ماذا يأكل البحرينيون؟.. أغذية فاسدة تهدد صحة المواطنين والمقيمين

ماذا يأكل البحرينيون؟.. أغذية فاسدة تهدد صحة المواطنين والمقيمين

المنامة

اسلام الزيني

avata
اسلام الزيني
13 سبتمبر 2015
+ الخط -

لم يتوقع الباكستاني المقيم في البحرين، علي شريفي (اسم مستعار)، أن ينتهي حفل زفاف ابنته في المشفى، القريب من منزله في المنامة، بعد إصابة 15 مدعواً بأعراض تسمم غذائي، بسبب تناول وجبات غذائية من مطعم يوفر الأكلات الشعبية للولائم والاحتفالات.

تقدم شريفي بشكوى إلى قسم مراقبة الأغذية بوزارة الصحة البحرينية، وبينما ينتظر الرد عليه، أكد محمد سلمان الحداق، رئيس قسم مراقبة الأغذية في وزارة الصحة، لـ"العربي الجديد"، أن المطعم لم يكن مرخصا لتقديم وجبات للتجمعات الكبرى، نظرا لوجود اشتراطات خاصة يتطلبها الأمر، متابعا "صاحب المطعم يتم التحقيق معه، أمام الجهات المختصة".

يحذر الحداق من الولائم التي يتم شراءها من المطاعم غير المرخصة لتقديم هذه الخدمة، مبينا أن بعض المطاعم لا تملك تصريحاً لإعداد طعام الولائم، قائلا: "على المستهلك الذي يرغب في الطلب من المطاعم للحفلات التأكد من أن الأخيرة حاصلة على رخصة لممارسة هذا النشاط".

اقرأ أيضا: مافيا رخصة السواقة..المدربون في البحرين يستغلون المواطن والمقيم

4631 منشأة مخالفة

بحسب إحصاءات رسمية، حصل عليها "العربي الجديد" من وزارة الصحة البحرينية، فإن عدد الزيارات التفتيشية على المطاعم، للنصف الأول من عام 2015، بلغ 5963 زيارة تفتيشية من بينها 4631 زيارة لمنشآت مخالفة للمادة 4 من قانون الصحة العامة رقم 3 لسنة 1975، إذ استدعت تلك المخالفات التنبيه أو الإنذار بالغرامة، بينما وصل عدد المنشآت المخالفة للمادة 5 والتي تستحق الغرامة المالية المباشرة، 555 منشأة، وتم إنذار 130 منشأة بالغلق، بينما أغلقت 22 منشأة وتم تحويل أصحاب 22 منشأة أخرى إلى النيابة العامة، أما بقية الزيارات فتنوعت بين تفتيش سيارات ومركبات نقل وتوزيع الأغذية والمياه، وانخفضت المنشآت غير المخالفة إلى أقل من مئة منشأة فقط.

يعلق مصدر في وزارة الصحة (رفض الكشف عن اسمه تجنبا للتصادم مع وزارة العمل) قائلا: "نحاول أن نواجه الفوضى في المطاعم بقدر المتاح، ولكن المشكلة هنا مرتبطة بالعمالة السائبة التي تفعل ما تريد وقتما تشاء من دون حساب ولا أحد يستطيع أن يحد من نشاطها".

يتابع المصدر في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد":"تكشف وزارة الصحة خلال الجولات التفتيشية بالمطاعم أعدادا من العمالة السائبة التي تتصف بتدني المستوى الثقافي والتعليمي ولا تملك أيا من درجات الوعي المطلوبة، للعمل في المطاعم إذ تعد تلك العمالة الطعام للمواطنين والمقيمين من دون رقيب".

يتابع المصدر "العمالة السائبة ليست مدربة، ليس لديها ثقافة تخزين الأغذية بالصورة السليمة أو خلفية حول طريقة الاستعمال الصحيحة على سبيل المثال. ومن الحالات الشهيرة التي يكتشفها مفتشو وزارة الصحة، قيام العاملين في المطاعم التي تقدم السمبوسة (أكلة شعبية) وتنتشر في محافظات البحرين، بتخزين البصل بشكل سيئ، واستعمال زيت القلي لفترات طويلة، ما يشكل خطرا على صحة البحرينيين".

يؤكد رئيس هيئة تنظيم سوق العمل في البحرين، أسامة العبسي، وجود أكثر من 55 ألف عامل غير نظامي في البحرين (عمالة سائبة)، ويقول اتحاد نقابات عمال البحرين إن هذه النسبة تعادل 10 في المئة من مجموع القوى العاملة البحرينية، وتعد من الأكبر على مستوى العالم.

اقرأ أيضا: خريجو الجامعات الخاصة في البحرين..مرفوضون في سوق العمل

الصحة: نقص المفتشين يؤدي للفوضى

عبر جولة قام بها كاتب التحقيق على عدد من المطاعم في مدينة الرفاع، جنوبي العاصمة المنامة، ووثق فيها عدداً من المخالفات الصحية التي لم يصل إليها مفتشو المراقبة الغذائية في وزارة الصحة، إذ استطاع زيارة مخزن في أحد المطاعم، (يحتفظ باسمه)، بدا غير صالح لتخزين المواد الغذائية، من حيث تدني مستوى النظافة في المكان، وتخزين الأطعمة في حاويات ضخمة تفتقر إلى أدنى المواصفات المطلوبة، في حين بدت بعض المواد الغذائية (فواكه) باهتة اللون وذابلة تشي بالإهمال.

مطعم آخر، لبيع المأكولات الهندية التي تلقي رواجا في البحرين لدى المواطنين والمقيمين، وثق المحرر فيه، عدم اهتمام العمال في المطعم بالنظافة الشخصية، والقلي بزيت لم يتغير منذ فترة طويلة، فضلا عن اتساخ المكان ووجود الحشرات.

أمام المطعم، وقف سعيد حسين 18 عاما (طالب جامعي) يشتري طعام الغداء، غير مبال بأي ملاحظات تنتقد المكان، يقول حسين لـ"العربي الجديد":"هذا المطعم هو الأقرب للبيت، وأسعاره رخيصة مقارنة ببقية المطاعم".

27 مفتش صحةٍ في البحرين

تشكو وزارة الصحة البحرينية، من نقص المفتشين الصحيين، كما يقول رئيس قسم مراقبة الأغذية محمد سلمان الحداق، متابعاً "العدد القليل الذي يعمل حاليا، لا يكفي لإجراء زيارات لكل مطاعم البحرين".

وقال الحداق في لقاء مع "العربي الجديد"، بمكتبه في المنامة، "الوزارة تطالب بصورة مستمرة من الحكومة، بأن تزيد أعداد المفتشين، إذ لا يوجد عدد كاف لكشف مخالفات المطاعم، وهناك مطاعم لا يصل إليها المفتشون الذين يعدون على أصابع اليد".

يضم قسم مراقبة الأغذية في وزارة الصحة، قسمين فرعيين، الأول مجموعة سلامة الأغذية المستوردة، والتي يعمل فيها 27 مشرفا ومفتشا، بالإضافة إلى رئيس المجموعة على المنافذ البرية والبحرية والجوية الثلاثة (جسر الملك فهد، ميناء الأمير خليفة، الشحن الجوي في مطار البحرين الدولي).

القسم الثاني، هو مجموعة سلامة الأغذية المحلية والتراخيص، وتضم ثمانية مفتشين ومشرفاً في وحدة التراخيص، مسؤولين عن منح التراخيص لعشرات المطاعم التي تفتح أسبوعيا في كافة أنحاء البحرين، أما وحدة التفتيش المحلي المعنية بمراقبة المطاعم فتضم 26 مفتشاً ومشرفاً (27 العدد الكلي، موزعين على مصانع الأغذية والأسواق المركزية والمدارس والفنادق والمستشفيات والمراكز الصحية والمجمعات التجارية والمنشآت الغذائية بجميع المحافظات، هؤلاء يجب عليهم مراقبة 16 ألف منشأة غذائية موجودة في المملكة، بحسب معلومات موثقة حصل عليها "العربي الجديد".

بسبب قلة عدد المفتشين يكشف رئيس قسم مراقبة الأغذية، أن المفتشين تمكنوا من زيارة 5963 منشأة غذائية فقط، خلال النصف الأول لعام 2015 ولمرة واحدة فقط، ووجدوا أن 90 % من المنشآت مخالفة، قائلا "تخطى أكثر من مفتش سن المعاش وعدد المنشآت كبير"، مشيرا إلى الحاجة الماسة لدعم القسم بالمفتشين وأهمية تأهيلهم إلى درجة أعلى من الدبلوم حتى يتمكنوا من أداء وظيفتهم بصورة مثلى.

أضاف الحداق:"بالمقارنة بدول أخرى في المنطقة، تعتبر البحرين أفضل كثيرا في مجال سلامة الأغذية والمراقبة المستمرة، ولكن لا يمكن أن ننكر وجود تجاوزات كثيرة، وبحسب الإحصاءات لدينا، نغلق منشأة غذائية كل أسبوع تقريبا، بسبب عدم وجود تصريح لها أو مخالفة بالتصريح، ولكن هذه ليست سلطتنا ولكن الجهة المسؤولة عن التراخيص هي وزارة العمل التي يجب أن تراقب هذه المطاعم والعاملين بصورة مستمرة".

يستطرد الحداق:"لا نستطيع التحكم بالعمالة السائبة كوزارة للصحة، والوجوه تتغير في المحلات، من يعملون يوم افتتاح المحل، ليسوا هم نفس الأشخاص الذين يستمرون في العمل، في كثير من الأحيان يتجه صاحب العمل إلى العمالة السائبة ليحصل على خدماتهم بأجور زهيدة، ويستغني عن العاملين الأساسيين".

اقرأ أيضا: "التهمة كتاب4".. القائمة الكاملة للعناوين الممنوعة في السعودية

العمالة السائبة تغزو المطاعم من دون رقيب

عبر زيارة أحد المطاعم الشهيرة في مدينة عيسى (تقع في المحافظة الجنوبية في مملكة البحرين)، وثق "العربي الجديد" عدم وجود إثبات عمل لدى صاحب المطعم لخمسة من العاملين، الطباخ واثنان من العمال الذين يظهرون أمام الزبائن، لديهم هذا التصريح اللازم للعمل في منشآت مماثلة، في حين أن بقية العمال في المطبخ يعملون بالمخالفة للقانون. يقول صاحب المطعم (رفض ذكر اسمه) لـ"العربي الجديد": "إذا لم أعتمد على هؤلاء العمال، لن أربح أموالا، لأنهم يحصلون على أجور قليلة بالمقارنة مع الآخرين الذين يعملون بصورة رسمية، وبالتأكيد أراقب نظافتهم الشخصية".

يؤكد الحداق أهمية تأهيل العاملين في المطاعم ومنحهم شهادة تخصصية، قائلا "لا يمكن أن يأتي شخص من بيئة وظيفية مختلفة، ليعد الطعام للناس"، وشدد على احتياج البحرين إلى إقرار قانون الصحة العامة الذي تتم مناقشته تحت قبة البرلمان حاليا، قائلا "يجب أن يحصل العامل على شهادة ابتدائية على أقل تقدير ويحصل على شهادة سلامة الأغذية قبل ممارسة العمل، ويسمح مشروع القانون المقترح للمفتشين أن تكون لهم الضبطية القضائية".

الباعة الجائلون

لم تعد مشكلة سلامة الأغذية تتصل بالمنشآت التي تراقب نظافتها وزارة الصحة، إذ ينتشر الباعة الجائلون في العديد من شوارع البحرين لبيع أطعمة لا يعرف مصدرها ولا يتعرضون للمساءلة، ويقول الحداق تعليقا على هذه الظاهرة: إنها خارجة عن سيطرتنا وهي مسؤولية وزارة الأشغال وتقع تحت قانون إشغال الطرق ونحاول التنسيق مع البلديات لإيجاد حل لأن هؤلاء العاملين لا نعرف مصدر أطعمتهم، وكذلك يقوم بعض المواطنين أو المقيمين ببيع مواد غذائية من البيوت، القسم لا يملك التراخيص المطلوبة ليدخل البيوت ويفحص نوعية الطعام، وللأسف إعلانات هذه المطاعم المنزلية أصبحت منتشرة بكثافة في صحف الإعلانات ومواقع التواصل الاجتماعي والناس تأكل من دون أن تعرف مصدر الطعام".

اقرأ أيضا: "التهمة كتاب 3".. أخطر 14 عنوانا في المغرب

دجاج مريض يباع للمطاعم

تعددت مخالفات عدد من المطاعم في البحرين، حتى وصلت إلى ذبح دجاج في الشارع، يعاني من حالات مرضية متأخرة، إذ أغلق قسم مراقبة الأغذية في (30 يوليو/تموز 2015) مطعماً واقعاً بمجمع 302 في المنامة، يقوم عماله بذبح الدجاج في الطريق المحاذي للمطعم، بعد توثيق الشواهد والأدلة التي تثبت ارتكاب هذه المخالفات، بما فيها مقطع فيديو مصور يظهر اثنين من العمال، وهما يذبحان الدجاج الحي، على الرغم من قرار سابق لوزير التجارة والصناعة في البحرين يحظر ذبح المواشي والدجاج خارج المسلخ المركزي.

يعلق الحداق بأن أحد مفتشي الصحة قام على الفور بزيارة المحل، بعد ورود بلاغ، وتم ضبط آثار الذبح خارج المحل، إلى جانب عدد من المخالفات الصحية الأخرى، لافتاً إلى أن بعض المداجن تبيع الدجاج المريض لبعض المطاعم بأسعار زهيدة، وهي وقائع يتم تحويلها للنيابة العامة بعد جمع الاستدلالات المتعلقة بالمخالفات الصحية.

مخالفات أخرى متنوعة رصدها قسم مراقبة الأغذية، في المطاعم، تؤثر في صحة المواطنين، ويعدد الحداق تلك المخالفات، قائلا "وجود قوارض أو حشرات وصراصير، تسرب من الأسقف، توصيلات المجاري، تردي مستوى النظافة الشخصية للعاملين ومستوى النظافة العامة، وجود انسداد في المجاري، عدم الالتزام بالزي الخاص بالعمل، استخدام مواد غذائية منتهية الصلاحية، عدم التخزين الجيد في الثلاجات أو المخازن، تردي الحالة الصحية للعاملين، التهوية غير الجيدة، عدم حفظ المادة الغذائية بدرجة حرارة مناسبة.

بلغ عدد الشكاوى على الخط الساخن لقسم مراقبة الأغذية 817 شكوى في عام 2014، في الوقت الذي أغلقت 41 منشأة غذائية في ذلك العام، وينتظر وضع إحصائية لعام 2015 في نهايته.

اقرأ أيضا: زحام الخليج(2).. 7 أسباب لمشكلة التكدس المروري في الدوحة

الفحص السريري

في مستشفى السلمانية في العاصمة المنامة، يؤكد الطبيب البحريني أحمد (رفض ذكر بقية اسمه)، أن حالات التسمم التي قد إلى المشفى بشكل يومي في بعض الأحيان، لا تستطيع المستشفى إثباتها، ويتفق الحداق مع طبيب مستشفى السلمانية، في أن عدد الحالات يصعب إثباته، مشيرا إلى أن وحدة الأمراض بوزارة الصحة والتي تتابع حالات التسمم تقوم بفحص سريري للمرضى، قائلا "للأسف التحليل سريري وليس مختبري ولا يمكن أن نصل لنتيجة التسمم في الحالات الفردية، قد يكون العدد أكبر من ذلك".

وبحسب وزارة الصحة فإن حالات التسمم التي رصدت العام الماضي 2014 بلغت 87 حالة وأكثر حالات التسمم كانت بسبب السلمونيلا، إذ شكلت نسبة 49 في المئة من النسبة العامة،
ويرى الحداق أن الجو الحار في البحرين وارتفاع الرطوبة يؤديان لزيادة البكتيريا، مما يتطلب زيادة الوعي لدى المواطنين وأصحاب المحلات بأسلوب التخزين السليم وكفاءة الثلاجات، وغيرها من العوامل المؤثرة على صحة البحرينيين.

-------
اقرأ أيضا:
زحام الخليج (3).. الاختناق المروري كابوس الإماراتيين