوا بموسوعة فقه الجهاد ونشروها عبر مواقع التواصل. وهناك ضمن شباب الحركة السياسية الإسلامية من تنطلق مفاهيمه من الدولة الوطنية لا الخلافة، وهؤلاء تأثروا براشد الغنوشي وطارق البشري.

ويرى الكاتب شريف أيمن أن الحركات اﻹسلامية لم تعد تُخرِّج شبابا مفكراً، بل وﻻ تريد أن تخرج سوى شباب فكره ﻻ يتجاوز السمع والطاعة، وأن أي محاوﻻت للتثقيف هي مبادرات فردية. لكن عبد السلام يعتقد أن شريحة واسعة من شباب تيار اﻹسلام السياسي بدأ في القراءة عقب اﻹطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو 2013، ولم يعودوا يكتفون بالتحليلات اﻹعلامية السائدة كما كان يحدث قبل ذلك. ويرد صلاح ذلك إلى أن معظم الشباب أدركوا حالة التخدير التي كانت التنظيمات تقوم بها والمبنية على وهم الالتفات للعمل دون القراءة؛ فالشباب أدركوا ضرورة العمل الحركي المستند لفكر وفهم وتجديد وتطوير ومراجعة مستمرة، وهذا من الممكن حصاد نتائجه بعد سنين.


اليسار
يبدأ الكاتب اليساري تامر وجيه حديثه عن الكتاب والكتب التي شكلت وعي اليسار المصري، بالعودة إلى الثمانينيات، حيث كان جزء كبير من اليسار ينتمي وقتها إلى مدرسة التبعية، وهي مدرسة في الاقتصاد السياسي.

وكان أبرز كتاب هذه المدرسة سمير أمين، وهو ماركسي مصري عاش معظم حياته خارج مصر ويكتب بالفرنسية غالبًا، وكان مؤثرًا بشكل كبير، باعتباره واحدًا من أهم أنصار مدرسة التبعية. وعلى درجة كبيرة من الاقتراب من أفكار هذه المدرسة كان اليسار يقرأ كتابات الدكتور فوزي منصور، وبالذات كتابه "خروج العرب من التاريخ"، وإلى حد ما كتابات فؤاد مرسي، وخصوصا "الرأسمالية تجدد نفسها". كما كانت كتابات صلاح عيسى مؤثرة، وكذلك كتاب طارق البشري الحركة السياسية في مصر، رغم أن البشري نفسه كان تحول إلى موقف إسلامي بعد كتابته للكتاب، وأضاف مقدمة للكتاب فيها نقد ذاتي لبعض ما ورد فيه.

وعلى مستوى آخر، كان اليسار يقرأ ماركس وإنغلز بالطبع، وكتاب مدرسي لفيلسوف فرنسي اسمه جورج بوليتزر باسم "أصول الفلسفة الماركسية". وعلى المستوى الفلسفي، كان كذلك لوي آلتوسير، المفكر الفرنسي الماركسي، مؤثرًا، ومعه نيكوس بولتنزاس من نفس المدرسة (الماركسية البنيوية).

ويضيف وجيه أن المجموعة التروتسكية الصغيرة وسط اليسار وقتها، كانت تقرأ تروتسكي، وإسحق دويتشر، الكاتب، وإرنست ماندل كذلك. أما حاليًا، فيظن وجيه أن كل هذا قد تهاوى ولم يعد مؤثرًا. لأن اليسار لم يعد يقرأ أيًا من هذا الآن. فاليسار المصري، في رأيه، تضاءل إلى حد بعيد. وأنه وإن كان صحيحًا أن هناك روحًا يسارية لكن ﻻ يوجد موقف يساري أيديولوجي متماسك.

ويقسم الناشط اليساري والعضو المؤسس في حزب العيش والحرية، أكرم إسماعيل، اليسار المصري حاليًا إلى قسمين؛ اﻷول كلاسيكي يهتم بكتابات ماركس وإنغلز ولينين وكُتاب السبعينيات، وهؤﻻء يتسم جزء كبير منهم بالنخبوية. والآخر هو اليسار الثوري، الذي يستمد قوته من مواقفه الصلبة المعادية للسلطة.

ويرى إسماعيل أن هناك أزمة كبيرة في اليسار الثوري، هي أن هناك حالة من الجهل مستشرية في أوساط شبابه الفاعل على اﻷرض، وأن انتماء هذا الشباب إلى اليسار ليس قائمًا على رؤية معرفية باليسار، ولكن اﻻنتماء مرتبط بانحياز اليسار للطبقات اﻻجتماعية الدنيا ومواقفه المعادية للسلطة.

ويضيف المهندس أكرم، أن تثقيف الشباب اليساري ليس سهلًا؛ فإقناع الشباب بقراءة الكتب المؤسسة للتيار، ليس باﻷمر السهل في مجتمع جرى تجهيله وتجريفه على مدى عقود. ورغم ذلك، يقول إسماعيل، إنهم في حزب العيش والحرية يقومون بإنتاج تقارير سياسية مبسطة ويعقدون جلسات لمناقشتها مع الشباب من أجل تثقيفهم، إضافة إلى ترجمة مختارات من كتابات كُتاب يساريين معاصرين، واﻻستعانة بالمقاﻻت التي ينشرها موقع "الجمهورية" اليساري السوري، خاصة سلسلة "اليسار وسؤال الحرية".

المحامي اليساري أحمد البحراوي يرى أن اليسار الثوري في مصر يعتمد بشكل أساسي على أطروحات وتنظيرات ثلاثة كتاب، هم؛ توني كليف وكريس هارمان وجون مولينو. ويضرب مثالًا بكتاب كريس هارمان، النبي والبروليتاريا، والذي يحلل فيه تنظيمات الإسلام السياسي تحليلًا ماركسيًا. ويضيف البحراوي أن الاشتراكيين الثوريين في مصر يبنون موقفهم تجاه جماعة اﻹخوان واﻹسلام السياسي بناء على هذا الكتاب، حيث يرون أنها جماعات إصلاحية وليست فاشية.


(مصر)

المساهمون