ماذا يريد الإليزيه من السرايا الحمراء؟ (2/3)

ماذا يريد الإليزيه من السرايا الحمراء؟ (2/3)

19 يونيو 2020
+ الخط -

ساركوزي صديق القذافي، ويحاكم أمام القضاء الفرنسي بتهمة أنه تحصل على عشرات الملايين من اليوروهات من القذافي لإنجاح حملته الانتخابية. وحين اندلعت احتجاجات في ليبيا مناهضة لحكم القذافي سارع ساركوزي لدعمها. وكانت فرنسا أول الدول التي اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي الوليد من رحم المظاهرات. بل مضت إلى أبعد من ذلك، إذ كانت طائرات "الرافال" الفرنسية تنفذ ضربات جوية ضد قوات القذافي التي وصلت إلى تخوم بنغازي، بعد إقرار القرار الأممي الشهير 1973 الذي ينصّ على حماية المدنيين، إلى أن تم تكليف حلف شمال الأطلسي الناتو بهذه المهمة لاحقاً.

وما إن انتهت الحرب في ليبيا ووضعت رسمياً رحاها في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2011 أخذ ينصبُ تركيز العالم على سورية، وما يدور فيها من أحداث متسارعة ودموية، كما أن زعماء ليبيا الجدد والمحسوبين على الإسلامي السياسي، ومن المعارضين التابعين للولايات المتحدة كرئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب ونائبه مصطفى أبوشاقور ورئيس المؤتمر الوطني العام (الذي يعادل البرلمان في ليبيا) محمد يوسف المقريف، ركنوا للصديق القديم في بلاد العام سام، وأداروا ظهورهم لباريس، وتهاوت أحلام السيطرة النفطية و"توتال"، التي لم تتمكن من توقيع عقد مع وزارة النفط الليبية يساوي التضحيات الفرنسية.

بعد انتخابات 2012 التي أطاحت ساركوزي، صعد نجم الثعلب الفرنسي جان إيف لورديان، عتيد السياسية الفرنسية منذ وصوله للجمعية الوطنية الفرنسية 1981 وحتى توليه منصب وزير الدفاع في عهد هولاند ثم وزير الخارجية في عهد ماكرون، بدا أن قياديي الإليزيه الجدد أصبحوا يناصبون العداء للإسلام السياسي الذي تمثل حجز الزاوية فيه تركيا وقطر. وبدأ التحالف مع الإمارات بداية من صفقة طائرات "الرافال" الفرنسية لمصر بتمويل إماراتي، وانتهاءً باستثمارات لا تعد ولا تحصى لصالح أبوظبي في باريس.

فرنسا لودريان تختلف عن فرنسا ساركوزي

وبعد اشتعال الاستقطاب السياسي في ليبيا، ووصول التوافق السياسي لدروب مسدودة، وتنامي وجود تنظيمات إرهابية في بنغازي ودرنة شرقي ليبيا، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر عملية الكرامة، بغرض محاولة السيطرة على الحكم في ليبيا بدعم سعودي إماراتي مصري في مايو/ أيار 2014. ويبدو أن باريس وجدت ضالتها في عدوها السابق الذي هزمته وأسرته في تشاد.

استمرت المعارك في بنغازي مع استمرار الانقسام السياسي في ليبيا، وانتقلت الشرعية للحكومة المؤقتة شرقي ليبيا والتي كانت متحالفة مع حفتر، وهنا بدأ التنسيق العسكري الفرنسي مع حفتر يأخذ منحاه التصاعدي، بنسج خيوطه مع لودريان. وما أظهره فعليا إلى العلن هو اعتراف الرئيس الفرنسي حينها فرانسوا هولاند بمقتل ثلاثة من ضباطه في حادث تحطم مروحية غربي بنغازي في يوليو/ تموز 2016، ضمن ما سماه هولاند عملية استخباراتية، ثم أكد حفتر في لقاء متلفز أن فرنسا دولة صديقة وحليفة لقواته وأمدتها بكل المعلومات والمعدات اللازمة، وبث هذا اللقاء في فبراير/ شباط 2017، رغم أن فرنسا تعترف رسميا بحكومة الوفاق الوطني المولودة من اتفاق الصخيرات والمعترف بها بقرار أممي.

ورغم استمرار الاستقطاب وعدم اعتراف حفتر بالاتفاق السياسي وعدم المصادقة على حكومة الوفاق من قبل برلمان طبرق، إلا أن فرنسا حاولت في يوليو/ تموز 2017 من خلال جمع حفتر والسراج أن تحاول تقريب وجهات النظر وتعديل الاتفاق السياسي، أو تقسيم ليبيا لإدارتين، إدارة عسكرية تحت خليفة حفتر، وإدارة مدنية تحت السراج. لكن القوى السياسية لم توافق، لأنها لا تثق بحفتر.

كان ماكرون ولودريان يتوقعان فشل اللقاء لكنهما كسبا تقديم حفتر لأول مرة إلى العالم على أنه زعيم سياسي بفرض الأمر الواقع. بعد هذا اللقاء بعام تقريباً، حاولت فرنسا جمع الفرقاء الليبيين السراج والمشري من جانب "الوفاق" وعقيلة صالح وحفتر من جانب "الكرامة"، لغرض تعديل الاتفاق السياسي والمضي في العملية السياسية.

بقيت حالة الفتور والجمود وفق متغيرات دولية في سورية والانتخابات الأميركية والأزمات المتتالية في المنطقة، حتى أعلن حفتر في بداية إبريل/ نيسان عام 2019، هجوماً مجنوناً بحسب وصف مراقبين، برفقة مرتزقة على عاصمة بلاده المتمترسة بها حكومة معترف بها دولياً. هذا الهجوم الذي توقع مستشارو حفتر أنه لن يكلفهم سوى يومين، قوبل بحملة مضادة وعملية عسكرية، أحالت اليومين إلى سنة وشهرين، وانتهت فيها أحلام حفتر وحلفائه بالاستيلاء على العاصمة. وفي حيثيات فترة العدوان، وتحديدًا في بدايته، ضبط حرس الحدود في تونس 19 متسللاً من ليبيا قيل إنهم ضباط فرنسيون. بينما علقت السفارة الفرنسية في ليبيا بأنهم مرافقون أمنيون للسفيرة الفرنسية في ليبيا، وهو ما لم يستسغه العقل، فكيف لهؤلاء أن يكونوا أساساً في مدينة غريان قاعدة حفتر للهجوم على طرابلس.

يتبع..